الناتو في زمن الحرب.. كفاح لاختيار أمين جديد
لم يقتصر تأثير العملية العسكرية الروسية في أوكرانيا على الدول المنخرطة فيها, وإنما امتد للدول والتحالفات بالعالم وبينها الناتو.
وتزايدت خطورة ومهام منصب رئيس حلف شمال الأطلسي جراء الحرب التي جعلت الوظيفة أكثر حساسية سياسيا عما كانت عليه من قبل.
- الناتو يضيء شمعته الـ74 بفنلندا.. 31 فوهة بوجه روسيا
- داعش وحرق المصحف.. السويد تطلب ود تركيا لعيون "الناتو"
شائعات حول الرئيس القادم
تدور شائعات تضخم فقاعة بروكسل، مفادها أن المسؤول التنفيذية الكبيرة بالاتحاد الأوروبي أورسولا فون دير لاين في طريقها لإدارة حلف شمال الأطلسي (الناتو).
وبحسب مجلة "بوليتيكو" الأمريكية، فإن المبرر منطقي؛ إذ تربطها علاقة عمل جيدة مع واشنطن، وهي وزيرة دفاع سابقة، وبصفتها رئيسة المفوضية الأوروبية، لديها خبرة في العمل مع معظم رؤساء حكومات الناتو. وعلاوة على ذلك، وحال اختيارها للمنصب، ستصبح أول قائدة للحلف على الإطلاق.
وبلغ الحديث ذروته خلال الأسابيع الأخيرة، حيث يتابع الناس المغادرة المعلقة للأمين العام الحالي للحلف ينس ستولتنبرغ بنهاية سبتمبر/أيلول.
لكن بالنسبة لأولئك في الناتو والمفوضية، فإن الهمهمات هي أكثر من مجرد تلميح حول تغيير وظيفي وشيك. ولا يوجد دليل على أن فون دير لاين مهتمة بالمنصب، ولا يتوقع أولئك الموجودين في بروكسل منها الاستقالة قبل انتهاء فترتها الرئاسية الأولى في 2024.
ويشبه ذاك الحديث الهمهمات بشأن رئيس الوزراء الهولندي مارك روته، الذي يستوفي جميع المتطلبات لكن يصر على أنه لا يريد الوظيفة.
وتوضح التكهنات مدى تغيير الحرب الروسية في أوكرانيا لحلف الناتو – ومن يمكنه قيادته. وسلطت الحرب ضوءا جديدا على الحلف، الأمر الذي جعل الوظيفة أكثر حساسية سياسيا وبروزا عما كانت عليه من قبل. وأصبح الحلفاء فجأة أكثر حذرا بشأن من يريدونه أن يعتلي المنصة للتحدث نيابة عنهم.
لكن باختصار، يبدو الحديث عبارة عن أشخاص يطرحون مرشحيهم المثاليين ويختبرون الأفكار بدلا من الانخراط في مفاوضات حقيقية.
وقال دبلوماسي أوروبي كبير -طلب عدم ذكر اسمه-: "كلما طرحت أسماء اتضح أنه لا يوجد مرشح".
واتفق دبلوماسي أوروبي كبير آخر، قائلا: "هناك الكثير من القيل والقال بالغرف الخلفية. لكن لا يوجد مرشحون واضحون بهذه المرحلة".
شروط المنصب
ويقول المسؤولون إن أمين الناتو الجديد يجب أن يكون أوروبيا يمكنه العمل من كثب مع أي شخص بالبيت الأبيض.
لكن هذا ليس كل شيء. ويحتاج أمين الناتو الجديد إلى أن يكون شخصا يدعم أوكرانيا، لكن ليس متشددا للغاية، لدرجة تخيف الدول القلقة من استفزاز روسيا. ويجب أن يتمتع هذا الشخص بالمكانة -رئيس دولة أو حكومة سابق على الأرجح- يمكنه الحصول على دعم بالإجماع من 31 عاصمة، والأكثر أهمية، الولايات المتحدة.
القائمة القصيرة
وينطبق ذلك على فون دير لاين، لكن هناك عقبات أمام ترشحها، أولها ببساطة التوقيت. فإذا غادر ستولتنبرغ المنصب في الخريف كما هو مقرر، سيأتي من يحل محله قبل عام على انتهاء فترة رئاسة فون دير لاين للمفوضية التي تنتهي نهاية 2024. كما أنها قد تسعى لفترة ولاية أخرى مدتها 5 سنوات أخرى.
وقال مسؤول كبير بالمفوضية الأوروبية، طلب عدم ذكر اسمه: "لا أعتقد أنها ستذهب إلى أي مكان قبل نهاية ولايتها".
وتنتشر تكهنات حول أنه قد يطلب من رئيس الناتو الحالي البقاء، على الأقل لفترة أطول قليلا، للسماح لمرشح آخر مثل فون دير لاين بالقدوم في مرحلة لاحقة.
وقال دبلوماسي أوروبي ثالث: "إذا تم تمديد فترة ستولتنبرغ حتى الصيف المقبل، سيبدو ترشح فون دير لاين منطقيا".
لكن خلال مقابلة مع "بوليتيكو" الأسبوع الماضي، بدا أن ستولتنبرغ حريص على العودة إلى الديار. وتولى أمين الناتو الوظيفة لأكثر من ثمانية أعوام، وهي ثاني أطول فترة ولاية في تاريخ الحلف الممتد لسبعة عقود.
وعند سؤاله عن الشائعات المتعلقة ببقائه، قال: "قبل كل شيء، هناك العديد من المسائل في العالم الأكثر أهمية من ذلك بكثير. خطتي هي العودة إلى النرويج. كنت موجودا هنا لفترة طويلة الآن".
لكن التحالف منقسم بشأن هذه المسألة، بحسب "بوليتيكو"، حيث ستفضل بعض الدول –لا سيما تلك الموجودة خارج الاتحاد الأوروبي – قرارا سريعا لتجنب التزامن مع انتخابات الاتحاد الأوروبي نفسه عام 2024.
وأشارت المجلة الأمريكية إلى تحد آخر أمام فون دير لاين يتمثل في سجل ألمانيا الحافل في الإنفاق الدفاعي – وسجلها الخاص كوزيرة دفاع ألمانيا.
وقبل عقد من الزمان، تعهدت دول الناتو بالمضي نحو نسبة إنفاق 2% من إنتاجهم الاقتصادي على الدفاع بحلول 2024. لكن فشلت ألمانيا، رغم كونها أكبر اقتصاد في أوروبا، باستمرار في تلبية هذا الهدف، حتى بعد إعلان عن تمويل بقيمة 100 مليار يورو العام الماضي لتحديث جيشها.
وعلاوة على ذلك، يقول بعض المراقبين إن فون دير لاين تتحمل بعض المسؤولية عن الحالة السيئة نسبيا للدفاعات الألمانية.
ومن منظور الحكومة الألمانية، قد يكون إبقاء فون دير لاين على رأس المفوضية أولوية أكبر من الناتو.
وكما الحال مع فون دير لاين، من غير الواضح ما إذا كانت بعض الأسماء الأخرى المطروحة ممكنة.
ونفى رئيس الوزراء الهولندي روته التكهنات بشأن توليه المنصب بالناتو، قائلا للمراسلين في يناير/كانون الثاني إنه يريد "ترك السياسة كلها وفعل شيء مختلف تماما".
وأكد متحدث باسم رئيس الوزراء هذا الأسبوع أن "رأيه لم يتغير".
وهناك أسماء أخرى تذكر كمرشحين محتملين، وهم: رئيسة وزراء إستونيا كايا كالاس، ورئيس وزراء إسبانيا بيدرو سانشيز، وعلى نطاق أقل أسماء وزير الدفاع البريطاني بن والاس، ونائبة رئيس الوزراء الكندي كريستيا فريلاند، ورئيس رومانيا كلاوس يوهانيس، ورئيسة سلوفاكيا زوزانا سابوتوفا.
لكن بالرغم من الشائعات، يقر المسؤولون بأن العديد من تلك الأسماء غير ملائمة سياسيا في هذه المرحلة.
وعلى سبيل المثال، تعتبر كالاس متشددة للغاية. وينظر إلى كندا وبعض الدول في جنوب أوروبا داخل التحالف على أنها متقاعسة على صعيد الاستثمار الدفاعي. وهناك حقيقة أن بعض العواصم ستعارض مرشحا غير أوروبي، ما يعقّد ترشيح والاس.
ونتيجة لذلك، تبدو شخصية كبيرة من دولة من شمال أو غرب الاتحاد الأوروبي الأكثر ترجيحا لترشيح ناجح. لكن حتى الآن، تظل ماهية هذا الشخص غامضة. ومع ذلك، فإن المسؤولين لديهم موعد نهائي، وهو القمة السنوية للناتو في يوليو/تموز.