الوزيرة النمساوية معروفة بمواقفها المعادية لاستقبال اللاجئين العرب وتنتمي إلى حكومة يقودها تحالف يضم اليمين المتشدد في البلاد.
استغرب الكثيرون "فيديو" تم تداوله عبر وسائل التواصل الاجتماعي لوزيرة الشؤون الخارجية النمساوية كارين كنيسل Karin Kneissl، وهي تتحدث باللغة العربية أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة، خلال اجتماعها الأخير في مقر المنظمة الدولية بنيويورك نهاية سبتمبر الماضي.
الوزيرة النمساوية معروفة بمواقفها المعادية لاستقبال اللاجئين العرب، وتنتمي إلى حكومة يقودها تحالف يضم اليمين المتشدد في البلاد، ويُعرف عن كنيسل بأنها يمينية ولكنها ليست عضواً في حزب الحرية اليميني المتطرف، الذي حل ثالثاً في انتخابات العام الماضي، والذي رشحها لتولي منصبها كونه حصل ضمن حصته الحكومية على ثلاث وزارات؛ هي الدفاع والداخلية والخارجية، وربما كانت كنيسل الأقرب لتوجهات الحزب لوجود قواسم مشتركة في المواقف السياسية والتوجهات؛ منها معارضة استقبال اللاجئين العرب، ورفض انضمام تركيا إلى الاتحاد الأوروبي قطعياً، ولكن من المعروف عنها كذلك إجادتها ـإلى جانب لغتها الأمـ نحو سبع لغات؛ من بينها الإنجليزية والفرنسية والإسبانية والعربية والإيطالية والعبرية والمجرية، ومن ثم فقد ألقت خطابها في الأمم المتحدة بعدد من اللغات التي تجيدها.
أياً كانت دوافع الوزيرة النمساوية التي تشير مؤلفاتها العلمية إلى إلمام واهتمام واضح بشؤون منطقة الشرق الأوسط، فإن حديثها باللغة العربية يجسد اللغة كقوة ناعمة قادرة على رأب الفجوة بين الحضارات، حيث تابع العالم ما حاز عليه هذا الحديث من إعجاب وتداول لدى مستخدمي وسائل التواصل الاجتماعي العرب
كنيسل لها رأي في تفسير الهجرة واللجوء، وتعتبر أن أسبابه اقتصادية بالأساس أكثر من كونها أسبابا إنسانية، وأن الاضطرابات في العالم العربي جعلت هؤلاء الشباب غير قادرين على الحصول على بناء أسر بسبب البطالة والفقر، وبالتالي يضطرون إلى الهجرة واللجوء لأوروبا.
وكانت الوزيرة النمساوية قد انتقدت المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل، لترحيبها باستقبال اللاجئين السوريين في عام 2015، واعتبرت أن مثل هذه القرارات "تشجع اللجوء"، وهي من مؤيدي حماية الحدود في مواجهة موجات اللجوء على غرار ما فعلت المجر وغيرها.
ومن المعروف أن النمسا بشكل عام اتجهت يمينياً في الانتخابات العامة الأخيرة، شأنها في ذلك شأن دول أوروبية عدة أخرى كردة فعل على تنامي موجات اللجوء في السنوات الأخيرة، وتماهياً مع صعود التيارات الشعبوية واليمينية في دول مختلفة من العالم.
وقد بررت كنيسل التحدث باللغة العربية بأنه يعبر عن تقديرها للقيمة الثقافية الكبيرة التي تتمتع بها اللغة العربية، إلى جانب إظهار تعاطفها مع شعوب الدول العربية التي تعاني الحروب والدمار، خاصة في سوريا والعراق.
ومن الواضح أن أحد دوافع الوزيرة النمساوية أنها تمتلك تجربة ذاتية في بلد عربي، حيث قالت: "لقد عشت في لبنان أثناء الحرب، وتعلمت هناك كيف يواصل الناس الحياة رغم ظروفهم الصعبة، فكل الاحترام والتقدير لأولئك الرجال والنساء الذين لا يزالون يواصلون الحياة في تلك الظروف"، كما أنها قضت أيضا جزءا من طفولتها في العاصمة الأردنية عمّان، حيث كان يعمل والدها طياراً خاصاً للعاهل الأردني الراحل الحسين بن طلال، بحسب ما هو منشور عنها، كما درست في الجامعة العبرية في القدس والجامعة الأردنية في عمان.
ربما لا يعرف الكثيرون أن خطاب الوزيرة النمساوية لم يقتصر على اللغة العربية، فقد ألقت خطابها في الأمم المتحدة باللغات العربية والفرنسية والإسبانية والإنجليزية، وهي جميعا من بين اللغات الرسمية المعتمدة في المنظمة الدولية، كي تذكّر بطريقة عملية بالتنوع القائم في المنظمة الدولية، وتؤكد أن التعددية هي السمة الأساسية للنظام العالمي، واعتبرت أن الاتفاقيات الدولية أكثر من مجرد التزامات أخلاقية، ومن ثم فقد ألمحت ضمناً إلى رفضها الانسحاب الأحادي من الاتفاق النووي الموقع بين مجموعة "5+1" وإيران، ورأت أن الانسحاب الأحادي يمكن أن يؤدي إلى إضعاف الثقة بالاتفاقات الدولية ومن ثم التأثير سلباً في الأمن والاستقرار، وهي ذاتها وجهة النظر التي يتبناها الاتحاد الأوروبي حيال هذا الاتفاق الذي انسحبت منه إدارة الرئيس ترامب.
وأياً كانت دوافع الوزيرة النمساوية التي تشير مؤلفاتها العلمية إلى إلمام واهتمام واضح بشؤون منطقة الشرق الأوسط، فإن حديثها باللغة العربية يجسد اللغة كقوة ناعمة قادرة على رأب الفجوة بين الحضارات، حيث تابع العالم ما حاز عليه هذا الحديث من إعجاب وتداول لدى مستخدمي وسائل التواصل الاجتماعي العرب، ولا غرابة في ذلك باعتبار أن اللغة هي الوعاء الأساسي الناقل للأفكار والمواقف والاتجاهات، ومن هنا تبدو أهمية توظيف أدوات القوة الناعمة في التقريب بين الدول والشعوب.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة