بهذا المعنى جاءت الإساءة خارج سياق الاشتباكات اللبنانية الكثيرة التي يختلط فيها المحلي بالإقليمي بشكل بالغ التعقيد.
من خارج أي سياق لبناني هاجم معلق سياسي عبر قناة «المنار» التابعة لـ«حزب الله» أمير دولة الكويت الشيخ صباح الأحمد الجابر الصباح، ما أثار موجة من الاستنكارات السياسية والإعلامية التي تعكس موقع الكويت عند اللبنانيين بكل مكوناتهم الاجتماعية والمذهبية والسياسية. كان رئيس مجلس النواب نبيه بري أبرز من رفعوا صوت الاستنكار الحاد في ضفة حلفاء «حزب الله»، وبلغني أنه أوعز لفريقه بعدم استقبال المعلق الشاب الذي دأب على نشر صور له بصحبة رئيس المجلس. أما «المنار» فتنصلت من كلام ضيفها ووجهت عبر سلسلة أخبار عاجلة كلاماً طيباً بحق الكويت وأميرها.
من حسنات الضجة الإعلامية الأخيرة، التي أثارتها إساءة رخيصة لشخصية عربية كبيرة بحجم أمير الكويت، أنها تعبير عن يأس المراهنين على تشرذم القرار الخليجي، وبؤس المحاولات لخرق وحدة الموقف الذي تقوده المملكة العربية السعودية
وقد سبق للأمين العام لـ«حزب الله» حسن نصر الله في عام 2015 أن أدى في خطاب متلفز التحية العسكرية لأمير الكويت، رداً على ما اعتبره نصر الله يومها إجماعاً كويتياً على إدانة التفجير الإرهابي الذي استهدف مسجد الإمام الصادق في الكويت.
بهذا المعنى جاءت الإساءة خارج سياق الاشتباكات اللبنانية الكثيرة التي يختلط فيها المحلي بالإقليمي بشكل بالغ التعقيد.
ما أثار ردة الفعل هذه عند «حزب الله» وحركة أمل هو أنهما وجدا نفسيهما عرضة للاستغلال من قبل معلق دأبوا على تدليله وتزويده بالمعلومات والتحليلات ورعاية إطلالاته التلفزيونية، التي جاء آخرها ليخدم، عبر شاشة «الحزب»، أجندة ليست ضمن أولويات الحزبين.
تحليل نص الإساءة يشير إلى أن صاحبها قفز من الترويج لأخبار كاذبة حول زيارة أمير الكويت إلى واشنطن، ليستعيد فوراً عبارة مهينة لبشار الأسد استعملها عام 2006 للهجوم على رئيس الوزراء اللبناني الأسبق فؤاد السنيورة، ولعله أراد الاستشهاد بعبارات أخرى للأسد، وهو ما يفهم منه أن الإساءة رسالة سورية مقصودة قد يكون طلب منه توجيهها للكويت، فلماذا الآن؟
قبل نحو أسبوع شهد مجلس الأمن الدولي، الذي ترأس دولة الكويت دورته الحالية، سجالاً حاداً بين ممثل الكويت السفير منصور العتيبي، وبين ممثل الأسد بشار الجعفري، خلال جلسة خصصت لمناقشة مشروع القرار الخاص بالهدنة الإنسانية في سوريا الذي أعدته الكويت بالتنسيق مع السويد.
وكان مندوب الكويت أكد قبلاً أن تغيّب مليشيا الحوثي غير المبرر عن المشاركة في جولة مشاورات جنيف حول اليمن بمثابة حلقة في مسلسل انتهاكاتهم المستمرة للقانون الدولي والقانون الإنساني الدولي، وعدم التزامهم بقرارات الشرعية الدولية المتمثلة بقرارات مجلس الأمن ذات الصلة. ودعا العتيبي إلى العمل باتجاه تغليب الحل السياسي القائم على المرجعيات الثلاث المتفق عليها، وهي المبادرة الخليجية وآليتها التنفيذية، ومخرجات الحوار الوطني في اليمن، وقرارات مجلس الأمن ذات الصلة لا سيما القرار 2216، وهو التزام كامل وثابت بالإطار الخليجي للحل الذي تحاول سوريا وإيران وأدواتهما إجهاضه في كل الملفات والأزمات المطروحة.
كما كان لأمير الكويت مبادرة كريمة لمعالجة الأزمة الخليجية، خلال لقائه الرئيس الأمريكي دونالد ترمب، تلتزم بالكامل الشروط الـ13 التي وضعتها دول الخليج على قطر كإطار للحل.
هذا الثبات الكويتي في الموقف السياسي من أزمات المنطقة، والذي تعبر عنه الكويت بطريقتها الخاصة، التي لم تتسم يوماً بالحدة، ربما ضاع على من يتوهم أن الكويت حصان طروادة في قلب الخليج، بسبب خصوصيتها السياسية والاجتماعية وخصوصية نظامها السياسي.
والحال، من غير المستغرب أن يُخيل لهذه العاصمة أو تلك، لا سيما ممن تعميهم حدة أزماتهم عن مفردات الواقع السياسي ومعطياته، أن استمالة الكويت الكلية أو الجزئية إلى لعب الدور الذي لعبته قطر هو أمر متاح وممكن، وهو ما ينم عن جهل سياسي ويشبه تعلق اليائسين بحبال الهواء.
من أمثلة ذلك، الأوهام التي يبثها بعض المعلقين عبر الشاشات والمقالات عن مواعيد تضرب لتطبيع العلاقات بين الكويت ونظام الأسد عبر إعادة فتح السفارة أو تعيين قائم بالأعمال، وهي أخبار ما توقفت يوماً عن التوالد، وما تحقق حرف منها كما هو بائن للعيان. وقد قيل مثل ذلك وأكثر عن توجهات خليجية تارة تنسج على أخبار عن لقاء أمني هنا، وتارة تنسج على خيال جموح هناك، فيما تكفي متابعة الإعلام الخليجي لمعرفة أن الثوابت الخليجية في الأزمة السورية لم تتغير، مع انفتاح على مناقشة الأطر والآليات التي تفيد بحل الأزمة وفق هذه الثوابت، وأبرزها حق السوريين في تقرير مصيرهم وحقهم وحق العرب في إنهاء الاحتلال الإيراني.
من حسنات الضجة الإعلامية الأخيرة -التي أثارتها إساءة رخيصة لشخصية عربية كبيرة بحجم أمير الكويت- أنها تعبير عن يأس المراهنين على تشرذم القرار الخليجي، وبؤس المحاولات لخرق وحدة الموقف الذي تقوده المملكة العربية السعودية، والعجز التام عن فهم الثوابت التي تنهض عليها صناعة السياسة في هذا الجزء من العالم.
لا يملك من أساء إلا أن يسيء، إذا أدرك أن حكمة الكويت ليست تخاذلاً، وهدوء سياستها ليس ضعفاً. وأخيراً «إذا رأيت نيوب الليث بارزة فلا تظنن أن الليث يبتسم»، كما قال أبوالطيب المتنبي.
نقلا عن "الشرق الأوسط"
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة