عملية الدهس الإرهابية في العاصمة السويدية ستوكهولم لم تكن بالمفاجأة الكبيرة للسلطات الأمنية في السويد، التي كانت قد توقعت من خلال التقرير السنوي لجهاز الأمن "سابو" إمكانية وقوع هجوم إرهابي في العاصمة ستوكهولم على أيدي ذئاب داعش المنفردة
عملية الدهس الإرهابية في العاصمة السويدية ستوكهولم لم تكن بالمفاجأة الكبيرة للسلطات الأمنية في السويد، التي كانت قد توقعت من خلال التقرير السنوي لجهاز الأمن "سابو" إمكانية وقوع هجوم إرهابي في العاصمة ستوكهولم على أيدي ذئاب داعش المنفردة، بالإضافة إلى إعلان رئيس المخابرات السويدية عن تراجع أعداد السويديين الملتحقين بتنظيم داعش في سوريا والعراق وعودة نصفهم الآخر (بحدود ١٥٠ مقاتلا مع داعش) إلى السويد بالتزامن مع تصاعد نسبة المتعاطفين مع التنظيم الإرهابي بين أوساط المتطرفين في البلاد.
لكن المثير في هذه العملية أنها نفذت من قبل مواطن يحمل جنسية أوزبكستان، واتضح من خلال التحقيقات وعمليات الاعتقال التي طالت آخرين معه، ما يشير إلى وجود خلية كاملة تعمل مع المشتبه به المذكور.. فقد ألقي القبض عليه في ضاحية ماشتا شمال العاصمة، وكان قبل الهجوم بساعات في شقة سكنية أخرى جنوب ستوكهولم، كما اعتقل شخص مساعد له في منطقة أخرى شمال غرب العاصمة، بينما يسكن في مكان لم يسجله لدى السلطات الرسمية وقدم عنواناً مغايراً لسكنه.
المشكلة الحقيقية التي تواجه أوروبا أن قوانينها لا تحاكم الإرهابي الذي يقوم بعمليات متطرفة أو جرائم قتل خارجها، طالما أنه يلتزم بقوانين البلاد، ومؤخرا بدأت تستشعر الخطر بسبب هذه الثغرة التي يستغلها الإرهابيون
ما حصل يشير إلى وجود خلايا تعمل بشكل حقيقي وتخطط لتنفيذ عمليات إرهابية في السويد، لكنه في الوقت نفسه يكشف عن ثغرات كبيرة في قوانين السويد وطبيعة تعامل الأجهزة الأمنية مع الأشخاص المشكوك فيهم بالانتماء لجهات إرهابية، خاصة وأن آخر الدلائل تشير إلى أن المشتبه به الأول كان معروفاً لدى السلطات منذ عام ٢٠١٥، حيث كانت تحوم الشكوك حوله بقيامه بعمليات تحويل مالية إلى تنظيم داعش في سوريا.. لكن السلطات تقول إنها لم تكن تملك الأدلة الكافية.
المشكلة الحقيقية التي تواجه دول أوروبا (والسويد في مقدمتها) أن قوانينها لا تحاكم الإرهابي الذي يقوم بعمليات متطرفة أو جرائم قتل خارج البلاد أو خارج أوروبا، طالما أنه يلتزم بقوانين البلاد! ومؤخرا بدأت دول أوروبا تستشعر الخطر بسبب هذه الثغرة التي يستغلها الإرهابيون الذين يقتلون الأبرياء في سوريا والعراق ويعودون إلى بلدانهم آمنين مطمئنين، حتى أن بعضهم كان يعود للعلاج من إصابة لحقت به خلال قتاله مع داعش! وكان بعضهم الآخر يقاتل في صفوف التنظيمات الإرهابية في سوريا والعراق، ويستمر بالحصول على المساعدات المالية الاجتماعية التي تمنحها الدولة للعاطلين عن العمل.
إن جريمة ستوكهولم الإرهابية رغم تشابهها في الطريقة مع حوادث الدهس التي حدثت في فرنسا وألمانيا ولندن، إلا أن الميزة الأهم فيها هو أن المنفذ لم يُـقتل! وتم اعتقاله من قبل أجهزة الأمن بسرعة كبيرة بتعاون المواطنين السويديين الذين أبلغوا السلطات بعد ساعات من الحادث.. وطالما أن المجرم تحت قبضة الأجهزة الأمنية، فإنه من المؤكد أن كنزاً من المعلومات سيتوفر لدى أجهزة الأمن عن طبيعة عمل أعضاء تنظيم داعش في أوروبا، وكيفية تواصلهم مع قيادات التنظيم وآليات التجنيد وتلقي وإرسال الأموال من وإلى سوريا والعراق، وكذلك الكشف عن الكثير من الذئاب المنفردة النائمة في أوروبا والتي تنتظر دورها في تنفيذ عمليات مماثلة.
لكن السؤال الأكبر الذي يؤرق أوروبا حالياً هو صعوبة السيطرة على تلك العمليات الإجرامية التي تنفذ بسيارات مسروقة قبل ساعات أو دقائق معدودة من تنفيذ تلك العمليات الإرهابية، وفيما لو لم يتم الإسراع بتشديد القوانين بوجه كل من يحرض على الإرهاب والتطرف عبر مواقع التواصل الاجتماعي ومن يؤيد التنظيمات الإرهابية قولا أو فعلاً، فإن الخطر سيستمر ويتصاعد مع تراجع وهزيمة تنظيم داعش في سوريا والعراق، حيث سيعود المئات أو الآلاف إلى أوروبا من جديد حاملين معهم خبرات كبيرة في التفخيخ والتفجير والقتل بدم بارد.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة