يبدو أن الأيام القليلة القادمة ستشهد تطورات على أكثر من صعيد، بعد أن راهن الروس ومعهم الإيرانيون
يبدو أن الأيام القليلة القادمة ستشهد تطورات على أكثر من صعيد، بعد أن راهن الروس ومعهم الإيرانيون، ومن خلفهم بشار الأسد على انتصارهم في حلب، فاتضح أنه رهان فاشل بامتياز، فقد كانوا يظنون أن معركة حلب التي انتصروا فيها على فصائل المقاومة الشعبية هي مرحلة فاصلة من شأنها أن تقوي موقفهم على الأرض وعلى طاولة المفاوضات مع الثوار السوريين ليفرضوا ما يريدون، وكذلك على المستوى الإقليمي في المنطقة. هذا الوهم سرعان ما انكشف، واتضح لهم أن انتصار حلب ما هو إلا انتصار في معركة، وليس كسبًا لحرب؛ وأن تغيرات الواقع السياسي الجديد، قد خلط الأوراق، وغير المعادلات، وأعاد انتصارهم في حلب الذي استنزفهم كثيرًا، إلى المربع الأول، وكأن شيئًا لم يتغير على مسار الصراع. الكفة الآن، خاصة بعد حادثة الشعيرات، لم تعد كما كانت عليه. فالروس لا يستطيعون عمليًا أن يواجهوا القوة الأمريكية العملاقة والضخمة التي تدخلت أخيرًا، سواء على المستوى العسكري أو الاقتصادي، ما يجعل الإمعان في المواجهة والتحدي ضربا من ضروب الانتحار عسكرياً وسياسياً، لذلك سيضطر الروس قطعا إلى الإذعان مرغمين للأمر الواقع، والذهاب إلى جنيف للتفاوض السياسي، ومواقفهم أضعف من أي وقت مضى؛ فمنظر الأطفال السوريين وهم يعانون من القذائف الكيماوية سيُخيم بلا شك على كواليس الاجتماعات بين الفريقين في جنيف.
بقاء بشار ونظامه أصبح الآن شبه مستحيل بعد (غلطة) الشعيرات الكارثية. والخاسر الكبير ليس الأسد فحسب، وإنما العدو الفارسي، ومعه ميليشياته المذهبية
وإذا سلمنا أن بقاء بشار ونظامه أصبح الآن شبه مستحيل بعد (غلطة) الشعيرات الكارثية. فإن الخاسر الكبير ليس الأسد فحسب، وإنما العدو الفارسي، ومعه ميليشياته المذهبية الشيعية، وفي مقدمتها حزب الله، التي تقاتل عنه بالوكالة. وهنا لا حاجة للتذكير أن الرئيس الأمريكي ترامب ومعه أغلب أعضاء إدارته، يعتبرون إيران، بعد داعش والنصرة، هم داعمو الإرهاب، ومن يمولونه، ويقفون خلفه، وقد أشاروا إلى ذلك في أكثر من تصريح. وجود إيران ومعها داعش والنصرة على الأرض السورية سيشكل بالنسبة للأمريكيين فرصة سانحة يجعل القضاء على الإرهاب المتأسلم، بشقيه السني والشيعي أمرًا ممكناً، بل وفي متناول اليد. روسيا -طبعًا- لن تضحي بعلاقاتها ومصالحها، ولن تستطيع إن أرادت مواجهة الآلة العسكرية الأمريكية العملاقة؛ لذلك فليس لدي أدنى شك أن العدو الفارسي المتغطرس سيتجرع الكأس ذاته الذي تجرعه الخميني حين أذعن في الثمانينيات من القرن الماضي للسلام مع العراق مرغمًا.
نقطة هامة جاءت في سياق تداعيات ضربة مطار الشعيرات، كانت من العراق، حيث صرح رجل الدين الشيعي مقتدى الصدر بتصريح هام طالب فيه الرئيس السوري بشار الأسد بالتنازل وتجنيب سوريا تبعات كارثية، كما طالب في التصريح ذاته الميليشيات الأجنبية بالانسحاب من سوريا. التصريح طبعًا كان المقصود به إيران، وغني عن القول إن الصدر لم يكن ليجروء على هذا التصريح لولا أنه قرأ المأزق الحقيقي الذي يحاصر العدو الفارسي، خاصة وأن الصدر ومعه المرجع السيد السيستاني يعتبران من البقية الباقية من رجال الدين الشيعة اللذين قاوما بقوة ثقافة الولي الفقيه، التي من خلاله يتمدد ملالي الفرس في المنطقة، وخاصة العراق، الذي يعاني من نفوذ إيراني يمس السيادة الوطنية.
لذلك كله فإنني أعتقد أن محاصرة إيران قد بدأت بالفعل، وأن الغطرسة الفارسية هي حتمًا في طريقها للأفول.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة