الخبر الواعد نسبياً، وإن كانت دلالاته لا تنسحب بالضرورة على جمهور «الجبهة الوطنية»، أن نيكولا ساركوزي خرج من السباق، فاسحاً المجال لأحد رئيسي الحكومة السابقين ألان جوبيه وفرانسوا فيون.
سوف تتلاحق، في الأسابيع والأشهر المقبلة، مواعيد تثير التهيب، إن لم يكن الرعب، يخيم فوقها جميعاً وصول دونالد ترامب إلى البيت الأبيض بعد استفتاء «بريكزيت» في بريطانيا.
في 4 كانون الأول (ديسمبر) المقبل سيتوجه الإيطاليون إلى استفتاء دعا إليه رئيس حكومتهم ماتيو رِنزي ورهن مستقبله السياسي بنتائجه. لكن الاستفتاء سيُجرى فيما تتحسن يومياً حظوظ حركة «النجوم الخمسة» الشعبوية والمناهضة لـ «المؤسسة»، بزعامة بيبي غريو، ابن الشتوة الأخيرة، الذي احتفل بفوز دونالد ترامب.
لكنْ في اليوم نفسه (4/12) سوف يعاود النمسويون إجراء انتخاباتهم لاختيار رئيس للجمهورية، حيث يمكن أن يفوز نوربرت هوفر من «حزب الحرية» الشعبوي، المناهض للأجانب وللهجرة. وجدير بالذكر أن الانتخابات الرئاسية كانت قد أجريت قبل أشهر فلم يرسب هوفر فيها إلا بفارق 31 ألف صوت فحسب، إلا أن نتائجها ألغيت بسبب أخطاء تقنية في حسبة المقترعين عبر البريد.
في 15 آذار (مارس) 2017 سينتقل الهلع إلى هولندا، التي عُدت طويلاً أكثر بلدان العالم تسامحاً. فيومذاك ستُجرى انتخابات يتنافس فيها الليبراليون و»حزب الحرية» (أيضاً) بقيادة غيرت وايلدرز الذي ربما كان أشرس الشعبويين الأوروبيين وأشدهم نضالية في عدائه للهجرة والأجانب والمشروع الأوروبي.
وايلدرز هذا سبق له أن حضر مؤتمر الحزب الجمهوري الأميركي الذي نصب ترامب مرشحاً رئاسياً، وكثيراً ما أكد أن حملته تنسج على منوال الحملة البريطانية للخروج من الاتحاد الأوروبي.
في 23 نيسان (أبريل) و7 أيار (مايو) 2017 ستُجرى دورتا الانتخابات الرئاسية في فرنسا. مارين لوبن، زعيمة «الجبهة الوطنية» الفرنسية ستخوض الدورة الأولى وتخرج منها حتماً أحد فائزين، وبعد ذلك يصعب التكهن!
الخبر الواعد نسبياً، وإن كانت دلالاته لا تنسحب بالضرورة على جمهور «الجبهة الوطنية»، أن نيكولا ساركوزي خرج من السباق، فاسحاً المجال لأحد رئيسي الحكومة السابقين ألان جوبيه وفرانسوا فيون.
في خريف 2017، حين تُجرى الانتخابات الألمانية، قد تختلف النتائج والوجهة. فحتى الآن ليست هناك قوة وزعيم شعبويان قادرين على إطاحة المعادلات السياسية المعمول بها. لكن «البديل» قد يحقق قفزة في حجم الدعم الذي يحظى به، مرسملاً على حملة التخويف من سياسة المستشارة أنغيلا مركل حيال الهجرة، ومن انتصارات «بريكزيت» وترامب وما قد يلي من انتصارات شعبوية في بلدان أخرى.
ما يمكن قوله، حتى إشعار آخر، أن الائتلاف الكبير بين المسيحيين الديموقراطيين والاشتراكيين الديموقراطيين، وهو الذي يحكم ألمانيا اليوم، قادر على صيانة الديموقراطية الألمانية. والشيء ذاته يمكن قوله عن أي ائتلاف محتمل بين الاشتراكيين الديموقراطيين والخضر واليسار.
وهي مفارقة كبرى أن تغدو ألمانيا حصن الدفاع عن الديموقراطية ضد الشعبوية في أوروبا وفي عموم العالم الغربي، وإن كان ما يعقد المهمة الألمانية أن الشعبويتين الظافرتين في بولندا وهنغاريا تحاصران ألمانيا من شرقها أيضاً.
وهذه معارك تخص العالم كله، لا مواطني تلك البلدان فحسب. وذلك ليس مرده إلى الهجرة واللجوء وحدهما، على أهمية ذلك، بل أيضاً إلى موقع أوروبا بوصفها المرجع في الديموقراطية والحداثة، والمسرح المركزي لتوتر العالم واستقراره.
عاشت أنغيلا مركل.
*نقلا عن الحياة
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة