"دبلوماسية الواتساب" تغير وجه الشرق الأوسط.. أداة لا تخلو من المخاطر
ما إن اجتاح فيروس كورونا العالم وفرض قيودا على التنقل بين البلدان، حتى بدأت الحكومات مثل جميع الشركات الأخرى محاولة التكيف على الوضع الجديد.
ذلك الوضع الجديد أضفى طابعا رسميا على المفاوضات والمشاورات بين القادة عبر وسائل التواصل الاجتماعي، والتي كان في القلب منها تطبيق "واتساب". تزامن ذلك مع تحول جيوسياسي كبير عززته الجهود الدبلوماسية التي أدت إلى توقيع اتفاقات إبراهيم بين إسرائيل وثلاث دول عربية.
وعلى مدى السنوات القليلة الماضية، أصبح "واتساب" أداة بناء الجسور العابرة للحدود التي يستخدمها أكثر من ملياري مستخدم على مستوى العالم، بحسب معهد "ذا أتلانتك كاونسل" (المجلس الأطلسي) الأمريكي، الذي قال إن التطبيق بات -كذلك- أداة ناجحة ورائدة لرجال الدولة، تمكنوا عبرها من توجيه السياسات لتغيير مسار بناء السلام الإقليمي والمفاوضات في المنطقة.
دبلوماسية واتساب
ويقول المجلس الأطلسي إن "دبلوماسية واتساب" أصبحت أداة الأمر الواقع لتسهيل الممارسات الدبلوماسية التقليدية القائمة على الاتصالات، مشيرًا إلى أنها الآن تحدد المشاركة داخل الدول وبين المسؤولين الحكوميين في جميع أنحاء العالم، لا سيما في الشرق الأوسط.
وأشار إلى أن القيود التي فرضتها جائحة كورونا أدت إلى تسريع استخدامه في تسهيل المشاركات متعددة الأطراف والثنائية، مما جعل "واتساب" بالإضافة إلى نظرائه في تطبيق المراسلة "سيغنال" و"تليغرام" الآن مركزًا لأشكال التواصل الشخصية التي تؤثر على كيفية انخراط قادة العالم وحكوماتهم مع بعضهم البعض.
وبحسب المجلس الأطلسي، فإن الدبلوماسيين يشعرون في القنوات المشفرة في "واتساب"، بحرية أكبر في تشكيل مجموعات والمشاركة فيها، مشيرا إلى أنهم ينسقون الاجتماعات، ويضعون الاستراتيجيات مع الزملاء، وينشئون تحالفات غير رسمية، والضغط من أجل مواقف بلدهم، وتنسيق القرارات السياسية.
وأكد المعهد الأمريكي أن تطوير العلاقات الشخصية بين المسؤولين عبر "واتساب" يتيح حرية التصرف في المفاوضات، مما يوفر بديلاً فوريًا لممارسات المدرسة القديمة، مثل ترك الغرفة "للدردشة في الخارج" في معظم الأوقات عندما لا يكون المسؤولون الأجانب معًا.
وفي عام 2023، أقر مكتب الشؤون الخارجية والكومنولث والتنمية (FCDO) باستخدام الدبلوماسيين البريطانيين "واتساب"، بما في ذلك وزير الخارجية السابق دومينيك راب، لإجراء أعمال رسمية بدلاً من منصات الاتصالات الحكومية المشفرة.
وفي ظل إدارة بوريس جونسون 2019-2022، حلت مبادلات "واتساب" بشكل متزايد محل سلاسل البريد الإلكتروني والاجتماعات الرسمية، مع تركيز الكثير من عمليات اتخاذ القرار في "وايت هول" على التطبيق.
"واتساب" يغير وجه الشرق الأوسط
في أماكن مثل الشرق الأوسط، حيث يعد "واتساب" إحدى المنصات الأكثر استخداما للاتصالات اليومية، بات هناك اعتماد قوي ومتزايد على تطبيق المراسلة في التواصل مع قادة الحكومات الأجنبية.
وقال المجلس الأطلسي إن "واتساب" يلعب دورًا مهمًا في الخليج، في بناء العلاقات المهنية مع الحكومات الأخرى، حيث يقدر المجتمع والقادة العلاقات العميقة والشخصية القائمة على الثقة الراسخة.
وأشار إلى أنه ربما يكون الأفضل والأبرز في إدارة دونالد ترامب، مؤكدًا أن الرئيس السابق دونالد ترامب ومستشار البيت الأبيض جاريد كوشنر استثمرا وقتًا وجهدًا كبيرين في إقامة علاقات قوية مع قادة الخليج عبر تطبيقات المراسلة الفورية، مما أدى إلى نجاحات "مهمة" في السياسة الخارجية، بما في ذلك، على وجه الخصوص، اتفاقيات إبراهيم 2020.
في الآونة الأخيرة، كان لتطبيق "واتساب" أهمية في الترتيب لعقد قمة النقب في إسرائيل، في مارس/آذار 2022 -والتي كانت أول قمة عربية إسرائيلية متعددة الأطراف لوزراء الخارجية- تجتمع في غضون أيام بمبادرة من وزير الخارجية الإسرائيلي آنذاك يائير لابيد.
مخاطر جديدة
ورغم ذلك، إلا أن المجلس الأطلسي قال إن استخدام "واتساب" أو منصات مماثلة للأغراض الدبلوماسية لا يخلو من القلق، مشيرًا إلى أن هناك أسئلة حول مدى كفاية قدراتها الأمنية فيما يتعلق بالمناقشات الحساسة بين المسؤولين الحكوميين وافتقارها إلى التكامل الرسمي في العمليات الدبلوماسية.
وبحسب المجلس الأطلسي، فإن "واتساب" يواصل جمع المعلومات، بما في ذلك معلومات الجهاز وعناوين "الآي بي" وأسماء الملفات الشخصية والصور ومعلومات الاستخدام، والتي يشاركها مع الشركات الأخرى المملوكة لشركة "ميتا"، بما في ذلك "فيسبوك"، وهو موقع للتواصل الاجتماعي يشتهر بفضائح الخصوصية والبيانات.
وأكد أن الاعتماد الآمن على الدبلوماسية الرقمية يتطلب خطوات لمعالجة المعايير القانونية لاستخدام منصات الاتصالات غير الحكومية ووضع مبادئ توجيهية واضحة للاستخدام الخاضع للعقوبات.
واتخذت دول مثل المملكة المتحدة بالفعل خطوات لتحديد الإرشادات الرسمية بشأن استخدام "واتساب" في الأعمال الحكومية، بحسب المجلس الأطلسي، الذي قال إنه يجب دمج تطبيقات المراسلة بشكل أكثر وضوحًا وفعالية في العمليات البيروقراطية الحالية لضمان المتابعة القوية والتنفيذ عبر جميع مستويات الحكومة.
ويقول المجلس الأطلسي، إن "دبلوماسية واتساب" تقدم نموذجًا جديدًا لملء فجوات القطاع العام وتجاوز الروتين، مشيرة إلى أن الأوقات العصيبة مثل التي نمر بها اليوم تحتاج الحكومات فيها إلى مزيد من المرونة والتعاون والإبداع.
واختتم المجلس الأطلسي تقريره، بقوله، إن ثورة "واتساب" وظهور أدوات الذكاء الاصطناعي هي بلا شك نماذج يمكن تكييفها وتشكيلها وفقا لاحتياجاتنا الخاصة.