يوم الأربعاء الماضي مرت الذكرى 99 على أشأم حدث عرفته المنطقة العربية ألا وهو وعد بلفور. في العام المقبل سيكون مر مئة عام على الوعد
يوم الأربعاء الماضي مرت الذكرى 99 على أشأم حدث عرفته المنطقة العربية ألا وهو وعد بلفور. في العام المقبل سيكون مر مئة عام على الوعد الذي كان نذير شؤم على القضية الفلسطينية.
لم يكن وعد بلفور ليصدر لولا خريطة النفوذ التي تقاسمتها بريطانيا وفرنسا في سايكس - بيكو عام 1916. خلال أقل من سنتين كان مستقبل المنطقة العربية المشرقية يرتسم بعيداً عن إرادة سكانها وأهلها الأصليين.
رسم الحدود يبدأ من تفتيت المنطقة وتفريق إرادتها. ولذا فإن اتفاقية سايكس- بيكو ووعد بلفور كانا، بالتعبير اللبناني الرائج هذه الأيام، سلة متكاملة. بمعنى أن تقسيم المنطقة شرط حتمي لتمرير تصفية هوية فلسطين وإقامة الكيان «الإسرائيلي».
لم يقصّر العرب في مقاومة هذه المخططات لكن المؤامرة كانت أكبر منهم.فهم كانوا خارجين من سيطرة عثمانية قاسية ولم يأخذوا فترة راحة إذ وقعوا تحت استعمار فرنسي وإنجليزي.
قاوم الفلسطينيون بقدر ما أسعفتهم الظروف لكن في النهاية ولدت «إسرائيل». وما بين النشأة القيصرية واليوم حوالي ثلثي قرن.
بعد مئة عام على سايكس- بيكو و99 عاماً على وعد بلفور، تواجه المنطقة العربية سيناريو لا يقل خطورة عن سيناريوهات بداية القرن العشرين.
ويبدو هذا أكثر وضوحا في ما يجري اليوم على الساحتين السورية والعراقية ناهيك عن اليمن وليبيا.
لكن لا شك أن قوى العالم اجتمعت في سوريا والعراق أكثر من غيرهما. لقد جاءت الدول الكبرى بنفسها مع الطائرات والجنود والخبراء والقذائف بل حملت معها مسلحيها الغرباء الذين تستخدمهم في الحروب على الأرض.
كانت حروباً بالوكالة بداية. فالأمريكيون لم يكونوا يريدون أن يتورطوا بحروب جديدة بعدما انسحبوا من العراق.والروس اكتفوا بعناصر جوية وإدارة عمليات.
أما الأتراك الذي دعموا تنظيمات محلية وعناصر أجنبية فلم يتمالكوا الضغوط والصبر فنزلوا بأنفسهم إلى الساحة منذ آب/أغسطس الماضي. أولاً في سوريا وثانيا في منطقة بعشيقة العراقية مع التهديد بدخول العراق برا وجوا بدباباتهم وجنودهم وطائراتهم.
ما يثير الهواجس والمخاوف أن يتحول التطلع التركي لمواجهة الحركة الكردية في سوريا والعراق إلى ذريعة لتحويل التدخل العسكري إلى مشروع لاستعادة أطماع تاريخية كانت سقطت في الحرب العالمية الأولى.
اليوم يكثر الكلام على اتفاقيات ثنائية تسمى «كيري- لافروف» على غرار «سايكس- بيكو». ولا أحد يعرف ما إذا كان ضمن هذه المشاريع اليوم شيء يشبه وعد بلفور.
إذا كان البعض يؤشر إلى الحالة الكردية فهذا غير صحيح. فلو أن الأكراد حققوا دولة مستقلة سواء في العراق أو سوريا أو تركيا فهذا يبقى ضمن إطار الشعوب الأصلية للمنطقة وعلى مناطق لم يحتلوها بل هم موجودون فيها،بينما اليهود لم يكونوا هنا وجاؤوا من أربع رياح الأرض.
مع ذلك فإن مجرد ضرب الدولة المركزية في سوريا والعراق وليبيا واليمن نذير خطر على وحدة هذه الدول. ومن هذه الزاوية فإن أحداً من الدول الاستعمارية الكبرى أو الإقليمية الكبيرة ليست حريصة على وحدة أراضي دولة ترى أنه يمكن أن يكون لها حصة منها على طاولة المفاوضات.
لذلك فإن العين يجب أن تبقى مفتوحة،رغم كل مصاعبنا وضعفنا، على التمييز بين الحركات الهادفة لدفع أخطار وطنية مشروعة عن بعض الدول وبين تلك التي تضع نصب أعينها إرثاً تاريخياً بكامله تريد أو تلوّح باستعادته. ولا شك أن تركيا تقع في رأس هذه الدول المثقلة بحمولات تاريخية لا يخفيها قادتها بل يجهرون بها مثل إعادة النظر بمعاهدة لوزان عام 1923 أو العودة إلى حدود الميثاق المللي عام 1920 والذي كان يضم شمال سوريا وشمال العراق.
ورغم مرور ست سنوات على حرب سوريا وأكثر من سنتين ونصف على بدء الأزمة في العراق بعد دخول «داعش» إليه فإنه في الذكرى 99 لوعد بلفور لا نزال في قلب الحريق الذي نأمل أن تكوي ناره خلافاتنا وضعفنا لنعود من جديد أكثر وعياً وإداركاً ولنكون قوة مؤثرة على ساحة التاريخ البشري.
نقلا عن / الخليج
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة