نشاهد تقارير عن القتال حول مدينة الموصل كما لو أن هذه الأحداث لا تعنينا، فيما تركز نشرات الأخبار على ميليشيات الحشد الشعبي المدعومة من إيران
نشاهد تقارير عن القتال حول مدينة الموصل كما لو أن هذه الأحداث لا تعنينا، فيما تركز نشرات الأخبار على ميليشيات الحشد الشعبي المدعومة من إيران، والبيشمركة، والقوات الخاصة الأمريكية وسط تكهنات حول ما إذا كانت تركيا قد تتدخل.
يحدث كل هذا في وقت لا أحد يعلم أو يهتم بالموقف العربي إزاء تلك الأحداث، لأسباب ليس أقلها عدم وجود موقف عربي جاد بشأن التطورات في معظم قضايا المنطقة، ومن بينها العراق.
في العام 2003 كان العالم العربي ككل يعارض محقًا الصراع في العراق، وبعد ذلك فضل النأي بنفسه عن المستنقع الطائفي الذي بدأ يمزق أوصال هذا البلد العظيم والبوابة الشرقية للوطن العربي، لكن فجأة صحونا جميعًا متأخرين على واقع جديد.
بحلول ذلك الوقت كانت الجهات الفاعلة الأخرى قد دخلت بالفعل وتموضعت هناك، وأغلقت الأبواب في وجوهنا، لدرجة أنه لا نكاد نشعر اليوم أن بغداد، عاصمة الخليفة العباسي الخامس هارون الرشيد، هي جزء من العالم العربي.
وكان أحد علامات هذا الوضع المهين الذي وصلنا إليه هو الحملة الشرسة ضد السفير السعودي في العراق ثامر السهبان عندما عبر بجرأة عن قلقه إزاء تجاوزات الميليشيات التي ترعاها إيران في معركة الموصل، ووصل الأمر إلى مطالبته من قبل وزارة الخارجية العراقية بمغادرة البلاد، وهو ما حصل بالفعل، ولا ننسى أن السهبان كان قد كشف عن مؤامرة إيرانية لاغتياله يخطط لها شخص بارز في الحشد الشعبي هو أوس الخفاجي الذي قال إن اغتيال السهبان هو شرف للجميع.
إنه أمر محزن أن نسمع مثل هذه الدعوات تأتي من داخل العراق الشقيق، وليس ضد أي سفير، بل سفير المملكة العربية السعودية، لمجرد أنه تجرأ على التحدث عن حقوق سكان الموصل.
في خضم هذه الحملات من التحريض يمكننا أن نرى لماذا كان من الصعب جدًا بالنسبة للعالم العربي اتخاذ موقف في الموصل والعراق، فالمملكة العربية السعودية وحلفاؤها في قلب التحالف ضد داعش على عدد من الجبهات، ولذلك فمن الصحيح أيضا أنه يجب علينا أن نكون في مركز صنع القرار في معركة طرد التطرف الديني بكل أشكاله من العراق.
لكن هناك قضية أكبر من داعش على المحك هنا، قضية تبدو داعش بالنسبة لها مجرد بعوضة على يدينا يكفي أن نحرك يدينا كي تهرب بعيدًا.
السؤال الحقيقي هو ما إذا كان العراق يستطيع البقاء على قيد الحياة كدولة موحدة بعد كل هذه الصدمات والصدامات، وفي اليوم التالي لجلاء الغبار عن الموصل ستبدأ المواجهة الحقيقية لفرض السيطرة على هذه المدينة ومنها إلى مختلف مناطق شمال العراق.
عزز الأكراد الحكم الذاتي في مناطقهم شمالي العراق خلال السنوات الأخيرة، وفي الحقيقة يجب القول إن لعب قوات البيشمركة دورًا في تحرير هذه المناطق منحها حجة قوية لتعزيز السيادة الكردية هناك.
وكان الرئيس أردوغان أدلى بتصريحات حازمة بشكل متزايد حول النفوذ التركي في العراق، ملمحًا إلى أنه قد يكون «مضطرًا» للعب دور في تحرير الموصل.
لقد عاشت الأغلبية العربية السنية في الموصل تحت القمع الوحشي لداعش بعد أن كانت تحملت كثيرًا من حكومة فاسدة وغير كفؤة في بغداد أثبتت أنها غير قادرة وغير راغبة في حماية شمالي العراق في العام 2014، عندما انهار جيشها أمام بضعة مئات من مقاتلي داعش اجتاحوا ثلث مساحة العراق في أيام وغنموا عتاد حربي يكفي لتسليح جيش كامل!.
من الأكثر حقًا وكفاءة في الدفاع عن قضية العرب السنة من دول مجلس التعاون الخليجي والدول العربية؟ ومع ذلك لم يصدر عن هذه الدول حتى الآن أية ردة فعل يعتد بها، وبدلاً من ذلك، نرى الحشد الشعبي قد أخذ دورًا قياديًا إلى الغرب من مدينة الموصل، ونشاهد أشرطة الفيديو وتقارير ميدانية تعرض ذات الفظائع الجماعية التي رأيناها ترتكب على يدي هذا الحشد في الفلوجة وغيرها، عندما وقع المدنيون الفارون السنة ضحايا لجرائم التعذيب والحرق والإبادة.
إذا كانت هناك رغبة جادة لعراق موحد وديمقراطي، يجب أن تحظى مكونات الشعب جمعيها بقدر متساوٍ من الثروة والسلطة والمساهمة في نظام الحكم، ومن الخطورة بمكان إقصاء السنة وإجبارهم على الفرار إلى أحضان الانفصالية والحركات الراديكالية عندما يرون أنفسهم غير ممثلين في نظام سياسي محكوم بقوى خارجية.
يمكننا البكاء على مأساة أهل الموصل، ولكن نحن كعرب يجب أن نفعل أكثر من ذلك بكثير، يجب أن تعود مدن بغداد والموصل وحتى النجف والبصرى وكربلاء إلى أحضان العرب، وذلك حتى نتمكن جميعا من لعب دور في المساعدة على تأمين مستقبل عراق قوي وموحد ومزدهر.
منذ تأسست بغداد من قبل الخليفة العباسي المنصور، كان العراق دائمًا حجر الزاوية في العالم العربي، ولهذا السبب تحديدا تريد قوى الشر الخارجية أن ترى العراق ضعيفا منقسما على نفسه وتحت سيطرتهم.
نسمع الكتّاب والمثقفين العرب يتحدثون عن «كيف خسرنا العراق»، أنا أقول إننا لم نخسر العراق. العراق لا يزال الأمة العربية التي كانت دائمًا، حتى عندما يحكمها أولئك الذين يريدون تزوير وتشويه هذا الواقع، لذلك لا يجب أن يكون السؤال اليوم هو «ماذا لو استعاد العراق مكانه الصحيح داخل الأمة العربية» وإنما «متى يستعيد العراق تلك المكانة».
نقلا عن / الأيام
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة