نعيش حقبةً جديدة لا غرو أنها من مخرجات جائحة "كورونا"،نظراً لحدوث متغيرات جيوسياسية في تفاعل داخلي لكل دولة وتفاعلها مع العالم الخارجي.
واتساقاً مع هذا، يحمل الرئيس جو بايدن فكرتين في ذهنه؛ قيادة العالم للخروج من طوارئ وباء كورونا، ودخول اختبار البيئة المناخية. لقد أصبح الشغل الشاغل لأمريكا إنهاء "المنطقة الرمادية" التي تلعب بها إيران والتي تشكل نموذج الاعتداء على المنظومة الإقليمية. وعلى قول هنري كيسنجر: "ليس الإرهاب شاغلنا، بل التنافس الاستراتيجي هو الشغل الشاغل لنا. العالم تقوده أمريكا والصين، بلا روسيا، وهذه قواعد اللعبة".
ونرى في المشهد بمنطقة الخليج العربي تفاعلاً لدبلوماسية المواجهة بين واشنطن وإيران تمثل في تعليق بلينكن، وزير الخارجية الأمريكي، بشأن إيران وقوله: "إذا عادت إيران للالتزام الكامل بتعهداتها بموجب خطة العمل الشاملة المشتركة "الاتفاق النووي"، فستسعى واشنطن لبناء اتفاق أطول وأقوى يتناول مسائل أخرى صعبة للغاية". وسبق للرئيس بايدن أن أوضح أن تلك المسائل تشمل تطوير إيران صواريخ باليستية ودعمها قوات تعمل بالوكالة في بلدان مثل العراق وسوريا ولبنان واليمن، فيما أكد وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف أن طهران ستعود إلى الاتفاق النووي إذا عادت واشنطن إلى تنفيذ التزاماتها، وأن القضايا الصاروخية والإقليمية لم تكن ولن تكون جزءاً من الاتفاق النووي. لكن هذه التصريحات ليست سوى موقف تفاوضي سوف يتغير أمام صلابة الموقف الأمريكي الضاغط. فإيران لا تسطيع أن تنزل النهر مرتين، وعام 2021 ليس كعام 2015!
وفيما أدانت الخارجية الأمريكية محاولات الهجوم الأخيرة على مدينة الرياض، مشيرةً إلى أنها تستهدف المدنيين، وقالت بصريح العبارة: "سنساعد شريكتنا السعودية ضد مَن يحاولون استهداف أمنها، وسنعمل على محاسبة مَن يحاولون تقويض الاستقرار في السعودية، وإن محاولات الهجوم عليها تتعارض مع القانون الدولي"، وذلك إثر اعتراض الدفاعات الجوية السعودية صاروخاً أطلقته مليشيات الحوثي باتجاه مدينة الرياض.
صدور عدة مواقف تمس علاقة الولايات المتحدة بحلفائها، وأهمها مراجعة برامج التسليح الخاصة بدولة الإمارات "برنامج الاستحواذ المتقدم للمقاتلة F-35" وإعادة تعويض المخزون من الذخائر الموجَّهة للسعودية، بالإضافة لانشغال الإدارة الأمريكية بإنهاء حالة الصراع في اليمن.. كل ذلك سيشكل ضغطاً إضافياً على إيران.
في مناسبة سابقة تحدث الرئيس بايدن عن الشكل السياسي للمفاوضات المقبلة مع إيران حول برنامجها النووي، والأطراف المدعوة لهذه المفاوضات، والتي ستتناول أيضاً سلوك إيران السياسي وبرامجها الصاروخية. هذه هي المبادئ الحاكمة كما أعلن عنها من قبل الولايات المتحدة وأوروبا، والمتوافق عليها من قبل الدول المدعوة "السعودية والإمارات".
هذه ليست أول إدارة "ديمقراطية" تراجع برامج تسليحية متفق عليها مسبقاً مع دول خليجية، فقد سبق للرئيس أوباما أن هدد بذلك وسرعان ما تراجع عنه. فالمصالح الاستراتيجية والواقعية السياسية تفرض نفسها في نهاية الأمر. السعودية والإمارات حليفان لا يمكن تعريض العلاقات معهما لاهتزازات من أي نوع في هذا المفصل الزمني الحساس. والدولتان تشكلان ثقلاً اقتصادياً وسياسياً كبيراً للغاية في العالم العربي، كما أنهما في علاقة تبادلية مهمة جداً مع أمريكا والعالم. فالسعودية تتحكم فيما يزيد على 10% من احتياطات النفط العالمي، وتشكل رافعة في ميزان أسعار البترول عالمياً، لذلك فاستقرارها مطلب عالمي.
وإدارة بايدن تدرك أن لدى السعودية والإمارات بدائل أخرى، مثل دول أوروبا وروسيا والصين وكوريا الجنوبية، ناهيك عن القيمة المضافة الناتجة عن توقيع المواثيق الإبراهيمية، وما تفرضه من واقع سياسي جديد على عموم منطقة الشرق الأوسط وحوض المتوسط. إدارة الرئيس بايدن ستحسب لكل ذلك حسابه، خاصة أنها ستلاقي الاقتصاد الصيني قريباً، إضافة إلى رصيد المصالحة الخليجية التي تمت مؤخراً.
وفي موضوع اليمن، فالتحالف العربي حريص على السلام هناك، بينما تحاول إيران عرقلة ذلك، لأن السلام يزعجها وترى مغانمها في الفوضى وتقتات عليها.
نقلا عن الاتحاد الإماراتية
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة