تحويل النفايات إلى ثروة.. الطفرة الكبرى التالية لصناعة إعادة التدوير
خمس سنوات فقط، هذا كل ما استغرقه العالم ليستهلك أكثر من 500 غيغا طن من المواد، أي ما يقارب ثلث ما استخدمه البشر من بداية القرن العشرين.
هذا الرقم وحده دفع الشركات إلى التوقف وإعادة النظر في سؤال أساسي، ما الذي يُعتبر نفايات في الوقت الحاضر؟ هذا السؤال أشعل شرارة ظهور صناعة إعادة التدوير.
وقبل بضع سنوات، رفض الكثيرون الفكرة باعتبارها مثالية للغاية.
أما اليوم، فقد نمت لتصبح سوقًا عالمية مزدهرة، وفي عام 2023، بلغت قيمة الاقتصاد الدائري حوالي 556 مليار دولار، وإذا استمرت الاتجاهات الحالية، فمن المتوقع أن تتجاوز 1.3 تريليون دولار بحلول عام 2030.
وعلى أرض الواقع، يبدو هذا التحول الآن ملموسًا، إذ يحقق مصنّعو الألمنيوم مئات الملايين من الدولارات من خلال التحول إلى استخدام المواد المعاد تدويرها.
وتقوم ماركات الأزياء بتحويل أكوام قصاصات النسيج إلى ملابس مصممة حسب الطلب في أقل من 48 ساعة.
هذه ليست مجرد مكاسب في مجال الاستدامة، بل هي مكاسب تجارية أيضًا.
ومع تزايد صعوبة تأمين الموارد وتراجع القدرة على التنبؤ بسلاسل التوريد، تتجه المزيد من الشركات إلى نماذج الاقتصاد الدائري ليس بدافع الضرورة، بل لأنها ببساطة الخيار الأمثل.
فهي توفر المرونة، ومصادر دخل جديدة، وتتيح لرواد الأعمال فرصة بناء أنواع جديدة كلياً من الأعمال.
اقتصاديات التصنيع الدائري: عندما تتحول النفايات إلى ربح
ولسنوات طويلة، كان يُنظر إلى الاستدامة على أنها هدف تسعى إليه الشركات لأسباب أخلاقية. أما اليوم، فقد أثبتت جدواها كاستراتيجية مالية.
ويؤكد قادة قطاع التصنيع، على أن نماذج الاقتصاد الدائري تُحقق أرباحاً مجزية، ويتوقع حوالي 70% منهم أن تُدرّ هذه الصناعة مزيداً من الإيرادات بحلول عام 2027، بينما يعتقد الكثيرون أيضاً أنها ستجعل عملياتهم أقوى وأكثر مرونة.
من الأمثلة، شركة "هايدرو"، إحدى كبرى شركات إنتاج الألومنيوم في العالم.
وتُراهن هذه الشركة بقوة على إعادة التدوير، وتأمل في معالجة 1200 كيلوطن من الألومنيوم المُستعمل سنوياً بحلول عام 2030.
وإذا استمرت الأسواق في وضعها المُواتي، فإن هذا التحول وحده كفيل بإضافة مئات الملايين إلى أرباحها.
فإعادة تدوير الألومنيوم لا تستهلك سوى جزء ضئيل من الطاقة اللازمة لتصنيعه من الصفر.
وتشهد شركات أخرى نتائج مماثلة، فالإنتاجية في ازدياد، ووقت التوقف عن العمل في انخفاض، والمواد التي كانت تُدفع ثمن التخلص منها أصبحت الآن مصادر دخل.
بل إن المواد المعاد تدويرها في بعض الصناعات تُباع بأسعار مرتفعة.
ولذلك، تُصرّح جميع الشركات تقريبًا التي تتجه نحو ممارسات الاقتصاد الدائري بأنها تفعل ذلك لأسباب تتجاوز الاستدامة بكثير.
فالربح والمرونة وتعزيز القدرة التنافسية هي المحركات الدافعة لهذا التحول، وفي عالم يواجه ضغوطًا متزايدة على الموارد، تكتسب هذه المزايا أهمية بالغة.
تقنيات إعادة التدوير الثورية
وكانت بعض أنواع النفايات تُعتبر في السابق "غير قابلة لإعادة التدوير".
أما اليوم، فقد بدأ هذا الوضع يتغير، فموجة جديدة من تقنيات إعادة التدوير تُعطي حتى أكثر المواد عنادًا فرصة ثانية للحياة.
وينمو سوق إعادة التدوير العالمي بسرعة، بنسبة 10% سنويًا تقريبًا، ويأتي جزء كبير من هذا النمو من التطورات في إعادة التدوير الكيميائي، والتحلل الحراري، وإزالة البلمرة.
وتُفكك إعادة التدوير الكيميائي البلاستيك على المستوى الجزيئي، مما يسمح بإعادة استخدامه مرارًا وتكرارًا دون فقدان جودته.
وتُثبت شركات مثل "لوب إندستريز" بالفعل إمكانية تطبيق هذه التقنية على أنواع البلاستيك التي كان يتم التخلص منها نهائيًا.
ويمثل التحلل الحراري نقلة نوعية أخرى، فبحلول عام 2034، قد تعالج هذه المنشآت أكثر من 17 مليون طن من النفايات البلاستيكية سنويًا.
وتستخدم الحرارة لتحويل البلاستيك المختلط إلى زيوت وغازات يمكن استخدامها لتوليد الطاقة أو لصنع بلاستيك جديد.
وفي سويسرا، ذهبت شركة ناشئة تُدعى "دي بولي" إلى أبعد من ذلك، حيث ابتكرت عملية تعمل في درجة حرارة الغرفة ولا تتطلب أي فرز أو غسل مسبق.
كما تُحدث تقنيات الذكاء الاصطناعي والروبوتات تغييرات جذرية، فقد أصبح الفرز، الذي كان يُعدّ من أكثر مراحل إعادة التدوير فوضوية، أكثر دقة بفضل الآلات التي تستطيع تحديد المواد بسرعة ودقة تفوق البشر.
aXA6IDIxNi43My4yMTYuMTAzIA== جزيرة ام اند امز