"سلام على إبراهيم".. رواية تكشف عن أسرار "الباشا"
ربما لم تحظ فترة في تاريخ مصر الحديث باهتمام أدبي وفني مثلما حظي به عهد الملك فاروق، لثراء أحداثها، أو لقربها الزمني من وعي الأدباء اللاحقين عليها.
ورغم مرور 10 سنوات اختار محمد عفيفي أستاذ التاريخ الحديث والمعاصر بكلية الآداب في جامعة القاهرة تلك الفترة كي تكون محور روايته الجديدة (سلام على إبراهيم).
يخال الناظر إلى الرواية على أرفف مكتبة دار الشروق المصرية، الناشرة للعمل، أنه أمام كتاب تاريخ، إذ يرى صورة لتمثال إبراهيم باشا، لا يخطئها من مر ذات يوم في ميدان الأوبرا بالقاهرة ومن خلفه علم مصر خلال عهد محمد علي على غلاف الكتاب، إلى أن تقع عيناه على كلمة رواية مطبوعة بخط صغير أسفل العنوان.
وما أن يقلب القارئ الغلاف، ويبدأ في قراءة أولى صفحات الرواية حتى تزداد حيرته بشأن ماهية ما يسرده الكاتب، هل هي حقائق تاريخية أم محض خيال لإسباغ صفة الرواية على عمله، فالكاتب تحدث عن شخصيات حقيقية بأسمائها وصفاتها، على رأسها فاروق وجديْه محمد علي وإبراهيم باشا ورئيس الديوان الملكي آنذاك أحمد حسنين باشا والشاعر أحمد رامي والفنان يوسف وهبي وغيرهم.
وعلاوة على الأشخاص الحقيقيين، يقدم عفيفي تفاصيل تزيد من حيرة القارئ فمثلا يقول "حسنين باشا في القصر كأنه الكاهن في خدمة الفرعون. يدخل عليه أحد سكرتارية الديوان ليعرض عليه ملفا كتب عليه عاجل ومهم. أخيرا وصل المطلوب لقد تمت الاستعانة بأحد الكتاب الإنجليز لكتابة سيناريو الفيلمين.. يسارع حسنين بعرض الملف كاملا على فاروق، لكن فاروق يمل سريعا من القراءة: جميل ولكن ماذا بعد يا باشا؟".
تدور أحداث الرواية خلال السنوات الثلاثة التالية للحرب العالمية الثانية في الفترة من عام 1946 حتى 1948. واختار الكاتب أجواء الاحتفال بمئوية رحيل إبراهيم باشا، وما قال إنها رغبة القصر في صناعة فيلم سينمائي لإعادة تحسين صورة الملكية، كي يرصد بعضا مما كان يدور في القصر وعلاقة السلطة بالفن، وإشكالية كتابة التاريخ.
يتنقل الكاتب بين زمنين مختلفين أولهما هو فترة حكم فاروق، والثاني عهد جده الأكبر محمد علي وابنه إبراهيم.
في عهد فاروق عرج على العلاقة بين القصر والحكومات المتعاقبة، لكنه صب تركيزه على صلته بالمحيطين به لا سيما حسنين باشا والمستشار الصحفي للديوان الملكي حينئذ كريم ثابت، وأفرد مساحة أكبر لعلاقاته النسائية سواء بزوجته الملكة فريدة أو غيرها، وتحدث تفصيلا عن علاقته بالممثلة كاميليا، بما أن الرواية تنصب على صناعة فيلم سينمائي.
وخلال ولاية محمد علي، تحدث عفيفي عن علاقة الأب وابنه إبراهيم وقال إنها كانت معقدة وملتبسة، واستدعى طرحا يرى أن الأب كان يغار من ألق ولده وصعود نجمه ويتوجس خيفة من أن يزيحه عن ملكه، في حين يعتقد الابن أن أباه كان يدبر لاغتياله. وتحدث أيضا عن موقفيهما إزاء العرب والعثمانيين واللغتين العربية والتركية.
وبشأن الحدث الذي تدور حوله رواية (سلام على إبراهيم) وهو صناعة الفيلم، يطرح الكاتب إشكالية التأريخ، وهل التاريخ حقا حمّال أوجه تخضع أحيانا للأهواء والأهداف، أم حقائق ثابتة لا ريب فيها.
وهنا يسهب في طرح 3 وجهات نظر للمشاركين في صناعة الفيلم، إحداهن للمؤرخ المصري الشهير شفيق بك غربال الذي كان يسعى للموازنة بين ضميره كمؤرخ وطبائع السينما وكونه رجل دولة قادرا على إرضاء الجميع.
ويقول عفيفي "لم يرجف لغربال جفن، لقد عقد عزمه على الأخذ برواية الابن البار والأب الحنون. اقتنع تماما أنه لا يزور التاريخ، التاريخ روايات، بل قل سيناريوهات متعددة، كل ما فعله أنه مال إلى إحداها، وما عمل المؤرخ إلا ترجيح رواية على أخرى".
وجهة النظر الثانية للشاعر وقارئ التاريخ الجيد أحمد رامي، فقد اعتذر عن استكمال كتابة السيناريو والحوار للفيلم؛ لأن "ضميره الأدبي والفني لا يسمح له بتزوير التاريخ"، وراح يكتب سيناريو لنفسه أو لضميره.
أما الثالثة فتبناها يوسف وهبي الذي عقد العزم على استكمال السيناريو، ويقول الفنان المصري موجها الحديث إلى غربال بك، في أحداث الرواية: "جنابك أستاذ عظيم في التاريخ، لكنك لا تدري مفاتيح السينما، وحيل المخرج لجذب المشاهد، نعم هذا فيلم تاريخي، لكنه ليس كتاب تاريخ، اعذرني يا بك، كتب التاريخ ‘ثقيلة شوية على قلبي’ لكن السينما كلها ‘حركات’ إبهار يا بك، إبهار".
تقع الرواية في 124 صفحة، وهي ثاني أعمال محمد عفيفي الروائية بعد (يعقوب) التي صدرت عن دار الشروق أيضا عام 2020. وسبق أن صدرت له كتب تاريخية منها (عرب وعثمانيون) و(تاريخ آخر لمصر) و(شبرا).