"علمني حُبك أن أحزن".. لماذا يتلذذ جمهور كرة القدم بالألم؟
بهدفٍ في اللحظة الأخيرة يعقبه تتويج بلقب، يجن جنون الجمهور احتفالاً وفرحاً متناسياً الدنيا وما عليها، لكن ماذا عن الطرف الخاسر؟
بهدفٍ في اللحظة الأخيرة يعقبه تتويج بلقب، يجن جنون الجمهور احتفالاً وفرحاً متناسياً الحياة وما فيها إلا لحظة الانتصار تلك، لكن ماذا عن الطرف الخاسر؟
في الجانب الآخر من النهر دائماً هُناك قصة مختلفة، في لحظة الاحتفال الجنوني لأحدهم هناك آخر يعتصر حزناً وينتحب ألماً بعد انتهاء حلم وخسارة لقب أو مباراة مهمة.
العديد من حالات الوفاة نقرأ عنها في كل أنحاء العالم بعد الخسائر الكبيرة والمؤثرة لبعض الأندية والمنتخبات، لكن لم يكن ذلك مدعاة إلى التوقف عن التشجيع، فهل يتلذذ الجمهور بالألم؟
ضريبة حتمية
يقول العالم ابن سينا إن "الوقت يُنسي الألم"، وحتماً ذلك هو سبب عدم العزوف عن تشجيع كرة القدم بعد الآلام التي تعيشها الجماهير مع أنديتها، والتي تصل إلى أعلى درجات الحزن على الإطلاق عند المولعين والمتعصبين في عالم اللعبة الأبرز عالمياً.
الأمر أشبه بحالة من الإدمان، الجميع يعرف السلبيات والمطبات الصعبة في الرحلة، لكنه يقبل إتمام الصفقة مقابل لحظات من الفرح والجنون قد لا يعيشها أبداً إلا مع كرة القدم.
في عام 2017، توفي مشجع سوري بعد خسارة منتخب بلاده أمام أستراليا في تصفيات كأس العالم 2018، وفي العام التالي مات مُشجع للأهلي المصري بعد خسارة نهائي دوري أبطال إفريقيا أمام الترجي التونسي 0-3.
وفي 2019، توفى مُشجع لنادي النصر السعودي بعد خسارة فريقه 2-4 أمام الاتحاد في نصف نهائي كأس خادم الحرمين الشريفين، ما يعني أن مأساة الوفاة كمداً وألماً لمشجعي كرة القدم تتكرر دوما.
التعايش مع الألم
يتمرس بعض المشجعين ويتوقعون الصدمات والنهايات المأساوية للموسم، فيصبحون أقل عُرضة للإصابة بأزمات قلبية أو الدخول في حالات من الاكتئاب، هؤلاء ينجحون تماماً في التماهي مع الآلام.
قبل سنوات، كتب نزار قباني الشاعر المرموق عن الحُزن "علمني حُبك أن أحزن، علمني حبك سيدتي أن أدخل مدن الأحزان، وأنا من قبلك لم أعرف مُدن الأحزان"، عندما تسمع تلك الأبيات تتخيل مُشجعاً يُعاتب كُرة القدم بعد صدمة جديدة يعيشها مع فريقه.
تكتمل قصيدة "علمني حبك" لنزار قباني، وكأن هُناك مُشجع يعصره الألم لكنه نجح في التعايش معه، حيث يقول: "وحلمت بأني أخطفها مثل الفرسان، علمني حبك سيدتي ما الهذيان، علمني كيف يمر العُمر ولا تأتي بنت السُلطان".
وكم من مشجعين ينتظرون قدوم بنت السلطان لكنها لا تأتي، يترقبون بطولة لفريقهم منذ عشرات السنين، ومع كل صدمة وفشل، لا يتركون التشجيع أو يفقدون الشغف، بل يجددون الحماس ويعودون في الموسم التالي بنفس الرغبات والطموح والآمال.
تلذذ بالألم والأمل
في عام "1994"، عُرض فيلم "الخلاص من شاوشانك" في الولايات المُتحدة الأمريكية، ليتناول الأمل والألم من زاوية مُختلفة أكثر عُمقاً.
"ريد" أحد أبطال العمل والذي قام بدوره الممثل المُخضرم مورجان فريمان، لخّص الأمر في جملة باتت من أشهر الجُمل الحوارية في السينما الأمريكية، عندما قال :"الأمل شيء خطير، يُمكن أن يقود الإنسان إلى الجنون".
وأي جنون يدفع المُشجع إلى الاستمرار في طريق قد يكون آخره الموت أو الصدمات والآلام؟ بالتأكيد لا شيء يُجبره على الاستمرار سوى الأمل.
يتجاوز الجمهور كل السيناريوهات المؤلمة التي تختمر في الأذهان مع بداية كل موسم أو بطولة، من أجل فقط أمل التتويج في النهاية أو عيش لحظات من السعادة ليس لها مثيل.
aXA6IDE4LjExNi44Ni4xNjAg
جزيرة ام اند امز