مياه من هواء الصحراء.. "جل" يواجه تداعيات تغيرات المناخ
بينما يعد الجفاف أحد تداعيات تغير المناخ، تعمل فرق بحثية حول العالم على البحث عن حلول لتوفير مصادر بديلة للمياه.
وأحد الحلول التي قدمها مهندسو معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا بأمريكا، وتم الإعلان عنها في دراسة نشرت خلال شهر يونيو / حزيران الماضي بدورية " أدفانسيد ماتريالز"، هو تصنيع مادة هلامية (جل) فائقة الامتصاص، يمكنها امتصاص كمية قياسية من الرطوبة من الهواء، حتى في الظروف الشبيهة بالصحراء.
وتمتص المادة بخار الماء، ويمكن أن تنتفخ لإفساح المجال لمزيد من الرطوبة، وحتى في الظروف الجافة جدا، مع رطوبة نسبية تبلغ 30%، ويمكن للمادة أن تسحب البخار من الهواء وتحتفظ بالرطوبة دون تسريب، ويمكن بعد ذلك تسخين المياه وتكثيفها، ثم جمعها كمياه نقية للغاية.
والمادة الشفافة والمطاطية مصنوعة من "جل" ، وهي مادة ماصة بشكل طبيعي تُستخدم أيضًا في الحفاضات التي تستخدم لمرة واحدة، وعزز الفريق البحثي امتصاصها عن طريق نقعها مع كلوريد الليثيوم، وهو نوع من الملح المعروف بأنه عامل تجفيف قوي.
ووجد الباحثون أن بإمكانهم غرس "الجل" بكمية من الملح أكثر مما كان ممكنا في الدراسات السابقة، ونتيجة لذلك، لاحظوا أن "الجل" المحمّل بالملح يمتص ويحتفظ بكمية غير مسبوقة من الرطوبة، عبر مجموعة من مستويات الرطوبة، بما في ذلك الظروف الجافة جدا التي حدت من تصميمات المواد الأخرى.
ويقول الباحثون إنه "إذا أمكن تصنيعه بسرعة وعلى نطاق واسع، يمكن استخدام الجل الفائق الامتصاص كحاصد مياه سلبي، لا سيما في المناطق الصحراوية والمناطق المعرضة للجفاف، حيث يمكن للمادة أن تمتص البخار باستمرار، ويمكن بعد ذلك تكثيفه في مياه الشرب، كما أن المادة يمكن أن تكون مناسبة لوحدات تكييف الهواء كعنصر موفر للطاقة ومزيل للرطوبة".
نشاط مستمر
ويأتي هذا الإنجاز ضمن نشاط مختبر أبحاث الأجهزة، التابع لمعهد ماساتشوستس للتكنولوجيا، حيث يقوم الباحثون بتصميم مواد جديدة لحل تحديات الطاقة والمياه في العالم، وفي بحثهم عن المواد التي يمكن أن تساعد في جمع المياه من الهواء، ركز الفريق على الهلاميات المائية، وهي مواد زلقة قابلة للتمدد مصنوعة في الغالب من الماء وقليل من البوليمر المتقاطع، وتم استخدام الهلاميات المائية لسنوات كمادة ماصة في الحفاضات، لأنها يمكن أن تنفتح وتمتص كمية كبيرة من الماء، عندما تتلامس مع المادة.
ويقول كارلوس دياز مارين، عضو في مختبر أبحاث الأجهزة في معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا، والباحث المشارك بالدراسة، في تقرير نشره الموقع الرسمي للمعهد، بالتزامن مع نشر الدراسة: "كان سؤالنا، كيف يمكن أن نجعل هذه المادة تمتص البخار من الهواء، وبحثنا في الدراسات السابقة ووجدنا أن آخرين قد جربوا خلط الهلاميات المائية بأملاح مختلفة، وتعتبر أملاحا معينة، مثل الملح الصخري المستخدم في إذابة الجليد، فعالة للغاية في امتصاص الرطوبة، بما في ذلك بخار الماء، وأفضلها هو كلوريد الليثيوم، وهو ملح قادر على امتصاص أكثر من 10 أضعاف كتلته من الرطوبة، وإذا تُرك كلوريد الليثيوم في كومة من تلقاء نفسه، فقد يجذب بخارًا من الهواء، على الرغم من أن الرطوبة ستتجمع حول الملح فقط، دون أي وسيلة للاحتفاظ بالماء الممتص، لذلك، حاولنا ضخ الملح في الهيدروجيل، لإنتاج مادة يمكنها الاحتفاظ بالرطوبة والانتفاخ لاستيعاب المزيد من الماء".
