ماذا يحدث لشخص يعيش على الشوربة فقط لمدة 10 سنوات؟

في السنوات الأخيرة، ظهرت أنظمة غذائية تعتمد على تناول الشوربة فقط، سواء كانت نباتية أو تحتوي على بروتينات خفيفة مثل الدجاج أو العدس.
ولكن ما الذي يمكن أن يحدث فعليا للجسم إذا استمر الإنسان في الاعتماد على الشوربة فقط كمصدر رئيسي ووحيد للغذاء، ولمدة تمتد إلى عشر سنوات كاملة؟
للإجابة على هذا السؤال، من الضروري النظر إلى الجوانب الغذائية، الطبية، والنفسية التي يمر بها الجسم نتيجة هذا النمط الغذائي الأحادي.

في البداية، لا بد من التأكيد أن القيمة الغذائية للشوربة تختلف باختلاف مكوناتها، لكن أغلب أنواع الشوربة الشائعة تُحضر من الخضروات والماء وبعض التوابل، وربما القليل من البقول أو اللحوم، مما يجعلها غنية بالماء والألياف ولكن منخفضة في السعرات الحرارية والبروتينات الكاملة والفيتامينات الحيوية.
والاعتماد على هذا النوع من الغذاء السائل فقط لفترة قصيرة قد لا يسبب مشكلات خطيرة، لكن الأمر يختلف تماما حين يستمر لعقد كامل.
فوفقًا لدراسة نشرت في مجلة "نيوتريشن" عام 2016، فإن الأنظمة الغذائية الفقيرة بالبروتين تؤدي إلى فقدان الكتلة العضلية وضعف الجهاز المناعي وتدهور حالة الجلد والشعر والأظافر.
إلى جانب ذلك، فإن الشوربة، خاصة النباتية منها، تفتقر إلى العديد من الفيتامينات والمعادن الأساسية، مثل فيتامين ( B12)، الحديد، الزنك، الكالسيوم، وفيتامين ( D )، وهذه العناصر ضرورية لصحة الدم، العظام، والوظائف العصبية، فغياب ( B12) على سبيل المثال، قد يؤدي إلى فقر الدم الخبيث واضطرابات عصبية مزمنة، وهو ما أشار إليه تقرير نُشر في "المجلة الأمريكية للتغذية السريرية".
وحتى إن كانت الشوربة غنية بالخضروات، فإن العديد من الفيتامينات التي تحتاج إلى الدهون للامتصاص ،مثل A، D، E، K ، لن تستفيد منها الأمعاء ما لم تكن مرفقة بمصدر دهني مناسب.
تغييرات في الهضم
كذلك، يُحدث الاعتماد المستمر على الأغذية السائلة تغييرات في الهضم وسلوكيات الأكل. فالجهاز الهضمي صُمم للتعامل مع أطعمة متنوعة من حيث القوام، والاعتماد الدائم على السوائل فقط قد يضعف إفراز الإنزيمات الهضمية ويقلل من كفاءة العضلات المعوية، مما يزيد من احتمالية حدوث الإمساك المزمن.
وبينت دراسة من جامعة أكسفورد عام 2013 أن الطعام الصلب يُشبع لفترة أطول مقارنة بالسوائل، ما قد يؤدي إلى تناول كميات أكبر على المدى الطويل إذا عادت الشهية للانفتاح على أنواع أخرى من الطعام.
وعلى مستوى الأيض، فإن النظام الغذائي منخفض السعرات مثل الشوربة يؤدي إلى انخفاض معدل الأيض الأساسي، مما يعني أن الجسم يبدأ في تقليل معدل حرق الطاقة كوسيلة للبقاء، وهو ما يعرف بـ"التكيف الأيضي". وقد حذرت منظمة الصحة العالمية من أن تناول أقل من 1200 سعرة حرارية يوميا لفترة طويلة قد يُحدث اختلالات هرمونية وأيضية خطيرة، خاصة إذا لم يكن تحت إشراف طبي مباشر.

تغذية علاجية بإشراف طبي
ولم يعثر في الأدبيات الطبية على حالات موثقة علميا لأشخاص عاشوا على الشوربة فقط لمدة عشر سنوات كاملة، إلا أن هناك حالات جزئية قريبة من هذا المفهوم، منها التجربة البريطانية التي طبقتها هيئة الخدمات الصحية الوطنية لعلاج السكري من النوع الثاني باستخدام نظام شوربة ومشروبات مغذية، ولكن لمدة 12 أسبوعا فقط، وبمراقبة طبية دقيقة.
وأظهر البرنامج نتائج إيجابية في تقليل الوزن وتحسين التحكم في سكر الدم، لكن الخبراء أكدوا أن تمديد البرنامج لأكثر من 3 أشهر يمكن أن يُعرض المرضى لمخاطر غذائية كبيرة، ما لم يتم تعويض العناصر الناقصة عن طريق مكملات أو خطة غذائية متوازنة.
بالتالي، فإن أي محاولة للاعتماد على الشوربة وحدها، بدون مكملات، لمدة 10 سنوات تُعد مخاطرة صحية كبيرة، وقد تُنتج آثارًا تراكمية تبدأ بفقدان العضلات، مرورًا بنقص الفيتامينات، وانتهاءً بمشاكل في الجهاز العصبي والعظام والجهاز المناعي.
وعلى الرغم من الصورة الصحية التي ترتبط بالشوربة كوجبة خفيفة ومغذية، إلا أن جعلها المصدر الوحيد للغذاء يتعارض مع مبادئ التغذية المتوازنة التي أوصت بها جهات علمية مثل الأكاديمية الأمريكية للتغذية وعلوم الغذاء.