تقوم النظم السياسية وتعمل على قاعدة الاستقرار السياسي؛ فالاستقرار هو أساس التنمية والنمو
تقوم النظم السياسية وتعمل على قاعدة الاستقرار السياسي؛ فالاستقرار هو أساس التنمية والنمو، وهو يعكس كذلك مقدار الرضا عن النظام السياسي، ولقد أفاض علماء السياسة فى شرح أسس وقواعد الاستقرار السياسي؛ حيث هناك قواعد عديدة تمثل أسسًا ثابتة لإقامة الاستقرار السياسي، ولكننا نكتفى هنا بتحديد أهم عشر قواعد بدونها لا يمكن الحديث عن الاستقرار السياسي؛ فمن ناحية، يعد بناء النظم السياسية أو ما يسميه البعض المؤسسية أو المأسسة بمعنى التحول من الشخصنة إلى المؤسسات الثابتة والفاعلة القاعدة الأولى للاستقرار السياسي، وكم من حضارات وإمبراطوريات ودول أُزيحت من على الخريطة السياسية للعالم نظرًا لفشلها فى التحول من الشخصنة إلى المؤسسية.
وتعنى المؤسسية إقامة المؤسسات المعروفة فى النظام السياسى كالمؤسسات التشريعية والتنفيذية والقضائية بالإضافة إلى المؤسسة العسكرية ومؤسسة الأمن العام، وفيما يتعلق بالسلطات الرئيسية الثلاث التشريعية والتنفيذية والقضائية؛ فإنه من الضرورى تحقيق توازن حساس بينها وعدم طغيان إحداها على الأخرى أو التحيز بإعطاء حصانات وامتيازات لإحداها على حساب الأخرى؛ ففى النظم الرئاسية، تتسم العلاقة بين هذه السلطات بالتوازن، وإلى حد كبير الاستقلال، كما لا يتمتع أعضاء السلطة القضائية بأى حصانات أو امتيازات خارج إطار ساعات العمل الرسمية لهم حفاظًا على مساواتهم بأعضاء السلطتين الأخريين، بينما يوجد تداخل بين السلطات فى النظام البرلماني، وهو تداخل لا يقلل من دور المؤسسات فى صنع السياسات العامة، وفى النظام المختلط/ شبه الرئاسي، مثل؛ النظام المصري، تلعب المؤسسية دورًا هامًا فى بناء قواعد المساءلة السياسية بناءً على الأداء الفعلى للمؤسسات.
أما القاعدة الثانية؛ فتتمثل فى وجود طبقة متوسطة فاعلة فى النظام السياسي، ولقد أفاض أرسطو، فى كتابه القوانين، حول أهمية ودور ووزن الطبقة المتوسطة فى صيانة الاستقرار السياسي؛ فالطبقة المتوسطة واسعة بصورة أكبر من غيرها، ولها مصلحة فى استمرار وديمومة النظام السياسي، كما ترتبط مصالحها كذلك بمستقبله، ومن ثم؛ فهى تساعد فى بنائه وحمايته والحفاظ عليه، ولا شك أن الاستقرار الملحوظ فى الدول المتقدمة يعود فى جزء كبير منه إلى اتساع وانتشار هذه الطبقة بما تضمه من مهنيين وخبراء وفنيين ومبدعين ومخترعين،كما أن مظاهر عدم الاستقرار فى الدول الأخرى يمكن إرجاعها إلى تآكل حجم الطبقة المتوسطة كما حدث فى مصر فى السنوات العشر الأخيرة من حكم مبارك.
وتتمثل القاعدة الثالثة فى حتمية مكافحة الفساد، سواء كان ماليًا أو سياسيًا، ولقد شددت المادة 218 من دستور 2014 على التزام الدولة بمكافحة الفساد، وهناك فارق كبير بين الفساد وتوزيع الغنائم السياسية؛ ففى بعض النظم السياسية ليست هناك غضاضة من أن يقوم الرئيس المنتخب بتوزيع بعض المناصب على المناصرين له فى الحملة الانتخابية، إلا أن ذلك يتم علنًا وبشفافية شديدة ويستهدف تطبيق البرنامج الانتخابى للحزب أو الرئيس بطريق مؤسسات الدولة المختلفة، وذلك بتعيين الأنصار فى تلك الوظائف، أما الفساد؛ فهو يعني-فى أبسط معانيه- تحويل المنافع العامة إلى مصالح شخصية؛ ففى دراسة مهمة عن الفساد السياسى فى برلمانات العالم، تبين أن عددًا كبيرًا من أعضاء البرلمانات فى الدول النامية، عكس الدول المتقدمة، يدخلون إلى البرلمان وهم فقراء أو ينتمون إلى الطبقة المتوسطة ثم يتحولون بطريق الفساد المالى وفور خروجهم من البرلمان إلى أغنياء، وهكذا، يمكن أن تتحول السلطة إلى مصدر للثراء.
ولعل أخطر مظاهر الفساد -أيضًا- هو التزاوج بين السلطة والثراء بما يؤدى إلى انحياز المؤسسات السياسية إلى أصحاب المال، إن انتشار الفساد يؤدى إلى خلل جسيم فى النظام السياسى ووظائفه وإلى تنامى عدم الثقة لدى المواطنين فى كفاءته وحياده، مما يؤدى فى المدى الطويل إلى عدم استقراره، ومن ثم؛ فإنه من الضروري، ليس فقط تقوية الأجهزة الرقابية لمكافحة الفساد، وإنما الإسراع فى إنشاء المفوضية الوطنية لمكافحة الفساد، حتى يمكن تحسين ترتيبنا الدولى فى قائمة مكافحة الفساد الدولية؛ فقد حدث تقدم فى ترتيبنا من 94 عام 2014 إلى 88 عام 2015، إلا أن ذلك لا يعد كافيًا بالنسبة لنا، وقد يكون من المناسب أن تتم المبادرة بحملة شعبية لمكافحة الفساد تعضد دور المفوضية الوطنية لمكافحة الفساد.
ويشكل الإعلام بمختلف أنواعه، المرئى والمسموع والمقروء، القاعدة الرابعة للاستقرار السياسي، وتتباين علاقة الإعلام بالنظم السياسية ما بين إعلام دولة؛ حيث لا يُسمح لغيره بالاتصال بالجماهير، وقد ساد هذا النوع فى النظم الشمولية والنظم السلطوية، وفى هذه الحالة، لم يكن هناك إلا صوت واحد يعبر عن الدولة وقائدها، وقد أدى هذا النوع من الإعلام إلى فشل ذريع للدول التى سارت عليه، وعلى رأسها الاتحاد السوﭬيتى السابق ودول عربية مثل ليبيا والعراق وسوريا واليمن، وهناك الإعلام المختلط ما بين إعلام الدولة والإعلام الخاص؛ حيث يعبر الأخير عن مصالح المالكين من رجال الأعمال، وتكمن خطورة الإعلام التقليدى فى أنه يتوجه إلى الغالبية العظمى من المواطنين الذين ليست لديهم القدرة على متابعة وسائل التواصل الاجتماعي؛ فهو الذى يشكل رؤيته للنظام السياسى وتوجهاته نحوه، وقد يحدد كذلك سلوكه السياسي، سواء الرضا أو عدمه، وفى ضوء الدور المتزايد والمهم لوسائل التواصل الاجتماعي، والذى يتوجه مباشرةً إلى الشباب، وهم الفئة المؤثرة على درجة الاستقرار السياسى -كما سنرى، يصير من المهم تطوير ومساندة الإعلام الوطنى والاستثمار فيه؛ ففى الدول الغنية والديمقراطية، لازال يوجد إعلام وطني/ إعلام دولة أو إعلام عام تستثمر فيه الحكومات على اعتبار أنه يقدم المعلومة والخبر بصورة محايدة وموضوعية أكثر من وسائل الإعلام الأخرى.
أما القاعدة الخامسة؛ فتكمن فى تكريس أسس المشاركة السياسية للمواطنين؛ فليس هناك استقرار دون مشاركة إيجابية وفعالة من المواطنين كافة، نحن نعلم أن المشاركة هى مسألة اختيارية وليست إكراهية، كما نعلم كذلك أن الميل إلى المشاركة أو السلبية السياسية يتحدد بمتغيرات عدة منها الأسرة والمدرسة والجامعة والنادى والمسجد/ الكنيسة والإعلام وغيرها من مؤسسات التنشئة الاجتماعية، وهكذا، تتكامل مؤسسات الدولة مع المؤسسات الاجتماعية فى بناء الشخصية السياسية للمواطن وما إذا كان مشاركًا أو عازفًا عن المشاركة، والمشاركة تخلق مصلحة لدى المواطنين فى استدامة النظام السياسى وتقدمه وتطوره والحفاظ عليه.
قدمنا فى هذه المقالة القواعد الخمس الأولى للاستقرار السياسي، وسوف نقدم الخمس الأخرى فى مقالة قادمة.
نقلا عن / الأهرام
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة