"ها أنا قد عدت لأصدقائي السوريين والأتراك".. هي العبارة التي تناقلها البعض عن طلال سلو المتحدث السابق باسم قوات سوريا الديمقراطية
"ها أنا قد عدت إلى أصدقائي السوريين والأتراك" هذه هي العبارة الوحيدة التي تناقلها البعض عن طلال سلو، المتحدث السابق باسم قوات سوريا الديمقراطية، بعد عملية فراره من شمال سوريا وانتقاله إلى الداخل التركي في مغامرة تحمل معها الكثير من الاستفسارات والتساؤلات حول أسبابها وأهميتها وارتداداتها على العلاقات التركية الأمريكية المتوترة أصلا.
الجميع يتابع الآن.. ما الذي سيقوله سلو؟ وما الذي قد يكون حمله من معلومات ووثائق إلى الأتراك حول التنسيق المتزايد بين قوات سوريا الديمقراطية وواشنطن من جهة وخطط حزب الاتحاد الديمقراطي الكردي في سوريا وعلاقاته المحلية والإقليمية من جهة أخرى؟
التفاصيل الأولية حول خطة هروبه إلى مواقع قوات الجيش السوري الحر المواجهة لمراكز قوات سوريا الديمقراطية في شمال شرق سوريا تقول إن أجهزة الأمن التركية كانت على علم بكافة التفاصيل حول العملية، وأنها نسقت مباشرة مع وحدات الجيش السوري الحر، طالما أن سيارات مصفحة عسكرية ومدنية تركية شاركت في حمايته ونقله مع مجموعة من مرافقيه إلى مدينة جرابلس ثم إلى مدينة غازي عنتاب وبعدها إلى مكان مجهول.
العملية وكما يبدو لا علاقة لها بما يقال حول بداية التفكك والتشقق داخل قوات سوريا الديمقراطية، التي تحظى بالدعم الأمريكي العسكري والمادي، التي استطاعت التمدد والانتشار في بقعة جغرافية واسعة في شمال وشرق سوريا، وتتحكم اليوم بأهم آبار النفط في المكان، وجعلتها قادرة على المساومة السياسية والدستورية في المرحلة المقبلة خلال بناء سوريا الجديدة.
مزاعم هروبه إلى تركيا بسبب تهميش دوره وإبعاده عن مركز القيادة في قوات سوريا الديمقراطية غير مقنعة أيضا.
انشقاق طلال سلو عن قوات سوريا الديمقراطية لا يمكن أن يكون مجرد عملية بسيطة أو ربطها فقط بتهديدات تعرض لها بعض أفراد أسرته المقيمين في تركيا دفعته للإقدام على خطوة من هذا النوع، بل هو حلقة جديدة في المواجهة بين أنقرة وواشنطن على الأرض السورية
عملية زرعه داخل قوات سوريا الديمقراطية باسم أجهزة الاستخبارات التركية هي الأقرب، خصوصا أن بعض أبنائه وأقاربه يعيشون في تركيا ويتولون مناصب عليا في تجمعات تركمانية ناشطة. وجود بعض أفراد أسرة سلو في تركيا يعزز سيناريو ارتباطه واتصالاته بشكل أو بآخر بأجهزة الأمن التركية، وإلا فما معنى أن تسمح تركيا له بأن يكون جزءا من تنظيم تتهمه هي بـ"الإرهاب" وتقبل بقاء أبنائه فوق أراضيها، تقدم لهم المنح الدراسية كما يقال، دون أن تعيدهم إلى سوريا أو تدعوهم للمغادرة إلى بلد آخر؟
ما يعزز هذا الطرح أيضا ما ذكر لاحقا حول تهميش دور سلو في الأسابيع الأخيرة، وتعرضه لمحاولة اغتيال نجا منها في آخر لحظة بعد انكشاف أمره وموقعه، ودوره داخل التنظيم كمنسق مع أجهزة الأمن التركية هناك منذ أعوام.
قد تكون عملية رد تحية من قبل جهاز الاستخبارات التركية الذي جيّش سلو داخل مجموعات سوريا الديمقراطية، وقرر دعوته للانشقاق والانفصال والعودة إلى تركيا لإثبات قدرات أنقرة في الوصول إلى موقع ومركز القرار داخل غرف التنسيق الكردية الأمريكية، وإنها على دراية بكل شاردة وواردة هناك، لكنها أيضا رسالة تركية مباشرة إلى الحليف الأمريكي، حيث إن ما سيحمله سلو من معلومات موثقة قد تقلب مسار العلاقات التركية الأمريكية رأسا على عقب، بعد زيارة لم تبدل كثيرا في التوتر والتأزم بين أنقرة وواشنطن قام بها رئيس الوزراء التركي بن علي يلدرم إلى الولايات المتحدة الأمريكية مؤخرا.
قبيل مغادرته تركيا، قال السفير الأمريكي في أنقرة جون باس، في مؤتمر صحفي "منذ تسعة أشهر ونصف لم يقع أي هجوم إرهابي في تركيا، هو يريد أن يقول إن السبب في ذلك ليس لأن تنظيم داعش تراجع عن الهجمات، وإنما بفضل التعاون الاستخباراتي والأمني بين أنقرة وواشنطن.
لكنه قبل أيام وخلال صفقة الرقة التي كشفت وسائل الإعلام الغربية النقاب عنها ظهر إلى العلن تطور يقول غير ما ردده السفير باس ويعكس مرة أخرى حجم تدهور وتراجع العلاقات التركية الأمريكية في سوريا؛ اتفاقية مبرمة بين تنظيم قسد وتنظيم داعش، يتم بموجبها خروج المئات من عناصر داعش وأسرهم من الرقة.
الذي يغضب أنقرة أكثر وقد يكون دفعها لتسريع "عملية سلو " هو أيضا التقرير الصادر عن مركز سوفان البحثي ومقره في الولايات المتحدة أواخر الشهر الماضي، تحت عنوان "التهديد الناجم عن المقاتلين الأجانب والعائدين إلى أوطانهم".
حسب التقرير فإن 5600 مقاتل أجنبي في صفوف داعش، من بينهم 900 تركي، عادوا من سوريا والعراق إلى أوطانهم، كيف تمت عملية دخولهم وبأية أوراق ثبوتية؟ وهل عودتهم هي فعل ندامة أم لتنفيذ أوامر داعش في المدن التي عادوا إليها؟
نظرة خاطفة على سجل سلو بعد انفصاله عن النظام السوري وانضمامه إلى الثورة بعد مرور سنتين على انطلاقتها تساعدنا في التعرف أكثر إلى تحركاته بين أنقرة والقامشلي بشكل مشوب. كان قائدا لـ"لواء السلاجقة"، ضمن فرقة "فتح الأولى" وكان متواجداً في الريف الشمالي لحلب في قرية الراعي. وبعد معركة فاشلة مع تنظيم "داعش غادر على إثرها إلى تركيا، وبقي هنالك سنة ونصف السنة يتلقى الدعم إلى أن قرر بشكل مفاجئ التواصل مع القوات الكردية في منطقة عفرين، وتم الاتفاق على إعادة إحياء "لواء السلاجقة" مرة أخرى ضمن جيش الثوار داخل قوات سوريا الديمقراطية هذه المرة.
المؤكد الآن وبعد انشقاق سلو أنه هو الذي كان يزود أجهزة الأمن التركية بالكثير من المعلومات والتحركات والتنسيق بين قسد وواشنطن بينها لعبه الدور الأساسي في تزويد تركيا بمعلومات مفصلة حول التواجد العسكري الأمريكي في شمال سوريا وشرقها، وحيث كانت أنقرة تحدثت أكثر من مرة عن وجود 15 قاعدة عسكرية أمريكية هناك وترت العلاقات التركية الأمريكية أكثر فأكثر، خصوصا بعد رفع صور عبد الله أوجلان.
في الساحة الرئيسية في مدينة الرقة بعد تحريرها من داعش، وهو ما تحول إلى القشة التي قلبت مسار العلاقات رأسا على عقب هناك.
حادثة انشقاق طلال سلو عن قوات سوريا الديمقراطية لا يمكن أن تكون مجرد عملية بسيطة أو ربطها فقط بتهديدات تعرض لها بعض أفراد أسرته المقيمين في تركيا دفعته للإقدام على خطوة من هذا النوع.
هي حلقة جديدة في المواجهة بين أنقرة وواشنطن على الأرض السورية بعد أكثر من عملية كر وفر بين أجهزة الاستخبارات في البلدين، طالت ملفات تجسس وصفقات تجارية ضخمة وعمولات تعكس حجم التراجع في العلاقات واقترابها من نقطة اللاعودة، كان آخر مؤشراتها ملف رضا زراب رجل الأعمال التركي المعتقل في الولايات المتحدة الأمريكية منذ أشهر، بتهم عقد صفقات ودفع عمولات أضرت بمصالح واشنطن وخرق قرارات الحصار والحظر على إيران، كما يقول المدعي العام الأمريكي.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة