يمكننا وصف هذه الاستقالة بـ"الإقالة"، على اعتبار أنها تلت انتقاداتٍ حادّة لأرينتش من كبار أعضاء حزب "العدالة والتنمية" الحاكم .
في خطوةٍ تبعها الكثير من الجدل، وافق الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، الثلاثاء الماضي، بشكل مباشر وسريع على استقالة كبير مستشاريه بولنت أرينتش إثر خلافاتٍ نشبت بينهما على خلفية مطالبة الأخير بإطلاق سراح معارضٍ كردي بارز يقبع خلف القضبان منذ أكثر من 4 سنوات، ورجل أعمالٍ وناشط حقوقي معروف تحتجزه السلطات منذ أكثر من ثلاثة أعوام أيضاً.
في الحقيقة، يمكننا وصف هذه الاستقالة بـ"الإقالة"، على اعتبار أنها تلت انتقاداتٍ حادّة لأرينتش من كبار أعضاء حزب "العدالة والتنمية" الحاكم وحليفه حزب "الحركة القومية"، اليميني المتطرّف، عقب مطالبته بالإفراج عن صلاح الدين دميرتاش، الرئيس المشارك الأسبق لحزب "الشعوب الديمقراطي" المؤيد للأكراد، وعثمان كافالا، الناشط الحقوقي المعروف. وهذا يعني أن أردوغان لا ينوي أبداً اتخاذ أي خطواتٍ من شأنها إزعاج جمهوره والتأثير على شعبيته في البلاد من خلال الرضوخ لقرارات مستشاره والإفراج عن كلا المعارضين، وبالتالي فالرئيس التركي مستعد للتضحية بكلّ المقرّبين منه إرضاءً لقاعدته الشعبية قبل الانتخابات المقبلة.
ومع أن دعوة أرينتش للسلطات بإطلاق سراح دميرتاش وكافالا تلت وعودا من أردوغان منتصف شهر نوفمبر/تشرين الثاني الجاري، بجعل إصلاح القضاء أولوية في المرحلة المقبلة، لكن يبدو أن هذا الأمر لن يحصل، لا سيما وأن استقالة كبير مستشاري الرئيس التركي جاءت إثر ضغوطاتٍ كبيرة من الحزب الحاكم وحليفه، لرفضهما إطلاق سراح كلا المعارضين.
وبالتالي مغادرة أرينتش لمنصبه قسراً، كما ألمح في بيان استقالته على حسابه الرسمي في موقع "تويتر"، تظهر بوضوح أن أردوغان لن يقبل بأي حلولٍ جذرية من شأنها حلّ المشاكل العالقة في البلاد سواء تلك المتعلقة بالمعارضة أو الأزمة الاقتصادية الراهنة التي تعيشها تركيا، وهذا التغيير كان من مطالب كبير مستشاريه، وإقالته قبل أيام تؤكد دون أدنى شك حرص أردوغان على التهرّب من وعوده بإصلاح القضاء.
وبالطبع، ستكون لمثل هذه الاستقالة تأثيرات جانبية، أولها على الليرة التركية التي عاودت الانهيار مجدداً، حيث تجاوزت عتبة ثماني ليرات أمام الدولار الأمريكي، لا سيما وأن أرينتش كان من أوائل المحذّرين لأزمة الليرة الحالية وهو من كان قد طالب بإقالة صهر أردوغان ووزير المالية بيراءت ألبيرق، وبتعيين محافظٍ جديد للبنك المركزي.
إن التعديلات التي أجراها أردوغان خلال الشهر الجاري، في مناصب وزارية وأخرى في المجلس الاستشاري الأعلى للرئاسة التركية، ستكون لها الكثير من العواقب، خاصة مغادرة أرينتش لمنصبه كونه يتمتع بخبرةٍ كبيرة، فقد كان نائب رئيس الوزراء في السابق، وكذلك رئيساً للبرلمان وأحد مؤسسي حزب أردوغان الحاكم، وغيابه سوف يترك خللاً في إدارة الأزمة المالية التي تعيشها البلاد.
وفي المحصلة عدم بقاء أشخاصٍ مهمّين مع أردوغان، مثل أرينتش الذي كان يحاول التغلب على أزمة الليرة التركية مقابل العملات الأجنبية، يعني بطريقةٍ أو بأخرى خسارة للحزب الحاكم لاسيما وأنه ينوي مغادرته في وقتٍ قريب. لذلك ستزيد أزمات الحزب الحاكم في الفترة المقبلة ومعها مشاكل تركيا بطبيعة الحال، وهذا كله يؤكد أن الحلّ لا يزال بعيداً ويرتبط إلى حدٍ كبير بإمكانية إجراء انتخاباتٍ رئاسية مبكرة وخروج "العدالة والتنمية" من المشهد الحالي بشكل كامل.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة