العجز والتلوث والاحتلال.. ثلاثية تفاقم أزمة مياه غزة
وفق مصلحة مياه بلديات الساحل فإن 97% من مياه قطاع غزة غير صالحة للاستخدام المنزلي، ما يدفع الفلسطينيين إلى البحث عن بدائل
تزاحم الفلسطينية أم محمد، مجموعة من جيرانها على محطة سبيل للمياه المُحلاّة في رفح جنوب قطاع غزة، لتخفيف أعباء شراء الماء الصالح للشرب.
ومع حلول الصيف تفاقمت أزمة المياه في غزة، إذ تنقطع أياماً عن بعض الأحياء، فضلاً عن تلوثها الذي يجعلها غير صالحة للشرب والطبخ.
وقالت الخمسينية أم محمد، لـ"العين الإخبارية": "المياه التي تصل إلينا من البلدية مالحة، ولا تصلح للشرب، وبالتالي ليس أمامنا إلاّ شراء مياه مُحلاّة أو التعبئة من هذه المحطة التي تعمل بواقع ساعتين كسبيل يومياً، بغية توفير الحد الأدنى من احتياجاتنا".
وأضافت: "لا نملك دخلاً يساعدنا على شراء المياه، لذلك أضطر لتعبئة جالونات من هنا وكما ترى الازدحام، فالجميع يريد أن يأخذ حصة".
وتابعت: "منذ 15 سنة بعبي مياه حلوة بشتريها، إحنا بنعاني صاروا يقطعوا علينا المياه المالحة، كل خمس أيام بتجينا مرة والمياه أساس البيت وروح الإنسان، الواحد ما بعيش إلا بالمياه يشوفوا لنا حل يدبرونا لما تنقطع المياه بروح اشتري حلوة، ومفيش فلوس معانا، أنا مريضة سرطان وممنوعة من شرب المياه المالحة، وزوجي يعاني من جلطة منذ 5 سنين ومعاناتنا مستمرة بلا أفق حل".
%97 من مياه غزة ملوثة!
ووفق مصلحة مياه بلديات الساحل، فإن 97% من مياه قطاع غزة غير صالحة للاستخدام المنزلي، وهو الأمر الذي يدفع الفلسطينيين إلى البحث عن بدائل عبر الشراء أو النقل من المحطات السبيل التي توفّر كميات محدودة.
هذا الواقع أجبر سلطة المياه الفلسطينية على إطلاق تحذير بأن القطاع مشرف في العام المقبل، على الولوج في كارثة بيئية نتيجة تلوث المياه.
عادل السيد، 37 عاماً، بدا غاضباً وهو يقف على محطة التحلية لتعبئة "جالونات" برفقة أحد أبنائه، قائلاً: "للأسف سلطاتنا المحلية فاشلة، نعاني منذ زمن، حتى المياه الملوثة تصل إلينا بتقطّع وتكلفة عالية، وللأسف لا أحد يبحث عن حلول لمشكلتنا".
الأمر سيان عند سالم أبوحميد، من سكان خانيونس جنوب غزة، والذي أفاد: "إحنا بنعبي برميل 500 كوب بـ15 شيكلا (الدولار 3.53 شيكل).. هذه حكومة فاشلة، هنا بئر مياهها حلوة راحوا لغوه.. والآن المياه لا تصل إلينا إلا كل أربع أيام والحي كله يشتكي من المياه.. مياه حلوة بنشتريها ومياه مالحة بيجبوها للشرب لا تصلح للبهايم.. ثم يأتون إلينا ليطالبونا بدفع الفواتير".
ويقرّ المهندس منذر شبلاق، مدير عام مصلحة مياه في بلديات الساحل، بأن ما نسبته 97% من مياه قطاع غزة غير صالحة للاستخدام المنزلي.
أسباب الأزمة
وأعاز شبلاق في حديثه لـ"العين الإخبارية"، الأزمة إلى أسباب عدة منها غياب الاستقرار السياسي في غزة، موضحاً أن ذلك ينعكس سلباً على أوضاع المياه والصرف الصحي من ناحيتي التمويل والرعاية الداخلية.
وأكد وجود مساعٍ تُبذَل لتجاوز أزمة المياه الراهنة في القطاع، عبر إنشاء 3 محطات لتحلية المياه، من المتوقع تشغيلها نهاية عام 2019، وستكون قادرة على إنتاج 40.000 متر مكعب من المياه ذات الجودة العالية، من أصل 165.000 متر مكعب تنتجها مصلحة مياه بلديات الساحل وتغذي غزة.
ويعدّ الخزان الجوفي في القطاع المصدر الرئيسي لتلبية الاحتياجات المائية المختلفة للمواطنين، حيث تُقدَّر طاقته بحوالي (50-60) مليون متر مكعب في السنة، ومصدرها الرئيس مياه الأمطار والانسياب الطبيعي والعائد من الاستخدام الزراعي.
وتمثل هذه الكمية نحو 25% من الاحتياج السنوي المائي في القطاع الذي يُقدَّر بنحو 200 مليون متر مكعب في السنة.
نصيب الفرد أقل من النصف عالمياً
المهندس محمود وليد، الخبير في مصلحة المياه، أكد أن مياه الشرب في غزة واقعها قاس جداً، مشيرا إلى أن كفاءة شبكة المياه في القطاع سيئة جداً، إذ تفقد نصف الكمية المنتجة من الخزان الجوفي.
وقال وليد لـ"العين الإخبارية": "البلديات المحلية لا قدرة لديها على تأهيل الشبكة ولا حتى المؤسسات الداعمة بغزة، لذلك ستستمر خسارة نصف الناتج جرّاء رداءة الشبكة"، مبيناً أن "الكمية المستخرجة محدودة جداً، وأن احتياج المواطن اليومي من مياه الشرب حسب الشروط العالمية يتجاوز 200 لتر، بينما يصل في إسرائيل إلى 300 لتر يومياً، في حين لا يتجاوز بغزة 90 لتراً في أحسن الأحوال".
وأوضح أن 95% من المياه المستخرجة من باطن الأرض ملوثة بنسب عالية، إذ تصل الأملاح والنترات إلى أعلى من المسموح به عالمياً بنحو 5 مرات للأملاح، و10 مرات للنترات.
وعلاوة على ذلك، هناك نقص في الكهرباء، فالبلديات تواجه عقبة كبيرة في تشغيل آبار المياه وضخها للمواطنين، وفق الخبير وليد.
وذكر أن محطات التحلية تحتاج إلى تمويل بحوالي نصف مليار دولار، وهي غير متوفرة، وحال توفرها يمكن تشغيلها خلال 3 سنوات، ما يمكن أن يحد نسبياً من الأزمة.
القيود الإسرائيلية
ويرى رياض جنينة، مدير مجموعة الهيدرولوجيين بغزة، أن مشكلة نقص وملوحة المياه في القطاع تراكمية، تزداد مع ارتفاع أعداد السكان، ووسط تجاهل الاحتلال الإسرائيلي لحقوق غزة المائية.
ويتهم جنينة سلطات الاحتلال بأنها تعيق إدخال الآليات والمعدات وقطع الغيار اللازمة للمنشآت المائية ومحطات المعالجة، ما يفاقم أزمة المياه ويصعّب إيجاد حلول لها.
كما فاقمت سرقة إسرائيل مصادر الفلسطينيين المائية منذ احتلالها الأراضي الفلسطينية عام 1967، واستنزاف الموارد المائية خلال فترة المستوطنات في القطاع، من الأزمة، وفق الخبراء الفلسطينيين.