من الذي ساهم في ترك تركيا أمام هذه المعادلة الخطيرة والمقلقة وبين خيارين أحلاهما مر
تعاني السياسة التركية منذ عامين من تخبط واضح وسط الإعصار السوري..
من أعدّ لتركيا مثل هذا الفخ؟، وكيف نجح في إبعادها عن نقاشات الثورة في سوريا وحوّل الأنظار نحو مستقبل النظام في دمشق وضرورة تواجده أمام طاولة المفاوضات، والمرحلة الانتقالية على أقل تقدير ؟ وما هي حظوظ أنقرة في الخروج من المستنقع السوري بأقل الخسائر والأضرار؟.
كيف تحولت الأمور بالنسبة لأنقرة من دعم للثورة والثوار في سوريا ضد نظام رافض لأبسط مطالب حرية التعبير والمشاركة السياسية إلى وجود خطة تستهدف أمن تركيا القومي، عبر محاولة إنشاء كيان كردي مستقل في شمال سوريا، يشمل فتح نافذة كردية تطل على السواحل السورية للمتوسط؟.
وكيف وصلت التطورات إلى هذا المستوى من تدهور العلاقات بين حليفين مفترضين تركيا وأميركا في سوريا؟ واشنطن ترفض إدراج حزب الاتحاد الديمقراطي الكردي على لائحة التنظيمات الإرهابية التي أعلنتها تركيا، وتتمسّك بإرسال شحنات السلاح والعتاد إلى هذا الحزب كحليف بديل لها هناك؟ وأنقرة تردد أن الإدارة الأميركية ستتحمل عواقب قراراتها هذه التي تعني اختيار تنظيم إرهابي على حساب دولة إقليمية مثل تركيا؟.
الواضح أيضا أن أولويات أنقرة في سوريا انقلبت رأساً على عقب بالمقارنة مع ما كانت تقوله مع انطلاق الثورة في سوريا. هل الأولوية هي لمنبج وبهدف إنجاز عملية درع الفرات أم في عفرين، في إطار خطة سيف الفرات ومنع دمج الكانتونات الكردية ببعضها؟، أم هي ستقرّر التمدد والانتشار عسكريا في إدلب لإصابة أكثر من عصفور بحجر واحد، داعش والنصرة والنظام وقوات سوريا الديمقراطية؟.
من الذي ساهم في ترك تركيا أمام هذه المعادلة الخطيرة والمقلقة وبين خيارين أحلاهما مر: المزيد من التنازلات لروسيا في محاولة لحماية المصالح التركية في سوريا حتى ولو كان الثمن التوغل أكثر فأكثر في المستنقع السوري، أو الخروج من المشهد بعد كل هذه التكاليف الباهظة التي تحملتها تركيا في هذا الملف؟.
لماذا قبلت أنقرة المغامرة في قبول اتفاقيات أستانة وسوتشي لاحقا وهي تعرف أن ذلك قد يعرضها لخسارة ما تملكه من فرص متبقية لها في سوريا وبينها رهان المعارضة عليها؟.
يبدو أن أنقرة قررت القفز إلى الأمام في سياستها السورية، وهي تريد هذه المرة الرهان على موسكو وطهران لمساعدتها على الخروج من ورطتها هناك، فهل تحصل على ما تريد؟
مقارنة بسيطة وسريعة بين الأهداف والتطلعات التركية مع اندلاع الثورة في سوريا قبل 7 سنوات، وما تقوله أنقرة اليوم يدفعنا للوصول إلى نتيجة واضحة لا لبس فيها حول تعرض سياستها السورية إلى تبدل وتغيير دائم رغم كل ما تقوله حول الثوابت في مواقفها المعلنة .
حددت تركيا مجموعة من الأهداف والمرتكزات في سياستها السورية مع انطلاق الثورة، بينها الدعم العلني الواضح لقوى المعارضة المنتفضة التي ستطيح بالنظام خلال أشهر قليلة، وفتح الأبواب باكراً أمام الوافدين من اللاجئين لأن إقامتهم ستكون قصيرة وسيعودون إلى بلادهم وأراضيهم لقيادة المرحلة المقبلة كشركاء وحلفاء لها في المنطقة .
من الذي ساهم في ترك أنقرة أمام هذه المعادلة الخطيرة والمقلقة وبين خيارين أحلاهما مر : المزيد من التنازلات لروسيا في محاولة لحماية المصالح التركية في سوريا، حتى ولو كان الثمن التوغل أكثر فأكثر في المستنقع السوري، أو الخروج من المشهد بعد كل هذه التكاليف الباهظة التي تحملتها تركيا في هذا الملف؟.
