جبهة الخلاص الوطني.. زحف صامت نحو القمة بأفغانستان
حذر تقرير إعلامي من حالة الفوضى التي ضربت أفغانستان، مطالبا العالم بمنع انزلاق هذا البلد نحو "مستقبل كئيب" وإعادة النظر لجبهة الخلاص.
وأكد تقرير مجلة فورين أفيرز الأمريكية أنه لا تزال هناك قوة واحدة على الأقل في أفغانستان تسعى لدحر حركة طالبان ومحاربة الجماعات الإرهابية مثل القاعدة وداعش واستعادة الديمقراطية في البلاد.
وهذه القوة، التي تحدث عنها التقرير، هي جبهة المقاومة الوطنية الأفغانية، المعارضة الأكثر تنظيمًا وتسليحًا في البلاد.
ويقود أحمد مسعود، نجل القائد الراحل أحمد شاه مسعود، الشهير بأسد بنجشير، الذي اغتالته القاعدة عام 2001، هذه المقاومة؛ حيث رفض مغادرة أفغانستان في أغسطس/ آب الماضي مثلما فعل كثير من المسؤولين الآخرين، وقرر البقاء والقتال.
وفي إقليم بنجشير مسقط رأسه، تمكن مسعود من حشد آلاف الجنود من قوات الأمن الوطني الأفغانية الذين اختاروا الانضمام إلى جبهة الخلاص الوطني.
كما حضر مسؤولون بارزون من الحكومة السابقة أيضا إلى بنجشير للانضمام إلى جانب مسعود في مقاومة طالبان.
معارك ضارية
وبحسب تقرير المجلة الأمريكية فإن جبهة الخلاص الوطني خاضت معارك ضارية ضد طالبان حتى منتصف سبتمبر/أيلول من العام الماضي عندما أمر مسعود قواته بالانسحاب إلى الوديان الجانبية في بنجشير وأندراب.
انسحاب كان الهدف منه تبني استراتيجية حرب العصابات، ومنذ ذلك الحين، يعمل الجناح العسكري لجبهة المقاومة الوطنية في شمال أفغانستان بينما يتمركز الجناح السياسي خارج البلاد.
ويرى التقرير أن جبهة الخلاص الوطني تقدم بصيص أمل في عودة الديمقراطية إلى أفغانستان، لكن المجتمع الدولي لم يقدم حتى الآن أي دعم للمجموعة، مطالبا القوى الخارجية بمنح تلك الجبهة فرصة للقتال.
وأشار إلى أن الجمهورية التي أطاحت بها طالبان عام 2021 لم تكن خالية من العيوب، فكانت كل الحكومات التي توالت على حكم أفغانستان خلال العشرين عامًا الماضية شديدة المركزية وتدور في فلك شخصية رئيس يشبه الملك.
وهذه التشكيلة هيأت الأوضاع لانتشار الفساد، وتمكين المقربين والحلفاء السياسيين، وتهميش مصالح غالبية الأفغان، كما تسببت في حالة السخط تجاه الحكومة التي نأت عن شعبها إلى انضمام العديد من الأشخاص من جميع أنحاء البلاد إلى طالبان.
وقال التقرير إن جبهة الخلاص الوطني تؤمن بأن أفغانستان يجب أن تُحكم كجمهورية ديمقراطية لا مركزية، ونظام سياسي يمثل بشكل أفضل جميع المجموعات العرقية ويضمن حقوقًا متساوية لجميع المواطنين بغض النظر عن العرق والدين والجنس.
وفي بلد مثل أفغانستان، حيث لا تشكل مجموعة عرقية واحدة غالبية السكان، يمكن للنظام السياسي اللامركزي فقط أن يوزع السلطة بشكل عادل، ويضمن الاستقرار السياسي والعدالة والوحدة، بحسب المجلة.
ووفقا لـ"فورين أفيرز" فإنه يجب نقل السلطة من العاصمة إلى الولايات والمقاطعات، وانتخاب المسؤولين المحليين والإقليميين من قبل الشعب بدلاً من تعيينهم من قبل الحكومة المركزية بما يسمح بأن يكون الناس أقرب إلى القرارات التي تشكل حياتهم وتحاسب ممثليهم ومسؤوليهم.
ولكن قبل إنشاء أي عملية من هذا القبيل، يجب إحياء الديمقراطية وتنظيم الانتخابات لتمهيد الطريق أمام حكومة أكثر عدالة ومصداقية، وهي الرؤية التي حددتها المجلة الأمريكية.
انتخابات حرة
وتصر جبهة الخلاص الوطني على أن الانتخابات الحرة والنزيهة هي المصدر الوحيد للشرعية السياسية في البلاد، وبدونها لا يمكن لأي مجموعة أن تدعي أنها تمثل شعب أفغانستان.
ولتحقيق هذا الهدف، خاضت جبهة الخلاص الوطني الكفاح المسلح ضد طالبان وشركائها؛ حيث يتكون الجناح العسكري للجبهة من بقايا القوات المسلحة الأفغانية السابقة، الذين تلقوا تدريبهم وتمويلهم من الولايات المتحدة وحلف شمال الأطلسي على مدى العقدين الماضيين، وفقا للمجلة.
ولم تكن هذه القوات مسؤولة عن انهيار جمهورية أفغانستان - تقول المجلة الأمريكية - لكن سحب الولايات المتحدة الموارد اللازمة والمتعاقدين والمستشارين حد من قدرة قوات الأمن الوطني الأفغانية على مقاومة تقدم طالبان بشكل فاعل.
والأهم من ذلك، أن الرئيس الأفغاني السابق أشرف غني ومستشاروه كانوا يفتقرون إلى التدريب والخبرة العسكرية، فقد اتخذوا القرارات بشأن الجيش متجاهلين نصائح المسؤولين الأمنيين.
وأشار التقرير إلى أن جبهة الخلاص الوطني تمكنت من الصمود أمام طالبان، بفضل الاعتماد على مواردها الخاصة من دعم الآلاف من القوات في الشمال خلال فصل الشتاء القاسي في جبال هندو كوش، وهو إنجاز شاق تطلب إنشاء خطوط إمداد لوجستية لتزويد الجنود بالمأوى والملبس والاتصالات والأسلحة والذخيرة.
أما الأمر الجيد الآخر - وفقا للمجلة أيضا- فهو أن الجبهة لم تنجح في الحفاظ على قواتها فحسب، بل وسعت عملياتها في مارس/ آذار الماضي من مقاطعتين إلى 12 مقاطعة.
واليوم، تقاتل جبهة الخلاص الوطني بنشاط في ست مقاطعات ضد طالبان، وتمكنت من بناء قواعد دائمة في مناطق بجميع أنحاء شمال أفغانستان، وشنت بنجاح هجمات ضد مواقع الحركة في مقاطعة ننكرهار شرقي البلاد.
وأشار التقرير إلى أن طالبان شنت هجوما مضادا ضد مواقع الجبهة، لكنهم عانوا من خسائر فادحة. وعاد العديد من كبار المسؤولين الذين قادوا الهجوم، بمن فيهم الملا محمد يعقوب، إلى كابول وقندهار بعد فشل هجومهم.
وتمكنت جبهة الخلاص في بنجشير هذا الأسبوع من قتل العشرات من مقاتلي طالبان وأسر العشرات. ويبدو واضحا أن حركة طالبان محبطة وغير قادرة على هزيمة جبهة الخلاص الوطني في شمال أفغانستان، بحسب "فورين أفيرز".
ويختتم التقرير بالتأكيد على أن هذه التطورات لا شك واعدة، لكنها لا تمثل سوى نجاح هش، ولكي تترجم جبهة الخلاص الوطني إنجازاتها إلى انتصارات ذات مغزى أكبر - لتتحول من شن حرب غير تقليدية إلى شن حرب تقليدية تحرر مقاطعات بأكملها - ستحتاج إلى دعم المجتمع الدولي.
aXA6IDE4LjIxNy4xMTYuMjQ1IA== جزيرة ام اند امز