بوتين يستلهم حيل موسيليني بعد غزو إثيوبيا.. سر إخفاق العقوبات على الروس
رغم العقوبات الاقتصادية غير المسبوقة، التي فرضتها الدول الغربية على روسيا عقب حربها في أوكرانيا، يبدو أن موسكو تتفاعل معها جيدا.
كان الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، يعلم جيدا قبل إقدامه على إصدار قراره بدخول قواته العسكرية إلى أوكرانيا، أن موسكو ستواجه العقوبات المختلفة على ذلك.
ويبدو أن بوتين قد أدرج هذه العقوبات في حساباته قبل الحرب، فبلاده كانت بالفعل هدفًا لعقوبات، ولم يبالِ بالتهديد بأن العقوبات الجديدة ستكون أشد عنفاً من تلك التي طُبقت بعد أزمة جزر القرم في عام 2014، وهو ما حدث بالفعل ولم تكفِ العقوبات المشددة في الردع أو عدم تصعيد العمليات العسكرية.
ولم تكن هذه حالة استثنائية لعجز العقوبات عن تحقيق أهدافها الأمنية أو العسكرية بمنع الحرب.
ووفقا للاقتصادي المصري محمود محيي الدين في مقال بصحيفة الشرق الأوسط، يذكر محلل السياسات الدولية جوشوا كيتينغ أن سجل العقوبات به خليط من الإخفاق والنجاح، وهي إلى الإخفاق أقرب حيث لم تحقق نجاحاً إلا في 33% من الحالات.
وأضاف أن الرئيس الأمريكي جو بايدن عندما هدد روسيا بفرض عقوبات شديدة وقيود على الصادرات في حالة غزوها لأوكرانيا، لم يكن هذا إجراءً مستغرباً فقد أصبحت العقوبات الاقتصادية وضعاً افتراضياً معتاداً للسياسة الخارجية الأمريكية مع كل أزمة دولية.
متى تنجح العقوبات الاقتصادية؟
تاريخيًا، يرجع أول استخدام للعقوبات إلى عهد الإغريق، وأشار لها المؤرخ اليوناني القديم ثوكيديدس في فرض أثينا حظرًا على تجارة مدينة ميجارا في القرن الخامس قبل الميلاد.
وهو ما رجع إليه المؤرخ الأمريكي نيكولاس مدلر في كتابه الصادر قبل حرب أوكرانيا بأسابيع تحت عنوان "السلاح الاقتصادي وزيادة استخدام العقوبات كأداة في الحروب الحديثة".
ويفرق "مدلر" بين العقوبات الحديثة وتلك القديمة بأنها، كما حدث في أثناء الفترة بين الحربين العالميتين الأولى والثانية، تستند إلى القانون الدولي وأعرافه، وكثيراً ما استخدمتها الدول الأعضاء في عصبة الأمم - الكيان الأممي الذي نشأ بعد الحرب العالمية الأولى وأنهته فعلياً الحرب العالمية الثانية.
ووصف الرئيس الأمريكي وودرو ويلسون العقوبات الاقتصادية المضمَّنة في المادة السادسة عشرة من اتفاق عصبة الأمم بأن من شأنها أن تسبّب ضغوطاً تفوق قدرة أي دولة حديثة على تحملها.
ونجحت هذه العقوبات في بعض الحالات مثل إنهائها الغزو اليوناني للأراضي البلغارية في العشرينات من القرن الماضي.
ولكن العقوبات فشلت في منع القوات الفاشية بقيادة موسيليني من غزو إثيوبيا في الثلاثينيات، بل جعلته يتقرب من ألمانيا بقيادة حاكمها النازي هتلر. ومع فشل العقوبات الاقتصادية في ردع موسوليني، فما عساها تفعل ضد هتلر وأطماعه الأوروبية أو لتحجيم اليابان بمنعها من الاستمرار في غزو الصين قبل اندلاع الحرب العالمية الثانية، فلم يكن أمام التحالف إلا الإذعان لما يحدث من عدوان أو إعلان الحرب، وهو ما كان في نهاية الأمر بما خلفته من ضحايا ودمار.
حالات فاعلية العقوبات
حدد المؤرخ الشهير بول كينيدي، مستعيناً بكتاب "السلاح الاقتصادي"، ثلاث حالات تزداد فيها احتمالات فاعلية العقوبات، وهي:
الأولى: ألا تكون ناعمة كأنها تُظهر مجرد عدم رضا عن الفعل، بل يجب أن تكون مُنزلة لألم شديد بالخصم.
الثانية: أن تكون ذات ستار حديدي خالٍ من الثغرات التجارية والمالية وبلا أي استثناءات.
الثالثة: ألا يتمتع الخصم خلالها بسند من قوة أو قوى اقتصادية تمده بما يحتاج.
ولهذا نجحت العقوبات الاقتصادية تاريخيًا في حالات التعامل مع الدول ذات الاقتصادات الهشة أو شديدة الانكشاف الاقتصادي باعتمادها على الخارج.
ولكن الدول ذات الاقتصادات الأكبر لن يلحقها الأذى إلا وقد مس خصومها أذى مثله.
وهذا هو ما حذّر الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، الرئيس الأمريكي جو بايدن من حدوثه، في لقائهما الافتراضي في ديسمبر/كانون الأول الماضي، عبر الفيديو بأن إقناع الأوروبيين بعدم الإسهام في خط غاز "نورد ستريم الثاني" لا يخيفه بل سيؤذي حلفاء أمريكا.
وهذا هو الأمر الذي لم تتناوله الحوارات حول الحرب الدائرة الآن في أوكرانيا، فالأثر على الأطراف الثالثة أو ما يشبه إبان الأزمات الكبرى "الأبرياء المتفرجين" على سباق محتدم بين متصارعين رُعُن، فيطولهم الأذى بما يطيش من سلاحهم دون اكتراث.
أما الأبرياء المقصودون هنا فهم أهل الدول النامية، وفي مقدمتها دول عربية وأفريقية، فقد ساء تقدير أثر قيام حرب بين روسيا وأوكرانيا، اللتين لا يتجاوز إسهامهما في الاقتصاد العالمي 3 أو 4% على أقصى تقدير، ولكن لهما أوزان مؤثرة بشدة في قطاعات الطاقة والقمح وزيوت الطعام والأسمدة فضلاً عن تأثيرهما في السياحة الدولية.