عدلت أنقرة من سياساتها السورية باستمرار لأكثر من سبب داخلي وإقليمي وطرحت أفكاراً ومشاريع جديدة عادت وتخلت عنها أمام تدهور علاقاتها وتحالفاتها مع شركاء لها في الملف السوري، تحولوا إلى خصوم ومنافسين يعرقلون كل ما تقوله وتريده في مشاريع وخطط أهمها تسليح وتجهيز الجيش السوري الحر، وإنشاء المناطق الآمنة داخل المناطق السورية الحدودية، ونقل اللاجئين إليها، وفشلها في إقناع حلفاء غربيين على رأسهم واشنطن بعدم تسليح ودعم حزب الاتحاد الديمقراطي الكردي الموصوف بالإرهابي في تركيا .
وصول أنقرة إلى طريق مسدود في الخطط والحلول الكثيرة التي اقترحتها دفعها أخيراً للتحول نحو روسيا وإيران للتنسيق معهما رغم معرفتها أن ذلك سيكون مكلفا لها سياسياً واستراتيجيا أمام حلفائها وشركائها الإقليميين في الملف السوري المعادين لموسكو وطهران .
أصوات تركية كثيرة تردد اليوم أن في مقدمة أسباب وصول السياسة التركية إلى طريق مسدود طيلة السنوات الخمس الأولى من عمر الثورة السورية تأخرها وترددها في تقديم الدعم العسكري واللوجستي لقوى المعارضة السورية بالمقارنة مع الدعم الذي حصل عليه النظام من قبل حلفائه المحليين والإقليميين .
تصعيدها المتأخر جدا ضد قوات سوريا الديمقراطية وتحديداً ضد حزب الاتحاد الديمقراطي الكردي وبعدما نجحت هذه المجموعات في كسب دعم قوى إقليمية ودولية تتبناها وتدافع عنها كشريك محلي لها على الأرض في سوريا، كان سبباً آخر في تحول سياساتها السورية.
أشار رئيس لجنة الشؤون الخارجية في مجلس الدوما الروسي أليكسي بوشكوف إلى أن التغيرات في موقف القيادة التركية تجاه سوريا قد تكون مرتبطة بالتهديدات الإرهابية والهجمات التي استهدفت المدن التركية في العامين الأخيرين .
صحيفة " إيزفيستيا " الروسية ذهبت أبعد من ذلك عندما رأت أن موقف رئيس الوزراء التركي بن علي يلديريم بشأن تطبيع العلاقات مع دمشق يشير إلى استعداد أنقرة للإصغاء إلى روسيا، وها نحن نصل اليوم إلى تحليلات تردد أنه من الصعب أن تصل تركيا إلى ما تريده في الملف الكردي السوري دون التنسيق مع دمشق وحلفائها الإقليميين، وها هي أنقرة تجد نفسها في مواجهة مفتوحة مع حليفها الأميركي بسبب تضارب المصالح والتحالفات في سوريا .
محاولة الانتشار العسكري التركي في إدلب وعفرين لم تكن بين أهداف تركيا عند اندلاع الثورة، والتحرك لإزالة عقبة هيئة تحرير الشام والتنظيمات المسلحة الداعمة لها لم تكن في حسابات أنقرة أيضا قبل سنوات، وهيئة تحرير الشام بعثت برسائل حول استعدادها لمواجهة القوات التركية إذا قررت الأخيرة دخول إدلب لأنها تعتبر اتفاق تركيا مع روسيا يتعارض مع مصالحها، وأردوغان يردد اليوم بعيداً عن مواقف وتطلعات ما قبل 7 سنوات " لا أحد يمكنه أن يجبرنا على الجلوس على طاولة مفاوضات جنبا إلى جنب مع الإرهابيين " .
من أين إلى أين؟ وكيف ستتعامل أنقرة مع المرحلة المقبلة في سوريا؟
يقول الرئيس التركي إن ما يجري في سوريا اليوم هو أبعد من مسألة مواجهة التنظيمات الإرهابية والحرب على داعش، "لذلك نحن ملزمون بتوسيع نطاق العمليات العسكرية التركية هناك، لغمس خنجر في قلب الإرهاب"، ولذلك نرى أنقرة تُصر على عملية عسكرية جديدة في الممر الرابط بين منبج وعفرين والتمدد حتى شمال إدلب، لسحب ورقة جبهة النصرة من يد البعض ضدها، وفيما هي تتابع عودة الروح فجأة إلى تنظيم داعش ليقترب من الحدود الإدارية لإدلب عبر تسهيلات يقدمها النظام السوري هذه المرة .
لا يمكننا ونحن نستعرض أسباب التحول في سياسة تركيا السورية أن نتجاهل ما قاله لنا أحد أبرز الكتاب الأتراك في موضوع إصرار أنقرة على مطالبة الرئيس ترامب بعدم إرسال المزيد من السلاح إلى قوات سوريا الديمقراطية، إن هذه القوات هي أيضا اعترضت على إرسال شحنات جديدة لأنها لم تعد تجد مخازن مناسبة لوضع السلاح المرسل فيها .
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة