ما هي آليات ضبط معدل ارتفاع حرارة الأرض عند 1.5 درجة مئوية؟
ترتفع درجات الحرارة العالمية بصورة استثنائية عن قبل؛ فما الآليات والحلول المقترحة للتعامل معها؟
في أكتوبر/تشرين الأول عام 2018، خرج تقرير من «الهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ» (IPCC)، بعنوان «الاحترار العالمي بمقدار 1.5 درجة مئوية»، وهو تقرير خاص يتناول الآثار المترتبة على ارتفاع متوسط درجات الحرارة العالمية بمقدار 1.5 درجة مئوية فوق مستويات عصر ما قبل الصناعة سواء على البشر أو الطبيعة، ويدعو صناع القرار إلى ضرورة الاستجابة لمخاطر التغيرات المناخية وضرورة تعزيز جهود التنمية المستدامة.
الجدير بالذكر أنّ اتفاق باريس الذي خرج في أثناء مؤتمر الأطراف المعني بتغير المناخي في دورته الحادية والعشرين (COP21)، دعا إلى ضررورة عدم تجاوز درجات الحرارة العالمية 2 درجة مئوية فوق مستوى ما قبل الصناعة. كان ذلك في عام 2015، ودخل الاتفاق حيز التنفيذ في عام 2016، بعد اعتماد الاتفاق بعامين خرج تقرير الاحترار العالمي بمقدار 1.5 درجة مئوية؛ ليُنذر بالمخاطر المحدقة في الأفق بمجرد تجاوز عتبة 1.5، ويضع بعض الآليات والمقترحات اللازمة لعدم الوصول للسيناريو الأسوأ.
آليات ضبط الحرارة عند 1.5
هناك العديد من الاستراتيجيات التي يمكن من خلالها ضبط معدل ارتفاع درجات حرارة الأرض بحيث لا يتجاوز 1.5 درجة مئوية، من بين تلك الاستراتيجيات:
1- إزالة الكربون
واحدة من أبرز الاستراتيجيات المطروحة، هي إزالة واحتجاز غاز ثاني أكسيد الكربون من الغلاف الجوي، باعتباره أبرز الغازات الدفيئة المتسببة في الاحترار العالمي، ويمكن تطبيق تلك الاستراتيجية عبر الانتقال لمصادر الطاقة المتجددة، وتعزيز كفاءة استخدام الطاقة، في القطاعات المختلفة التي تستهلك كميات كبيرة من الوقود الأحفوري كمصدر للطاقة، مثل: المصانع والمباني والكهرباء والنقل والصناعة عامةً. إضافة إلى استخدام تكنولوجيا تزيل الكربون، وتطبيق بعض الآليات الأخرى، مثل إعادة التشجير؛ فالأشجار قادرة على امتصاص كميات كبيرة من غاز ثاني أكسيد الكربون من الغلاف الجوي، وتُطلق بدلًا منه الأكسجين، يساعد الكائنات الحية في التنفس، وتُخزن الكربون في الأخشاب والتربة.
2- الطاقة المتجددة
خرج مؤتمر الأطراف بشأن تغير المناخ في دورته الثامنة والعشرين (COP28) في إكسبو دبي بالإمارات العربية المتحدة، بمعاهدة مضاعفة الطاقة المتجددة 3 مرات بحلول 2030، والتي تدعو الأطراف إلى زيادة نسبة استخدامها للطاقة المتجددة 3 مرات عن الوضع الحالي، وبالفعل وقع على المعاهدة ما يزيد عن 130 دولة من الأطراف، وهذه إشارة إلى ضرورة الانتقال العاجل نحو الطاقة المتجددة، مثل: الطاقة الشمسية، طاقة الرياح، والطاقة الحرارية الأرضية وغيرهم من مصادر الطاقة التي تساعد الإنسان في التخلص من الوقود الأحفوري.
وبالفعل جاء في النسخة النهائية من نص التقييم العالمي «التخلص التدريجي من الوقود الأحفوري»، وبذلك بدأ عصر الانتهاء من الوقود الأحفوري، وآن الأوان إلى أن يعتمد الإنسان على الطاقة المتجددة، والحقيقة أنّ تطبيقها على الرغم من كونه قد يكون مكلفًا في بادئ الأمر، إلا أنها توّفر الكثير من الأموال وتحافظ على الاستدامة، وتقلل الانبعاثات الدفيئة، هذا يساعد الإنسان في تحقيق هدف 1.5 درجة مئوية.
3- تعزيز الممارسات المستدامة
وضعت الأمم المتحدة 17 هدفًا للتنمية المستدامة، على أن تتحقق بحلول 2030، وتضمين تلك الأهداف المستدامة في العمل المناخي، من شأنه أن يعزز عملية خفض الانبعاثات، خاصة وأنّ هذه الأهداف تشتمل على ممارسات مستدامة ترتبط بالقطاعات المختلفة مثل الزراعة واستخدام الأراضي وإدارة النفايات والقضاء على الفقر وتوفير طاقة نظيفة، كل تلك الممارسات من شأنها أن تساعد في عدم تجاوز درجات حرارة الأرض 1.5 درجة مئوية.
4- بناء القدرات
دعت مؤتمرات الأطراف بشأن التغير المناخي مرارًا وتكرارًا إلى ضرورة الاستثمار في بناء القدرات وتعزيز التكيف في مواجهة التغيرات المناخية التي صارت حقيقة لا بد من مواجهتها قبل أن تتفاقم أكثر فأكثر، ويتمثل ذلك الاستثمار في البنية التحتية، بحيث تصبح قادرة على الصمود في مواجهة تأثيرات التغير المناخي مثل ارتفاع مستوى سطح البحر والظواهر الطقسية المتطرفة مثل الأعاصير والفيضانات والأمطار الغزيرة. بالإضافة إلى بناء القدرات التكنولوجية للبلاد، وتطوير خطط وآليات تساعدها في الحفاظ على مواردها الطبيعية وأنظمتها البيئية، مراقبة الأنواع الحيوانية والنباتية جيدًا؛ لحمايتها من خطر الانقراض.
5- تعزيز التعاون الدولي
وهذا ما دعت إليه مؤتمرات الأطراف بشأن تغير المناخ؛ فأغلب دول العالم غير قادرة على تحقيق الانتقال نحو الطاقة المتجددة والحياة المستدامة؛ بسبب التفاوتات الواضحة في المستويات المادية والتقدم. لكن مع تعزيز التعاون بين دول العالم المختلفة عبر نقل القدرات والتكنولوجيا اللازمة لتطوير خطط العمل المناخي، يصبح الأمر أكثر يسرًا، ونقترب أكثر من هدف عدم تجاوز متوسط درجات الحرارة العالمية 1.5 درجة مئوية عن عصر ما قبل الصناعة.
ما ضرورة عدم تجاوز درجات الحرارة 1.5؟
هناك العديد من المخاطر المرتبطة بارتفاع درجات حرارة الأرض عن 1.5 درجة مئوية، وهذا ما أكدته الهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ في تقريرها، من بين تلك التأثيرات: ارتفاع مستوى سطح البحر، تواتر الظواهر الطقسية المتطرفة بقوة، إلحاق الضرر بالزراعة، انتشار الفقر والمجاعات، ندرة المياه، تراجع جودة الطعام، انتشار الأمراض بين البشر والمحاصيل الزراعية؛ فالحرارة المرتفعة بيئة مثالية لنمو البكتيريا والفيروسات ومسببات الأمراض المختلفة.
يحتاج العالم اليوم اتخاذ إجراءات عاجلة وصارمة بشأن التغيرات المناخية؛ وتحقيق هدف عدم تجاوز 1.5 درجة مئوية بحلول 2030، والوصول إلى صافي الصفر بحلول 2050؛ كي تنعم الأجيال القادمة بالأرض ولا يعانون.