رغم جميع البروتوكولات، فلا تزال العلاقة بين الأكراد والحكومة المركزية في بغداد شائكة وحساسة ومشوبة بالتوتر
ما إن تهدأ أوضاع العراق قليلاً حتى تعود المشكلة الكردية إلى الواجهة. والزيارة التي قام بها رئيس حكومة إقليم كردستان، مسرور البارزاني إلى بغداد مؤخراً تجسد هذه الحالة. فهي المحطة الأولى من زياراته لأنه يدرك تماماً أن لا حل يأتي من الخارج. ولعل الأكراد تعلموا من ضربة استفتاء الانفصال المدوية، والتي خلخلت الثقة الهشة بين بغداد وكردستان. كان حيدر العبادي أفضل من عادل عبدالمهدي في التعامل مع القضايا الوطنية رغم أن القضايا ظلت عالقة بين الطرفين في الوقت الذي تمتع الأكراد باستقلالية معينة منذ 2003.
وربما نتساءل: هل تحل زيارة رئيس حكومة الإقليم مسرور البرزاني إلى بغداد والتقاؤه بالرئاسات الثلاث المشاكل العالقة؟
في المنظور القريب والبعيد، لا تبدو العلاقة بين بغداد وكردستان تستقر في ظل الأوضاع الحالية، خاصة وأن الحكومة غير قادرة على حل مشكلة البصرة التي تشهد تظاهرات مليونية لانعدام الخدمات مثل الماء والكهرباء والوظائف، فكيف بها تحل مشكلة كركوك المستعصية
رغم جميع البروتوكولات، فلا تزال العلاقة بين الأكراد والحكومة المركزية في بغداد شائكة وحساسة ومشوبة بالتوتر رغم إقرار الحقوق القومية الكردية المشروعة في الدستور العراقي الملغوم. ولم يقدم الاحتلال الأمريكي أية حلول للقضية الكردية من خلال تحطيم الدولة العراقية، بل زادها تعقيداً. ونتج عن ذلك إقامة كيان كردي مستقل تُوّج باستفتاء الانفصال الفاشل. وبرز الحزب الديمقراطي الكردستاني من أجل طرح مسألة الانفصال إلا أن الحكمة السياسية خانته هذه المرة لأنه تجاهل أن ابتعاد الأكراد عن محيطهم الوطني العراقي لا يجني سوى الفشل والنكسات كما حصل مع شاه إيران. ولم تتمكن بريطانيا ولا روسيا من تقديم الحل الناجح لأن جميع الدول تفضّل التعاون مع دولة مركزية قوية على أن تتعامل مع كيان هش وضعيف ولا مستقبل له في شمال العراق. وقد أصاب الإحباط إسرائيل عندما فشل استفتاء الانفصال لأهداف معروفة. كما أن اللاعب الرئيسي إيران لا يريد الانفصال للأكراد خشية أن يطالب أكراد إيران بالشيء ذاته.
يبدو أن حكومة إقليم كردستان تفضّل الهروب إلى الأمام بدلاً من إيجاد الحلول الواقعية للأكراد، فهي تعتبر بغداد مسؤولة عن ذلك، وهي لا تختلف في فساد مؤسساتها كما هو الحال مع المؤسسات العراقية. ولا تزال حكومة الإقليم تفتقر إلى الشفافية والديمقراطية، ويدلل على ذلك صراع الأحزاب الكردية على السلطة والاتهامات المتبادلة بينها. وهكذا ظلت القضية الكردية تتراوح بين الحكم الذاتي والفيدرالية والكونفدريالي والمطالبة بالانفصال، الشعرة التي قصمت ظهر البعير.
لا تزال حكومة الإقليم لا تدفع الرواتب للموظفين رغم استحواذها على نحو 250 ألف برميل من النفط يومياً دون الرجوع إلى الحكومة المركزية، ولكنها في الوقت ذاته، تطالب بغداد بدفع رواتب البيشمركة والموظفين في كردستان. إضافة إلى المشاكل الأخرى مثل قضية كركوك، وهويتها، واعتبارها جزءاً من المناطق المتنازع عليها، بينما الغالبية فيها من العرب والأتراك.
لقد حاول الأكراد في السنوات الأخيرة فرض سيطرتهم على هذه المدينة وإحداث تغيير ديموجرافي فيها، ضاربة بعرض الحائط المكونات المختلفة لنسيج هذه المدينة. وكان من الطبيعي أن تتركز المحادثات الأخيرة بين حكومة الإقليم وبغداد على هذه النقطة الحساسة. وقد توضح أن الأكراد لا يرغبون في أن تكون هذه المدينة نموذجا للتعايش القومي والديني، بجميع مكوناتها العربية والتركمانية والكردية، وفي الوقت الحالي هناك اختلاف حول تسمية منصب محافظ المدنية. كل ذلك بينما يستمر الأكراد في الرهان على بقاء العراق في حالة ضعف وتفكك، من دون أن تتمكن الحكومة المركزية أو حكومة الإقليم من تقديم أي تصور لهذه العلاقة المتوترة على الدوام لأن المتحكم بالأمور هي الأحزاب الكردية، ذات الطابع العشائري والقبلي.
الطرفان يؤكدان ضرورة إيجاد الحلول العالقة، وخاصة قضية النفط واستحواذ الأكراد عليه، وقضية المناطق المتنازع عليها دستوريا وفق المادة 140، الذي ادعى مسعود البرزاني أنه أصبح من الماضي عندما استولت قواته على كركوك، ولكنها لا تزال المعضلة القائمة في الحالتين.
وعلى أعقاب الزيارة الحالية، أصدرت الرئاسات الثلاث بيانات عائمة تؤكد الرؤى المشتركة ولغة الحوار في حل القضايا العالقة بين بغداد وحكومة الإقليم دون التوصل إلى نتائج ملموسة. وهذا يعني بقاء مواضيع النفط والمناطق المتنازع عليها عالقة، في الوقت الذي يعتبر فيه إيجاد الحلول العاجلة أمراً يكاد يكون مستحيلاً.
في المنظور القريب والبعيد، لا تبدو العلاقة بين بغداد وكردستان تستقر في ظل الأوضاع الحالية، خاصة وأن الحكومة غير قادرة على حل مشكلة البصرة التي تشهد تظاهرات مليونية لانعدام الخدمات مثل الماء والكهرباء والوظائف، فكيف بها تحل مشكلة كركوك المستعصية، والتي تتحكم بها أهواء الأحزاب الدينية والمليشيات من جهة والأحزاب العشائرية والعائلية من جهة أخرى.
تبقى الزيارات بين حكومة الإقليم وبغداد يسودها الطابع البروتوكولي ولا تحمل أجندات فعلية وواقعية، قائمة على النزاهة والموضوعية والعدل بعيداً عن فساد الأحزاب المتحكمة بمصير العراق.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة