الخطر حول الجميع.. لماذا لا يهتم الناس بقضايا البيئة؟
يأتي اليوم العالمي للبيئة كل عام مع سؤال مهم، ألا وهو: لماذا لا يهتم الناس بالقضايا البيئية؟
تقول الأسطورة إنّ البترول أنقذ الحيتان من صائديها الذين كانوا يخرجون لصيدها لأيام وأسابيع وربما شهور، نعم، كان زيت الحوت مصدرًا مثاليًا للوقود، لكن في أحد الأيام، جاءت مجموعة من البشر حاملين معهم زيتا آخر، أسود اللون، كان ذلك في الليل، حينما نفد زيت الحوت من المدينة، واستخدموا هذا الزيت الأسود لإنارة مصابيح المدينة، رويدًا رويدًا، عُرف الزيت، وذاع صيته، ورأى البشر فيه المنقذ؛ حتى أطلقوا عليه اسم "الذهب الأسود"، وانطلق عصر الثورة الصناعية، لاحظ الإنسان أنّ هذا النفط، وإن كانت فوائده كثيرة جدًا، إلا أنّ الإفراط في استخدامه، قد ساهم في رفع درجة حرارة الكوكب، وترتب على ذلك العديد من المشكلات البيئية.
اندلعت العديد من الاحتجاجات من الناشطين البيئيين، ودعمهم في ذلك العلماء الذين خرجوا بأبحاث علمية توثق الضرر الحاصل للبيئة، واستجاب صناع القرار، وصاروا يجتمعون في كل عام عدة مرات لمناقشة القضايا البيئية وإيجاد حلول لها. لكن حتى يومنا هذا، نجد أناسا كثيرين لا يهتمون بالبيئة، ينجرفون وراء أحدث الأفلام الترفيهية، لكن لا يهتم أغلبهم بفيلم وثائقي يُناقش قضية بيئية.
لماذا لا يهتم الناس بالقضايا البيئية؟
منذ أن وُجد الإنسان على الأرض، وهو يتفاعل مع البيئة، توّفر له احتياجاته من الحياة، ويتغذى منها، يستمتع بها؛ فما الذي حصل حتى صار مهملًا لها هكذا؟ حسنًا، في الحقيقة هناك العديد من الأسباب، من ضمنها:
تتكلف أموالًا
إصلاح ما تم إفساده يتكلف أموالًا باهظة، وهذا أمر طبيعي؛ ففي مؤتمر الأطراف السابع والعشرين COP27، انطلاق صندوق الخسائر والأضرار، المخصص لتمويل الدول التي عانت من خسائر نتيجة التغيرات المناخية، والذي تُموله أكثر الدول المتسببة في انبعاثات غازات الاحتباس الحراري. من جانب آخر، تُنادي العديد من المبادرات والمنظمات المعنية بالقضايا البيئية بالتبرع لصالح البيئة؛ ولتعزيز الاستدامة، وفي هذه الحالة، يُدير كثير من الناس ظهورهم للبيئة، غير عابئين بتلوث البيئة، وإن كانوا سببًا فيه.
لكن مهلًا، هناك جانب آخر في الكواليس لا يُدركه أغلب الناس. ألا وهو الخسائر الناتجة عن التلوث والتغيرات المناخية. لنأخذ الفيضانات مثالًا، عندما يحصل فيضان قوي؛ نلاحظ في المشهد أرواحًا تُزهق وماشية تنفق، ومباني تنجرف، ومحاصيل تموت. وتحتاج الدولة إلى أموال كثيرة؛ لتعويض كل هذه الخسائر.
لكن، ماذا إذا أنفق البشر في سبيل الانتقال إلى أسلوب حياة مستدام؟ ستصبح الحياة رائعة. ليس ذلك فقط، بل يعم الخير أيضًا، ويستطيع البشر جني أموالًا طائلة من ذلك؛ فوفقًا لـ"منتدى الاقتصاد العالمي"، إذا صبت الشركات الكبيرة والبلاد اهتمامها نحو البيئة والاستدامة، يمكنهم توفير الأموال بل ويمكنهم تحصيل ما يزيد على 10 تريليونات دولار سنويًا من الأعمال المستدامة، بالإضافة إلى توفير 395 مليون وظيفة جديدة بحلول العام 2030.
لماذا أهتم أنا؟
نعم، إنها عقلية القطيع، التي تجعل الناس لا يهتمون بشيء وإن كان مهمًا، في نفس الوقت، قد يصبون اهتمامًا كبيرًا نحو قضية لن تؤثر على حياتهم، قلما تجد شخصًا مهتمًا بالبيئة، وعند محاولة نشر الوعي بين الناس، تظهر عبارات مثل: "لماذا أنا؟ اهتم أنت". لا يُدرك أغلب الناس أنّ البيئة قضية البشرية كلها. يتجاهلون المخاطر المحدقة بهم، وهذا يتفق مع فكرة القطيع الأناني، التي صاغها عالم الأحياء التطورية "هاملتون" في العام 1973 في مقاله الشهير "هندسة القطيع الأناني"، الذي يضع فيه فكرة أنّ الإنسان يميل للانضمام إلى مجموعة ما وتبني أفكارها من أجل الحفاظ على نفسه. وهذا ما يفعله الإنسان الآن، إنه يتجاهل استغاثة الطبيعة؛ اعتقادًا منه أنه هكذا يُحافظ على نفسه وأمواله.
الخطر بعيد
تُخبرني صديقتي الباكستانية أنهم يعيشون في حالة تأهب للخطر دومًا؛ بسبب الفيضانات الشرسة التي تباغتهم من حين إلى آخر، وأنا على الجانب الآخر، في مصر، أعيش حياتي بسلاسة، لم أرَ من قبل قط ما يسمونه بالفيضان، ربما كان يعاني منه السابقون؛ بسبب فيضان نهر النيل قبل بناء السد العالي في أسوان، لكن عند مقارنة الاستقرار الداخلي لدي ولدى صديقتي، أجد أنني أكثر استقرارًا، لست متأهبة لأي خطر، ببساطة لأنّ الخطر بعيد عني! رغم اطلاعي على أبحاث البيئة والمناخ باستمرار، إلا أنني أندهش في كل مرة أستمع فيها لحالة إنسانية تأثرت حياتها بشكل ما؛ بسبب التغيرات المناخية أو التلوث البيئي المحيط بها. عزيزي، ربما يكون الخطر بعيدا عني وعنك، لكنه قادم في وقت ما.
ليس الآن
قد تسمع عبارات مثل: "لم تغرق المدن الساحلية بعد"، "إنها توقعات علماء للمستقبل، ليس الآن"، "ما زالت الأرض قابلة للحياة". كل هذه العبارات توحي بالتسويف، تسويف الاهتمام بالبيئة، ما دامت صامدة حتى الآن، ونحيا فوقها بلا مبالاة، غير مهتمين بما ينتظر أبناؤنا في المستقبل. وأغلبهم لا يعلمون أنّ ناقوس الخطر دقّ منذ فترة طويلة، لكن ربما لم يسمعه الجميع.
لا وقت للطبيعة
عزيزي إنسان القرن الحادي والعشرين، إنسان عصر السرعة والتقدم التكنولوجي المذهل، هل تتفضل وتترك هاتفك قليلًا من أجل الطبيعة؟ الإنسان لديه 24 ساعة في اليوم، يمضيهم بين كسب الرزق والتعلّم، وبالطبع تحظى العائلة والأصدقاء ببعض الوقت، لكن لا يملك نفس الإنسان أي وقت للطبيعة أو تدعيمها.
لكنني عاجز حقًا
يشعر الإنسان أنه عاجز أمام إحداث تغيير، خاصة في القضايا المهمة مثل البيئة؛ فيرفع يديه تمامًا، ظنًا منه أنها واقعية، نعم، لا يستطيع الإنسان تغيير الكون بمفرده، لكن ربما يبدأ التغيير بمبادرة.
فقدنا الطبيعة
غالبًا ما يعيش أغلبنا داخل المنزل أو يعمل في المكتب، قلما يقضي الناس وقتًا ولو كان بسيطًا مع الطبيعة، ما جعل انتماءه النفسي إليها يقل يومًا بعد يوم، رغم أنّ قضاء ساعتين فقط كل أسبوع في الطبيعة مهم لصحتنا ورفاهيتنا، وفقًا لدراسة منشورة في دورية "ساينتفيك ريبورتس" (Scientific Reports) في يونيو/حزيران 2019.
تذكير
تنطلق فعاليات اليوم العالمي للبيئة في يوم 5 يونيو/حزيران من كل عام، وهو اليوم الذي أدرجته الأمم المتحدة من أجل إحياء القضايا البيئية، ونشر الوعي بين الناس بضرورة الحفاظ على البيئة والمخاطر التي تهددها، في محاولة للحفاظ على أرضنا من الضياع، وحفظ أنواعها من الانقراض. إنه يوم الإنصات لهموم الطبيعة وجروحها.
aXA6IDMuMTQ1LjY2LjEwNCA= جزيرة ام اند امز