لماذا يجب أن يأتي قطاع الصحة على أولويات COP30؟

وجود الصحة على أجندة العمل المناخي ضرورة لا بد منها، خاصة مع تسارع التغيرات المناخية التي قادت إلى ظاهرة الاحتباس الحراري، وانتشار العديد من الأمراض التي تنال من الإنسان.
في أغسطس/آب 2022، اندلع فيضان باكستان الشهير الذي تسبب في زهق أرواح أكثر من 1700 مواطن باكستاني، وتأثرت حياة ما يُقدر بنحو 33 مليون شخص، إضافة إلى خسائر اقتصادية تجاوزت 30 مليار دولار.
ولم يتوقف الأمر عند هذا الحد؛ إذ انتشرت العديد من الأمراض بعد الفيضان، وهذا أمر طبيعي بعد كارثة كهذه؛ حيث تنهار البنية التحتية الصحية، ويزداد الازدحام في الملاجئ، وتختلط مياه الصرف الصحي مع مياه الشرب، ما يُصعب الوصول إلى مصادر المياه النظيفة. كل تلك العوامل تقود إلى تفشي الأمراض وانتشار العدوى في المناطق التي تعرضت لفيضانات.
- رئيس مركز تغير المناخ المصري يكشف أسباب موجة الحر وتأثيرها على الزراعة (حوار)
- رسائل رئيس COP30.. العالم يواجه أزمة المناخ من قلب الأمازون
وفي حالة فيضان باكستان، سجلت الملاريا معدلات إصابة مرتفعة؛ نتيجة المياه الراكدة التي وفرت بيئة مثالية لتكاثر البعوض الحامل للمرض، كما انتشرت الأمراض الجلدية والتيفوئيد والكوليرا وحمى الضنك وغيرهم.
وبرزت أهمية دمج الصحة في العمل المناخي؛ خاصة مع تسارع التغيرات المناخية التي قادت إلى ظاهرة الاحتباس الحراري، ومع الحرارة المرتفعة، تنتشر العديد من الأمراض التي تنال من القلب والدورة الدموية لجسم الإنسان، وكشفت العديد من الدراسات عن أنّ كبار السن والفئات السكانية المهمشة يعانون صحيًا بسبب موجات الحر، التي زادت وتيرتها تزامنًا مع الاحترار العالمي.
الصحة أولوية
لأول مرة، ظهرت الصحة على أجندة مؤتمر الأطراف المعني بتغير في دورته الثامنة والعشرين (COP28)، والذي انطلق في إكسبو دبي بدولة الإمارات العربية المتحدة في نهاية 2023. وخلالها شهدنا العديد من الفعاليات الداعمة لقطاع الصحة والتي تشرح العلاقة الوثيقة بين آثار الاحترار العالمي والمخاطر الصحية المصاحبة له.
وبالفعل أثمر المؤتمر عن "إعلان COP28 بشأن الصحة والمناخ"، والذي وقعت عليه أكثر من 140 دولة، ويعترف الإعلان بالصحة كعنصر أساسي في العمل المناخي، كما يدعو إلى تعزيز إجراءات المرونة والتكيف في القطاع الصحي، وكذلك خفض الانبعاثات الناتجة عنه والتي تصل إلى 5% من إجمالي الانبعاثات العالمية، كما تضمن الإعلان تعهدات مالية بقيمة 2.7 مليار دولار من مصادر مختلفة.
بعد ذلك بعام؛ أي في 2024، انطلقت الدورة التالية من مؤتمرات الأطراف المعنية بالتغيرات المناخية في باكو عاصمة أذربيجان (COP29)، وهناك أيضًا شهد القطاع الصحي اهتمامًا واضحًا على أجندة المؤتمر، وخلاله أطلقت منظمة الصحة العالمية "تقرير COP29 بشأن المناخ والصحة"، وكانت هناك دعوة واسعة لتعزيز التمويل المناخي لقطاع الصحة.
وفي نوفمبر/تشرين للعام 2025، تنطلق الدورة الثلاثين من سلسلة مؤتمرات الأطراف المعنية بتغير المناخ (COP30) في بيليم بالبرازيل. وتبرز الصحة على أجندة المؤتمر. ويأمل الناشطون في قطاع الصحة والمناخ أن يُثمر المؤتمر عن التزامات حقيقية.
فجوات في الالتزامات
على الرغم من ارتفاع أصوات الداعمين لقطاع الصحية في المحافل الدولية المعنية بالتغيرات المناخية، إلا أنّ هناك العديد من الفجوات التي ما زالت تُشكل عائقًا أمام تحقيق التزامات حقيقية في قطاع الصحة؛ إذ لا تزال العديد من خطط المساهمات المحددة وطنيًا تُهمش قطاع الصحة، وهناك قيود واضحة في التمويل لهذا القطاع؛ خاصة في الدول النامية التي تعاني بالفعل من نقص في تمويل الرعاية الصحية، وتأتي التغيرات المناخية بمشكلات أكبر تزيد الضغط على قطاع الصحة؛ إذ يتطلب قطاع الصحة التكيف مع التغيرات المناخية؛ خاصة وأنّ البنية التحتية للمستشفيات ومراكز الرعاية الصحية تتأثر بسبب الكوراث الطبيعية الناتجة عن الأحداث الطقسية المتطرفة.
وفي هذا الصدد، علقت "شويتا نارايان"، مديرة الحملات في التحالف العالمي للمناخ والصحة، قائلة لـ"العين الإخبارية": "ينبغي أن ينصبّ التركيز على ترجمة الالتزامات إلى سياسات ملموسة تحمي الأرواح".
حاجة ملحة
أشارت "جيس بيغلي" مسؤولة السياسات في التحالف العالمي للمناخ والصحة في حديثها مع "العين الإخبارية" إلى أنّ جهود التكيف في القطاع الصحي يجب أن تقترن بجهود التخفيف التي تقودها الجهات الأكثر إصدارًا للانبعاثات الدفيئة. وترى بيغلي أنّ تحقيق التكيف في القطاعات المختلفة الأخرى مثل الزراعة والصرف الصحي والتخطيط الحضري والطاقة مرتبطة بتحقيق التكيف في قطاع الصحة الذي يزداد العبء عليه نتيجة الإهمال في تلك القطاعات أيضًا؛ أي أنها حلقة متصلة ببعضها، ويجب تحقيق التكيف في جميع القطاعات للتخفيف من العبء الصحي الذي يقع على عاتق الأنظمة الصحية التي تعاني بالفعل وتتفاوت في قدراتها بين دول العالم المختلفة.
بينما بدأ COP28 بمبادرة وضع الصحة على جدول الأعمال، إلا أنّ التقدم الحقيقي في هذا القطاع لم يُحرز في COP29 كما كان مرجو فيما يتعلق بالتمويل المناخي الذي بلغ 300 مليار دولار فقط، في الوقت الذي قدرت فيه الدول النامية احتياجاتها من التمويل المناخي بنحو 1.3 تريليون دولار. ومع قلة موارد التمويل المناخي تقل احتمالية حصول قطاع الصحة على التمويل اللازم لتحقيق التكيف. وهنا تبرز الحاجة إلى دعم قطاع الصحة في أولويات COP30، الذي بالفعل أعلن عن وضع القطاع الصحي في أجندته لتعزيز المناقشات حولها في بيليم نوفمبر المقبل.
aXA6IDIxNi43My4yMTYuMTIyIA== جزيرة ام اند امز