الحرب العالمية الثالثة تنتظر "خطأ" في أوكرانيا.. الصبر مفتاح النجاة
مع استمرار الحرب في أوكرانيا، تتهم الأطراف بعضها البعض بتجاوز "خطوط حمراء"، لكن الخطوط الحقيقية لم يتم اختراقها بعد، وفق تحليل أمريكي.
وأوضح تحليل مجلة "فورين أفيرز" الأمريكية ، أنه:"في الوقت الذى تقترب فيه الحرب في أوكرانيا من شهرها السادس، وتتهم روسيا الغرب بتجاوز خطوط حمراء بتسليح أوكرانيا، ويتهم الغرب موسكو أيضا بتجاوز خطوط حمراء بعمليتها العسكرية، إلا الخطوط الحمراء الحقيقية لم يتم اختراقها بعد".
ففي بداية الحرب، بدا أن كلا الجانبين وضع مجموعة من القواعد غير المعلنة وطبقها بدقة، وتشمل قبول روسيا تسليم الحلفاء للأسلحة الثقيلة والدعم الاستخباراتي لأوكرانيا، دون استخدام القوات الغربية.
وتشمل هذه القواعد أيضا قبول الدول الغربية على مضض للحرب التقليدية الروسية داخل حدود أوكرانيا طالما أن الصراع لا يؤدي إلى استخدام أسلحة الدمار الشامل. حتى الآن، استمرت هذه القواعد غير المرئية في العمل، مما يدل على أنه لا الرئيس الأمريكي جو بايدن ولا الرئيس الروسي فلاديمير بوتين يريد حربًا أوسع.
ومع ذلك، فمن المؤكد أن حربا أوسع ممكنة، فبعد كل شيء، لا توجد آلية دولية تسيطر على الصراع. والولايات المتحدة ليست في وضع يمكنها من إنهاء الحرب بشروطها، ولا روسيا ولا أوكرانيا.
كما أن المحادثات انهارت بين كييف وموسكو، أضف إلى ذلك حجم الصراع وتعقيده، وعدد البلدان المشاركة، والتقنيات الجديدة المستخدمة.
وبالتالي، فإن الرغبة المشتركة لبوتين وبايدن في تجنب حرب أوسع لا تضمن احتواء الحرب نفسها. فيمكن أن يخرج الصراع عن نطاق السيطرة حتى لو لم يتخذ أي من الطرفين قرارًا متعمدًا باستخدام الأسلحة النووية.
وعلى الرغم من أن الهجوم النووي غير مرجح، إلا أنه لا يزال في نطاق الاحتمال، نظرًا للقدرة الروسية وغموض العقيدة النووية الفعلية لموسكو.
وفي الواقع، قد يكون التصعيد العرضي غير المقصود مخيفًا أكثر من التصعيد المتعمد، لأن الأخير يمكن إدارته والسيطرة عليه.
نموذج الحرب الباردة
وتحدث الكاتب عن الحرب الباردة وكيف قدمت نموذجا للعداء الذي تمت إدارته بشكل سلمي إلى حد كبير مع "انعدام الخطأ" من جانب القادة السياسيين والعسكريين على كلا الجانبين.
ووراء معجزة بقاء البشرية في العصر النووي، توجد زوايا مظلمة للمواجهة والتصعيد العرضي. ويجب على صانعي السياسة والدبلوماسيين على جانبي المحيط الأطلسي الاستعداد لهذا السيناريو بجدية أكبر من التحضير لاحتمال التصعيد المقصود.
التحليل قال أيضا إن بايدن كان صريحًا بشأن الأماكن التي لن يذهب إليها في أوكرانيا. وأنه لن يتدخل بشكل مباشر أو يتم دفع الناتو في الحرب.
وعلى الرغم من أن الولايات المتحدة تزود أوكرانيا بكميات هائلة من المعدات، إلا أن بايدن شدد على التمييز بين الدفاع عن النفس الأوكراني، والذي تلتزم به واشنطن، والضربات الأوكرانية على روسيا نفسها.
وفي هذا الإطار، يتم ضبط الدعم العسكري لأوكرانيا على هذا المنوال، إذ يريد بايدن أن تفوز أوكرانيا بشروطها وعلى أراضيها. في المقابل، كان بوتين أكثر غموضًا، حيث يعد بـ "عواقب" للمساعدات العسكرية للحلفاء.
لكن التحليل حذر من أنه يمكن للصراع أن يخرج عن نطاق السيطرة حتى لو لم يتخذ أي من الطرفين قرارًا متعمدًا بالتصعيد؛ فبوتين "لا يستطيع تحمل حربا أوسع".
وعلى الرغم من أن روسيا لديها المال على الأرجح لمواصلة سياستها لتغيير النظام في أوكرانيا، إلا أن الجيش الروسي يعاني من نقص كبير في القوة البشرية وأي صراع إضافي، خاصة ضد قوات "الناتو" المجهزة تجهيزًا جيدًا، من شأنه أن يؤدي إلى تفاقم هذه المشاكل.
ومن ثم، فمن الناحية النظرية، يمكن أن يلتقي بوتين وبايدن في منتصف الطريق. من نفس الرأي حول عدم الرغبة في اندلاع حريق أكبر، لديهم حوافز للالتزام بقواعد الحرب غير المرئية.
ما بين المواجهة المباشرة وغير المباشرة
وبالعودة إلى حقبة الحرب الباردة، فلم تتفق الولايات المتحدة والاتحاد السوفيتي رسميًا على كيفية خوض الحروب بالوكالة.
بدلاً من ذلك، وعلى مدار ما يقرب من أربعة عقود، ارتجل الجانبان طريقهما بين شجب متبادل، تنافس ثقافي وأيديولوجي، تجسس، إجراءات فاعلة مثل حملات الدعاية والتضليل، السعي وراء مناطق النفوذ، التدخل في السياسة الداخلية للدول الأخرى، ودعم خصوم الطرف الآخر في السلام والحرب. لكن الاشتباكات العسكرية المباشرة واستخدام السلاح النووي. كان ممنوعا بشكل تام.
لكن الولايات المتحدة تخلت عن آداب الحرب الباردة حينما دعمت المجاهدين الأفغان في قتالهم ضد القوات السوفيتية في الثمانينيات، وفى أوكرانيا حينما زودت واشنطن وحلفاؤها الجيش الأوكراني علنًا بالأسلحة الثقيلة، والتدريب العسكري خارج أوكرانيا، وتبادل المعلومات الاستخباراتية لتحديد الأهداف.
وفى المقابل، لم تستهدف روسيا قوافل الأسلحة المتجهة إلى أوكرانيا أثناء تواجدها على أراضي "الناتو"، كما لم تعطل روسيا التدفق المستمر للقادة السياسيين الأمريكيين وحلفائها إلى كييف. كان هذا النوع من ضبط النفس نموذجًا للحرب الباردة.
حادث تصعيدي؟
أما الآن، فالقواعد غير المعلنة التي وضعتها الولايات المتحدة وروسيا في الحرب قد تتهدد عبر "حادث عرضي"، أو مجموعة من الأحداث التي "تتطلب" التصعيد. فقد يمكن أن يكون حادث واحد ذريعة لدوامة تصعيدية، كما حدث أحيانًا خلال الحرب الباردة.
على سبيل المثال، إبان أزمة الصواريخ الكوبية، احتفى كثيرا بالرئيس الأمريكي جون ف. كينيدي، حين كادت المواجهة التي جرت عام 1962 بين موسكو وواشنطن حول الصواريخ النووية السوفيتية في كوبا أن تتوج بكارثة.
لكن كينيدي أثار حلا عمليا هو مقايضة إزالة الصواريخ الأمريكية في تركيا بإزالة الصواريخ السوفيتية في كوبا. وكانت الآلية الوحيدة التي خففت من تصعيد الأزمة هي قدرة الزعيم السوفيتي أنداك نيكيتا خروتشوف وكينيدي على التواصل وإيجاد أرضية مشتركة.
في وقت لاحق، وبالتحديد في عام 1983، في جو من التوتر الشديد في الحرب الباردة، أخطأ الاتحاد السوفيتي في قراءة تمرين "آبل آرتشر" لحلف الناتو، والذي كان محاكاة لتصعيد الصراع، باعتباره هجومًا نوويًا واقعيًا واقترب من شن ضربة انتقامية كارثية، قبل أن يتم تدارك الأمر.
وبالمثل، فإن الحرب في أوكرانيا عرضة للحوادث. فقد تكون القواعد غير المرئية للحرب واضحة تمامًا لبوتين ولكنها أقل وضوحًا لضباطه القياديين، الذين يتعامل العديد منهم مع تفاصيل ساحة المعركة.
فعلى سبيل المثال، قد يتم توجيه ضربة صاروخية على دولة أجنبية لوقف مرور الأسلحة إلى أوكرانيا. وسيكون هذا هجومًا روسيًا على دولة عضو في "الناتو"، وليس لأن الكرملين اتخذ خيارًا بذلك عمدا.
والخطر التالي هو أن تفسر واشنطن مثل هذا الهجوم على أنه تصعيد يوجهه الكرملين. ووسط التوتر الحالي، قد لا يكون لدى بوتين وسائل موثوقة لتغيير هذا التفسير ولا قدرة أو استعداد لإبلاغ عن خطأ، فتكون الحرب بين روسيا والناتو وشيكة.
علاج بالهدوء والصبر
وأكد التحليل أنه يمكن للصبر والهدوء المدروسين منع الصراع في أوكرانيا من الخروج عن نطاق السيطرة، ودراسة حالة وقعت عام 2014 قد تكون مفيدة في هذا السياق.
ففي يوليو/ تموز من ذلك العام، أسقط الانفصاليون الموالون لروسيا في شرق أوكرانيا طائرة مدنية، وهي رحلة الخطوط الجوية الماليزية "MH17"، بصاروخ بوك أرض-جو، مما أدى إلى مقتل 298 شخصًا.
ولم يتصاعد هذا الحادث إلى ما بعد الحرب الكلامية، حيث كان الصراع في أوكرانيا لا يزال محليًا ومحدود النطاق. وهولندا الغاضبة من الحادث لم تفكر قط في القيام بعمل عسكري.
ومع ذلك، فإن مجموعة مماثلة من الظروف قد يكون لها نتيجة مختلفة اليوم. فعلى عكس عام 2014، سيكون هناك ضغط هائل على "الناتو" للقيام بشيء ما، وستفسر العديد من الدول المتوترة بالفعل الهجوم على أنه علامة على أن روسيا كانت توسع حربها.
فوسائل الإعلام الروسية تصف حرب عام 2022 باستمرار على أنها صراع بين روسيا والغرب. وتتجه بلاغيا إلى حافة حرب أوسع.
وعندما هددت ليتوانيا بمنع وصول البضائع إلى كالينينغراد، على سبيل المثال ، كان الخطاب الرسمي الروسي عدوانيًا، كما لو أن بوتين كان يصدر إنذارًا.
وعلى الرغم من هذه المخاطر، يمكن للصبر والهدوء المدروسين منع الصراع في أوكرانيا من الخروج عن نطاق السيطرة.
وليس هناك حل سحري لتجنب حرب أوسع. والمحادثات والمفاوضات والدبلوماسية لن تفي بالغرض. لكن كلما كانت وجهة نظر واشنطن وحلفائها أقل ترويعًا، كان ذلك أفضل.
إذ أن الولايات المتحدة وروسيا ليسا على شفا الحرب العالمية الثالثة، حتى رغم أن الحرب في أوكرانيا ستؤدي باستمرار إلى ظهور حالات طوارئ جديدة وغير مؤكدة ومقلقة ومخيفة.
لذلك، سيتعين على العالم أن يتعلم كيف يتعايش معها. وفى حين استمرت أزمة الصواريخ الكوبية لمدة 13 يومًا، ستستمر الأزمة الناتجة عن الحرب في أوكرانيا لفترة طويلة قادمة.
aXA6IDE4LjExOC4zMC4xMzcg جزيرة ام اند امز