"تسليح رأس المال".. استراتيجية الصين لغزو القارة السمراء
المخاوف في واشنطن تتزايد إزاء تغلغل الصين في أفريقيا لمحاولة تعزيز سيطرتها في القارة السمراء
تتزايد المخاوف في واشنطن إزاء تغلغل الصين في أفريقيا ولا سيما منطقة القرن الأفريقي، وسط تقارير بشأن محاولة الدولة الشيوعية تعزيز سيطرتها في القارة السمراء لتوسيع نفوذها عبر استراتيجية "تسليح رأس المال".
وفي تقرير نشرته شبكة "سي إن إن" الأمريكية، أشارت إلى أنه في أواخر فبراير/شباط الماضي، أنهت حكومة جيبوتي عقدا مع شركة "موانئ دبي" العالمية الإمارتية، لتشغيل محطة حاويات "دوراليه"، بزعم أنه "يتعارض مع المصالح الأساسية للبلاد".
والميناء مملوك جزئيا لشركة "تشاينا ميرشانتس بورت هولدنجز" الصينية المملوكة للدولة التي تحتفظ بحصة تبلغ 23.5% في الشركة الأم بجيبوتي، ومتاخم بصورة مباشرة للقاعدة العسكرية الأجنبية الوحيدة للصين، على الضفة الغربية لخليج عدن والمدخل الجنوبي للبحر الأحمر، قرب قناة السويس.
غير أن الاستيلاء المفاجئ من جانب حكومة جيبوتي على الميناء، وهو من بين أكبر الموانئ في أفريقيا، آثار تكهنات بأنه ربما يقع في أيدي الصين، حيث ذكر نواب أمريكيون أن جيبوتي تستعد لتسليمها إلى الصين "كهدية".
وأوضحت الشبكة أن حكومة جيبوتي تعتمد بشدة على رأس المال الاستثماري من الصين، وتربط البلدين علاقات دبلوماسية وثيقة.
ولفتت الشبكة إلى أن مستقبل الميناء سيطر على المناقشات خلال جلسة استماع، الثلاثاء، للجنة القوات المسلحة التابعة لمجلس النواب الأمريكي، حيث حذر أحد كبار الجنرالات الأمريكيين من أن الجيش الأمريكي ربما يواجه عواقب "جسيمة" إذا ما سيطرت الصين على الميناء.
وقال الجنرال البحري توماس والدهاوزر، توماس والدهاوزر، القائد العسكري المشرف على القوات الأمريكية في أفريقيا، إن السيطرة الصينية على الميناء قد تؤدي إلى فرض قيود على استخدامه، ما قد يؤدي إلى قطع الوصول إلى طريق أمريكي رئيسي للتزود بالإمدادات والتوقف لإعادة التزود بالوقود البحري.
ويشكل الميناء حاليا نقطة الوصول الرئيسية للقواعد الأمريكية والفرنسية والإيطالية واليابانية في جيبوتي، كما تضم قاعدة "كامب ليمونير" الأمريكية، نحو 4000 فرد، بما في ذلك القوات الخاصة المختلفة، وتستخدم كنقطة انطلاق لعمليات الجيش الأمريكي ومكافحة الإرهاب في جميع أنحاء أفريقيا والشرق الأوسط والمحيط الهندي.
وقال والدهاوسر: "إذا سيطر الصينيون على هذا الميناء، فإن العواقب ستكون جسيمة، عندما نتحدث عن النفوذ والوصول، يعد هذا مثالا تقليديا فيما يتعلق بالصين، والكيفية التي يجب أن نتحرك بها، وكيف يجب أن نكون حذرين بينما نمضي قدما".
في المقابل، لم يعلق المتحدث باسم وزارة الخارجية الصينية جينج شوانج مباشرة على جيبوتي خلال مؤتمر صحفي، الأربعاء، وعندما سئل عن الميناء، قال إنه "ليس على علم بالوضع المحدد".
وأضاف أن الصين تأمل أن تنظر الولايات المتحدة إلى "التعاون الصيني الأفريقي بطريقة موضوعية وغير متحيزة".
ومع ذلك، فإن مسألة دور الصين في جيبوتي ظهرت بالفعل في مقال نشر الأربعاء في صحيفة "جلوبال تايمز" الصينية المملوكة للدولة، رفض المخاوف الأمريكية ووصفها بأنها "بلا جدوى".
التمويل الصيني
ورحبت حكومة جيبوتي، بقيادة الرئيس إسماعيل عمر جيله، حتى الآن بدور الصين في اقتصاد البلاد، مؤكدة أن جيبوتي فقيرة الموارد، وأن تنميتها تعتمد على تعظيم موقعها، وزيادة الاستثمار في البنية التحتية للموانئ.
وحتى الآن، قدمت الصين للدولة الواقعة في شرق إفريقيا أكثر من 1.4 مليار دولار لتمويل البنية التحتية، أي ما يعادل 75٪ من الناتج المحلي الإجمالي لجيبوتي، وفقا لتقرير صدر عام 2018 من مركز تطوير السياسات العالمية.
بالإضافة إلى الاستثمار في "محطة حاويات دوراليه"، قامت شركات مملوكة للدولة الصينية أيضا بتمويل وإنشاء خطوط أنابيب المياه بين إثيوبيا وجيبوتي وخط سكة حديد بين إثيوبيا وجيبوتي.
وخلال جلسة الاستماع أقر والدهاوزر بأن الولايات المتحدة "لن تتفوق أبدًا على الصينيين" في جيبوتي، مشيرًا إلى أنه بالإضافة إلى مشاريع البنية التحتية الرئيسية، بنت بكين أيضا مراكز تسوق وملاعب.
ووفقا لتقرير صادر عن "سي إن إيه"، وهي منظمة أبحاث وتحليلات غير ربحية مقرها أمريكا، فإن معظم رأس المال الذي توفره الصين لجيبوتي هو على شكل قروض من بنك التصدير والاستيراد الصيني.
والبنك، المملوك للدولة بالكامل ويخضع للقيادة المباشرة لمجلس الدولة الصيني، لديه تفويض من الحكومة الصينية "لمساعدة الشركات الصينية في تأمين العقود والحصول على الأصول في الخارج".
والجمعة الماضي، وصل وزير الخارجية الأمريكي ريكس تيلرسون إلى جيبوتي في إطار جولة أفريقية، تهدف إلى حشد الدعم بين القادة الأفارقة.
وفي حديثه عن المخاوف بشأن الديون خلال مؤتمر صحفي مشترك مع نظيره الأمريكي، قال وزير خارجية جيبوتي محمود علي يوسف، إن ديون بلاده إلى الصين "يمكن التحكم فيها حتى الآن".
وأضاف "دعوني أوضح أولا حقيقة أنه لا يمكن لأي بلد تطوير نفسه دون وجود بنية تحتية قوية. والصين من هذا المنظور شريكة جيدة للغاية"، غير أنه لم يطرح قضية محطة حاويات دوراليه خلال المؤتمر الصحفي.
الامتداد العسكري
في عهد الرئيس الصيني شي جين بينج، ازداد التوسع البحري الصيني بشكل كبير، حيث امتد إلى ما هو أبعد من شريطها الساحلي إلى مناطق لم تكن تعتبر في السابق ضمن نطاق نفوذها.
وبنت الصين رسميا قاعدتها العسكرية في جيبوتي في يوليو/تموز من العام الماضي، وتبعتها بعد عدة أشهر عملية الاستحواذ المثيرة للجدل على ميناء هامبانتوتا في سريلانكا.
وفي حديث إلى "سي إن إن"، وصف مالكولم ديفيس، وهو محلل بارز في معهد السياسة الاستراتيجية الأسترالي في سيدني، صفقة هامبانتوتا -التي منحت سريلانكا بموجبها الصين عقد إيجار لمدة 99 عامًا للميناء لسداد بعض المليارات من الديون المستحقة عليها لبكين- كجزء من "صورة أكبر".
وقال ديفيز إنه "كلما زادت استثماراتك في مبادرة الحزام والطريق كلما كان الصينيون في وضع يسمح لهم بإجبار بلدك على الموائمة السياسية" في إشارة إلى مبادرة "حزام واحد - طريق واحد" الطموحة الاستراتيجية للتنمية.
وتابع "إذا أصبحت تعتمد على استثماراتهم وسخاءهم، على الأرجح ستصبح أقل انتقادا لهم، ومن الأرجح أن تستوعب مصالحهم بشكل استراتيجي".
وفي جلسة منفصلة، الأربعاء، أمام لجنة المخصصات بمجلس النواب الأمريكي، اتهم وزير البحرية الأمريكي، ريتشارد سبنسر، بكين بـ "تسليح رأس المال"، قائلا إن الصين تقدم قروضا، وليست منحا أو مساعدات، لتمويل مشاريع البنية التحتية.
وقال سبنسر في إشارة إلى اتفاق ميناء هامبانتوتا بين الصين وسريلانكا: "إذا أخفق المدين في سداد المدفوعات" يأتي صاحب الأصل ويطالب به ويقول: "هذه ملكنا الآن، إنهم يفعلون ذلك في جميع أنحاء العالم. ودفتر شيكاتهم المفتوح يقض مضجعي في الليل".
انتشار الخوذ الزرقاء
وفي الحقيقة فإن مشاريع الصين للبنية التحتية والتنمية ليست سوى جزء من استراتيجية أفريقية أوسع، تشمل عناصر عسكرية وعناصر لحفظ السلام، وفقا لتقرير صادر عن المجلس الأوروبي للعلاقات الخارجية أشار إلى أن التعاون مع أفريقيا حول السلام والأمن أصبح "جزءًا صريحًا من سياسة بكين الخارجية".
في عام 2015، تعهد الرئيس الصيني بتجنيد 8 آلاف جندي في قوة حفظ السلام التابعة للأمم المتحدة، وهو خُمس إجمالي القوات البالغ عددها 40 ألف تلتزم بها 50 دولة، كما تعهدت الصين بتقديم 100 مليون دولار للقوة الاحتياطية للاتحاد الأفريقي ومليار دولار لإنشاء صندوق الأمم المتحدة للسلام والتنمية.
وفي حديثه خلال جلسة الاستماع برفقة سبنسر، قال قائد القوات البحرية الأمريكية روبرت نيلر إن استراتيجية الرئيس شي هي: "الفوز دون قتال".
وأضاف نيلر "إن الصينيين يلعبون لعبة على المدى الطويل... في كل مكان أذهب إليه، هم هناك".
وينتشر الآن أكثر من 2500 جندي مقاتل وضابط شرطة صيني في إطار مهام أصحاب الخوذ الزرقاء التابعين للأم المتحدة في جميع أنحاء القارة الأفريقية، مع أكبر انتشار في جنوب السودان (1511)، وليبيريا (666)، ومالي (402)، وفقا للمجلس الأوروبي للعلاقات الخارجية.
بالإضافة إلى ذلك، تضم أفريقيا حاليًا ما يقدر بنحو مليون مواطن صيني، يعمل الكثير منهم في مشاريع البنية التحتية المدعومة من الحكومة الصينية.
وفي رسالة إلى وزير الدفاع الأمريكي جيمس ماتيس، بتاريخ 5 مارس/آذار، قال النائب برادلي بيرن، وهو جمهوري من ألاباما، إنه قلق بشأن النفوذ الصيني المتنامي في جيبوتي والتأثير الضار المحتمل الذي يمكن أن يكون له على قدرة الولايات المتحدة على العمل بفعالية في المنطقة.
وأضاف "إذا كانت جيبوتي راغبة في مصادرة ميناء يعمل بموجب اتفاق قانوني مدته 30 عامًا، فما الذي يمنع رئيس جيبوتي من التراجع عن عقد إيجار مدته 20 عاما وقعته الولايات المتحدة عام 2014 في معسكر ليمونير؟".
aXA6IDMuMTcuMTUwLjE2MyA= جزيرة ام اند امز