ويقول جوستاف جريبر، من قسم الهندسة الميكانيكية بمعهد ماساتشوستس للتكنولوجيا، والباحث المشارك بالدراسة: "جمعنا بين مزايا الاثنين، حيث يمكن أن يخزن الهيدروجيل الكثير من الماء، ويمكن للملح أن يلتقط الكثير من البخار".
وقت التحميل
ووجد فريق معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا أن الآخرين وصلوا إلى حد لكمية الملح التي يمكنهم تحميلها في المواد الهلامية، وكانت أفضل العينات أداءً حتى الآن هي الهلاميات المائية التي تم غمرها بـ4 إلى 6 جرامات من الملح لكل جرام من البوليمر، وتمتص هذه العينات حوالي 1.5 جرام من البخار لكل جرام من المادة في ظروف جافة بنسبة 30% رطوبة نسبية.
وفي معظم الدراسات، كان الباحثون قد صنعوا عينات سابقًا عن طريق نقع الهلاميات المائية في ماء مالح وانتظار تسرب الملح في المواد الهلامية، وانتهت معظم التجارب بعد 24 إلى 48 ساعة، حيث وجد الباحثون أن العملية كانت بطيئة للغاية، ولم ينته الكثير من الملح في المواد الهلامية، وعندما اختبروا قدرة المادة الناتجة على امتصاص بخار الماء، امتصت العينات القليل جدًا، حيث احتوت على القليل من الملح لامتصاص الرطوبة في المقام الأول.
وتساءل الباحثون عن "ماذا سيحدث إذا سُمح بتركيب المواد، على سبيل المثال ، لأيام وحتى لأسابيع؟ هل يستطيع الهيدروجيل امتصاص المزيد من الملح إذا مُنح وقتًا كافيًا؟".
للحصول على إجابة، أجرى فريق معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا تجارب على بولي أكريلاميد (هيدروجيل شائع) وكلوريد الليثيوم (ملح فائق الامتصاص)، وبعد تصنيع أنابيب الهيدروجيل من خلال طرق الخلط القياسية، قام الباحثون بتقطيع الأنابيب إلى أقراص رفيعة وإلقاء كل قرص في محلول من كلوريد الليثيوم بتركيز ملح مختلف، وأخذوا الأقراص من المحلول كل يوم لوزنها وتحديد كمية الملح التي تم ضخها في المواد الهلامية، ثم أعادوها إلى محاليلهم.
وفي النهاية، وجدوا أن الهلاميات المائية تمتص مزيدا من الملح مع منحها المزيد من الوقت، وبعد النقع في محلول مالح لمدة 30 يوما، تم دمج الهلاميات المائية حتى 24 جراما من الملح لكل جرام من البوليمر، مقابل الرقم القياسي السابق البالغ 6 جرامات من الملح لكل جرام من البوليمر.
ثم وضع الفريق عينات مختلفة من المواد الهلامية المحملة بالملح من خلال اختبارات الامتصاص عبر مجموعة من ظروف الرطوبة، ووجدوا أن العينات يمكن أن تنتفخ وتمتص المزيد من الرطوبة في جميع مستويات الرطوبة دون تسريب، وعلى وجه الخصوص، أفاد الفريق أنه في ظروف جافة جدًا بنسبة 30% من الرطوبة النسبية، استحوذت المواد الهلامية على 1.79 جرام من الماء لكل جرام من المادة.
ويقول دياز مارين، الذي يبحث الآن عن طرق لتسريع خصائص المادة فائقة الامتصاص، والباحث المشارك بالدراسة: "أي صحراء أثناء الليل سيكون لديها تلك الرطوبة النسبية المنخفضة، لذلك يمكن تصور أن هذه المادة يمكن أن تولد المياه في الصحراء".
aXA6IDMuMTQ1Ljc2LjE1OSA= جزيرة ام اند امز