الغرب يئن والتهديد النووي شمس لا تغيب.. لماذا لا تنهي العقوبات على روسيا الحرب؟
مع دخول الحرب الأوكرانية شهرها الحادي عشر دون أن تضع أوزارها بعد، ووسط تضاؤل آمال التوصل إلى حلول للسلام، باتت دول أوروبية تفكر مجددا في العقوبات سبيلا لـ"ردع" روسيا.
إلا أنه في الوقت الذي تستعد فيه أوروبا لانقطاع التيار الكهربائي، ونقص الإضاءة والحرارة، والانقطاع المؤقت في خدمة الإنترنت والهاتف المحمول، فإن العقوبات الغربية ضد روسيا والتي فرضت تكاليف وصفت بـ"الباهظة" على جميع الأطراف، لن تنهي وحدها الحرب في أوكرانيا.
وتقول صحيفة "ذا ناشيونال إنترست" إن الحرب الاقتصادية التي شنتها دول غربية وأوروبية على روسيا، سمحت للأخيرة بالالتفاف على "أسوأ الآلام الاقتصادية المقصودة"، ووفرت لموسكو مهلة للتكيف مع العقوبات المستقبلية وحفزت الشركات الغربية على زيادة التجارة مع روسيا قبل فرض العقوبات.
عزلة اقتصادية
وللتغلب على هذه المشكلة قد يقترح البعض المزيد من العقوبات المصممة بشكل أفضل أو عقوبات أكثر شمولاً، سعياً وراء "العزلة الاقتصادية" الكاملة لروسيا، إلا أن مثل هذه الحلول تأتي بتكلفة أعلى بكثير من الفوائد التي قد تجلبها.
وتقول المجلة الأمريكية إن تسليح مؤسسات النظام الاقتصادي الدولي، خاصة بدون دعم من الجهات الاقتصادية الفاعلة الرئيسية، يأتي بثمن باهظ، مشيرة إلى أن استخدام النظام لإلحاق الضرر بدولة فردية يحفز الآخرين على العمل عكس التيار، مشيرة إلى أن "التدمير اللاحق للمؤسسات أو إنشاء هياكل موازية ينتقص بشكل كبير من مكاسب الرفاهية لنظام اقتصادي مشترك".
وحذرت المجلة الأمريكية من أن العزلة الاقتصادية الكاملة لروسيا -إذا كان الغرب على استعداد لدفع التكاليف الهائلة لفرض مثل هذه السياسة- من شأنه أن يقوض القدرات العسكرية الروسية، إلا أنها تزيد بشكل كبير من احتمالية حدوث تصعيد نووي.
وأشارت إلى أنه لا يمكن إنهاء الحرب في أوكرانيا بوسائل اقتصادية بحتة، خاصة أن الهند والصين -إلى جانب دول رئيسية أخرى- لا تدعم العقوبات الغربية، مؤكدة أن فن الحكم الاقتصادي هو الأداة الخاطئة للوظيفة.
وأكدت أن الاستمرار في طريق الحرب الاقتصادية سيغير أنماط التجارة العالمية، لكنه لن يفرض تكاليف عالية بما يكفي لإجبار روسيا على التخلي عن العملية العسكرية في أوكرانيا، فيما يتمثل خيار الغرب في الاستمرار بتمويل صراع أوكراني مكلف طويل الأمد أو السعي إلى حل دبلوماسي.
تحديات جوهرية
تقول "ذا ناشيونال إنترست" إن العقوبات الجماعية تنطوي على عواقب، بينها التكاليف الفردية التي يجب أن تتحملها كل دولة من أجل المنفعة الجماعية، مشيرة إلى أن كل دولة غربية تريد فرض تكاليف باهظة على روسيا، ولكن من الناحية المثالية بأقل تكلفة ممكنة على نفسها، فعلى سبيل المثال تواصل بلجيكا استيراد الماس الروسي، فيما تواصل فرنسا والمجر وسلوفاكيا وفنلندا استيراد الوقود النووي الروسي، وتواصل اليونان الكفاح من أجل حقها في نقل النفط الروسي.
حتى الإنجاز الرئيسي لأوروبا -"الحظر" على استيراد النفط الروسي- ليس في الواقع حظرا على استيراد كل النفط الروسي، بل عن المنقول بحرا، فيما يُسمح للدول التي تستورد نفس النفط عبر خطوط الأنابيب، مثل المجر وسلوفاكيا وجمهورية التشيك، بمواصلة القيام بذلك. ويُسمح لألمانيا وبولندا، بناءً على اتفاقية العقوبات الحالية، بمواصلة الاستيراد عبر خطوط الأنابيب أيضا.
مشاكل العقوبات الغربية
يُقصد بالعقوبات الغربية على روسيا أن تكون استعراضية أيضا، فهم يقولون للعالم الأوسع: "إذا انتهكت قواعد النظام الدولي فستكون الاستجابة سريعة وقاسية"، بحسب المجلة الأمريكية التي تقول إنه من الناحية المثالية فإن إظهار العقوبة يعمل كرادع للدول التي تفكر في إساءة التصرف في المستقبل.
لكن هناك طريقة مختلفة لقراءة تلك العقوبات؛ فهي تكشف ما يمكن أن تتفق عليه الدول الغربية وما لا يمكنها الاتفاق عليه، وإلى أي مدى هي على استعداد للذهاب من أجل مصلحة أمنية حيوية، والأهم من ذلك ما لا يرغبون في فعله بشأن مسألة ذات أهمية أساسية.
وسيكون لدى "المعتدين" المحتملين الآن صورة أوضح بكثير لما يجب الاستعداد له إذا قرروا شن هجوم، بحسب المجلة الأمريكية، التي قالت إنه بفضل الجهود الروسية أصبح لديهم أيضًا فهم أوضح لكيفية مواجهة العقوبات الغربية.
وتقول "ذا ناشيونال إنترست" إن العقوبات الغربية أضرت بالنظام الاقتصادي الدولي الذي يعتمد على المؤسسات التي تعتمد على الثقة بتعاملاتها، مشيرة إلى أن ذلك النظام يعمل بشكل أفضل عندما تتوقع الدول سلوكا منظما، مما يعني أن التفاعلات بين الدول اليوم ستبدو متشابهة غدا، إلا أن الدعوات لتأميم الممتلكات الروسية المجمدة لتشكيل صندوق إنعاش لأوكرانيا تؤدي إلى تدهور الثقة بتلك المؤسسات.
وأكدت المجلة الأمريكية أنه إذا تم تقويض الثقة بالمؤسسات الأساسية للنظام الاقتصادي ستتخذ الدول تدابير لحماية نفسها، ولن يكون النظام الحالي قادرا على توفير نفس الفوائد، مشيرة إلى أن ذلك الوضع حفز الدول التي تخشى أن تنقلب المؤسسات المسلحة ضدها على إنشاء مؤسسات بديلة تقلل إلى حد كبير من الآثار المفيدة للشبكة للنظام الموحد الحالي.
لماذا لا يفعل الغرب المزيد؟
وتقول المجلة الأمريكية إنه بينما لدى الغرب القدرة على فرض العزلة الاقتصادية على روسيا، إلا أنه لا يفعل ذلك لعدة أسباب، أولها التكلفة الباهظة لمثل هذه السياسة الطموحة، ما سيدفع الغرب للتخلي عن التجارة الثنائية مع روسيا، بالإضافة إلى ذلك فإن باقي العالم سوف يدفع ثمن فقدان الوصول إلى جميع صادرات النفط العالمية لروسيا، مما يتسبب في تكاليف سياسية لا تُصدق على الغرب.
وأشارت إلى أنه إذا أراد الغرب عزل الاقتصاد الروسي تمامًا فسيحتاج إلى تسليح جميع الدول الأخرى بقوة لتحمل التكاليف الاقتصادية لقطع التجارة مع روسيا، إلا أنه بعد كل شيء فإنه لا يوجد اهتمام كبير لدى الغرب بقطع العلاقات مع روسيا.
التهديد بالتصعيد النووي هو السبب الآخر لعدم قيام الغرب بفرض العزلة الاقتصادية على موسكو، بحسب المجلة الأمريكية التي قالت إن سياسة "الخنق الاقتصادي" إذا تم تطبيقها بشكل فعال، من شأنها أن تقوض بشدة القدرات الروسية وترقى إلى مستوى التهديد الوجودي.
وأشارت إلى أنه إذا بدا من المرجح أن سياسة الخنق الاقتصادي ستنجح فسيكون بقاء روسيا مهددا، مؤكدة أن استخدام مثل هذه السياسة ضد دولة مسلحة نوويا هو اقتراح خطير.
aXA6IDE4LjE5MS4yNy43OCA= جزيرة ام اند امز