ما عرضته قناة «بي بي سي» البريطانية عن الاغتيالات في الجنوب من بعد تحرير العاصمة عدن في 2015 رغم أنه تعمد إغفال الحقائق
إلا أنه جدير بالنظر إليه بشجاعة من زاوية يغفل عنها الكثير حيث فيه تبيان لماهية الفصل بين ما يجب أن يتم الفصل فيه.
من الخطأ اعتبار السياق التاريخي للجنوب عن تحولات الحوادث التاريخية المستجدة في العام 2015 وما تلاها، فالجنوب بتكوينه لم ينسجم مع التيارات الإسلاموية منذ نشأته ما قبل ظهور الدولة الوطنية، ومنذ عهد السلطنات والمشيخات لم يستسغ النسيج المجتمعي هذه التيارات ولم يتعاط معها.
ومع الاستقلال الأول في 30 نوفمبر/تشرين الثاني 1967 ظهرت القطيعة مع الإسلام السياسي فلقد حكم الجنوب الحزب الاشتراكي بطبيعة سياسية ليبرالية علمانية وضعت حداً قاطعاً مع جماعة الإخوان التي كانت نشطة في الجمهورية العربية اليمنية التي كانت محكومة بالفكر الزيدي وهو أحد أقدم التيارات ذات النهج الإسلامي في التاريخ العربي.
الحزب الاشتراكي تعامل بصرامة مع جماعة الإخوان وليس من المخفي في سجلاته أنه وحتى يوم إعلان الوحدة بين شطري اليمن في مايو/أيار 1990 كانت السجون ممتلئة بالمئات إن لم يكونوا بالآلاف من عناصر الجماعة، فحالة العداء التاريخية ليست مستجدة بين التنظيم الدولي والجنوبيين.
وفي العام 1994 ومع الغزو اليمني للجنوب كان من الطبيعي أن يكون رأس حربة الغزو هم جماعة الإخوان المتمثلين في ذراعهم في اليمن حزب التجمع اليمني للإصلاح، جاءت الجماعة من بعد المؤتمر العربي الإسلامي الذي كان قد انعقد في الخرطوم 1991 لتنفذ مقرراته بأن يتحول الجنوب إلى وطن إخواني وهو ما حاول أن ينفذه التنظيم عندما ساهم بفاعلية في إنشاء تنظيم القاعدة في جزيرة العرب.
وحولت الجماعة الجنوب إلى معسكر كبير للأفغان العرب والمقاتلين العائدين من الشيشان والبوسنة والصومال فكان محطة لتفريخ العناصر التكفيرية، هذه الخلفية مهمة لمعرفة أن ما كان في حرب تحرير عدن 2015، والمكلا 2016، لم تكن حروبا كما يصورها الإعلام الدولي أو العربي فقد كانت حروبا وجودية بين الدولة الوطنية والكيانات الإسلاموية.
والجنوبيون خرجوا من تلك الحروب والمعارك معهم حليف واحد لا شركاء له، ذلك الحليف كان دولة الإمارات العربية المتحدة التي ساندتهم وهي تدرك تماماً أنها تدعم قوى وطنية جنوبية تواجه تيارات إسلاموية.
الإماراتيون لم يخفوا يوماً أنهم رأس الحربة الأولى بل والأقوى والأكثر شراسة في مواجهة التيارات الإسلاموية، حيث تدرك دولة الإمارات أنها حملت مسؤولية كبيرة، وهي تساند مصر التي قدمت مفهوم الدولة الوطنية الحديثة.
ما فعلته دولة الإمارات مع مصر لم يكن من وراء ستار بل كان مكشوفاً وظاهراً وهو ما يجسدّ سياساتها وتوجهاتها، ومن وقف مع مصر وواجه موجة "الربيع العربي" لن يكون متوارياً وهو يساند الجنوبيين في خوضهم معاركهم مع التيارات الإسلاموية.
فهذه حرب خاضتها دولة الإمارات مع التحالف العربي وأظهرت فيها قدرة قتالية مشهودة من لحظة انطلاق عملية السهم الذهبي في عدن وحتى ينهي الجنوب مشروعه السياسي على اعتبار أنه مشروع وطني شأنه شأن كل المشاريع الوطنية العربية من الخليج إلى المحيط.
ما لم تقترب منه قناة «بي بي سي» فيما تقول عنه وثائقي هو أن ما تلا تحرير عدن كان موجة من القتل والإرهاب والتفجيرات والمفخخات حصدت أرواح الآلاف من المواطنين الأبرياء.
الموقف الحرج حتّم على دولة الإمارات أن تساهم في إعداد وتجهيز الحزام الأمني الذي خاض معارك ضارية في محافظات عدن ولحج وأبين ضد تنظيم داعش الذي حاول إقامة «إمارة إسلامية» لولا أن هذه القوة وبإسناد مباشر من القوات الإماراتية التي استطاعت هزيمته ومطاردة فلول عناصره ولاحقتهم في المكلا وهزمتهم بإسنادها لقوات النخبة الحضرمية.
هذه معارك لم تأتِ عليها الوثائقيات المصنوعة بأياد إسلاموية وبعيون مبغضة لدولة الإمارات وللجنوب.
يعرف الجنوبيون تماماً خصومهم كما يعرف الإماراتيون مهمتهم التاريخية في إسنادهم للقوى الوطنية دائماً في كل أرض عربية ومع كل مستغيث بهم.
هذه معركة ضارية ولا شك فيها، وتلك الدعايات والوشايات وغيرها من المبررات لن تغير من حقائق الأرض والتاريخ الذي تسرده وثائقيات مشوهة مغلوطة ومدلسة.
الأرض وأهلها يعرفون الحقيقة ويدركونها ويعرفونها كما يعرفون تماماً أن عليهم ألا يلتفتوا إلى هكذا شهادات زور وبهتان لا تمثل أوجاعاً أثخنت الجسد الجنوبي العربي دماً وجراحاً غائرة لن تندمل بغير اجتثاث الإرهاب من على الأرض الجنوبية التي تهدده، مع عرض هذا الجزء من وثائقي «بي بي سي» صواريخ الحوثي الباليستية ومفخخات تنظيمات القاعدة وداعش وأنصار الشريعة.
هذا ما لا يريدون إظهاره للناس وهذا ما سيبقى واقعاً يخوض فيه الجنوب بمجلسه الانتقالي وقواته المسلحة وشعبه المدعوم إماراتياً بالأمس واليوم وغداً فالمصير الإماراتي مصير مرتبط بالجنوبي فهذا استحقاق التاريخ المكتوب بدم شهداء الإمارات والجنوب الذين خضبوا بدمائهم الأرض الجنوبية من عدن إلى المهرة.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة