رئيس مركز تغير المناخ المصري يكشف أسباب موجة الحر وتأثيرها على الزراعة (حوار)

شهدت معظم محافظات مصر مؤخرا موجات حر شديدة أثارت تساؤلات حول أسباب هذا الارتفاع الحاد وتأثيره على القطاع الزراعي، عصب الأمن الغذائي القومي.
وفي حواره مع "العين الإخبارية" كشف الدكتور محمد علي فهيم، رئيس مركز معلومات تغير المناخ، أسباب هذه الظواهر الجوية المتطرفة، وملامح التغيرات المناخية في مصر، وخطط المركز للتكيف مع تداعياتها، فضلًا عن توصياته للمزارعين لمواجهة موجات الحر والبرد المتزايدة.
ما أسباب ارتفاع درجات الحرارة بشكل غير مسبوق خلال الأيام الماضية؟
تشهد مصر في الأيام الأخيرة موجة حر غير مسبوقة، وصفت بأنها نتيجة مباشرة لما يعرف بـ"الكتل الهوائية الحارة دون انكسار"، وهي ظاهرة ترتبط بامتداد منخفضات جوية شبه استوائية قادمة من شبه الجزيرة العربية وشمال أفريقيا، بالتزامن مع ركود الرياح وضعف التهوية الجوية.
وهذه الظروف، إلى جانب تغيرات في نمط التيارات النفاثة في طبقات الجو العليا، أدت إلى حجز الكتل الحارة فوق الأراضي المصرية لفترات أطول من المعتاد.
وبحسب بيانات الرصد والتحليل الصادرة عن مركز معلومات تغير المناخ، فإن موجة الحر الأخيرة، التي تجاوزت خلالها درجات الحرارة حاجز الـ44 درجة مئوية في بعض المناطق، جاءت نتيجة تداخل عدة أنظمة جوية غير معتادة في هذا الوقت من العام، من أبرزها:
- امتداد المنخفض الهندي الموسمي المصحوب بكتل هوائية جافة شديدة السخونة.
- ضعف ملحوظ في التيارات العلوية التي كانت تسهم في التبريد الطبيعي للأجواء.
- تفاقم تأثير ظاهرة التذبذب الحراري (Thermal Oscillation) على نحو حاد ليلاً ونهاراً، ما تسبب في إجهاد حراري شديد للنباتات.
ما أبرز ملامح التغيرات المناخية التي رصدها المركز في السنوات الأخيرة؟
رصد المركز خلال العقدين الماضيين مجموعة من الملامح المقلقة لتغير المناخ في مصر، من أبرزها:
ارتفع المتوسط السنوي لدرجات الحرارة في مصر بنحو 0.4 – 0.6 درجة مئوية، ليصل خلال السنوات الخمس الأخيرة إلى 0.7 – 1.2 درجة فوق المعدلات الطبيعية، مع تزايد موجات الحر الشديدة والظواهر المناخية القصوى مثل السيول والعواصف الرملية والصقيع.
كما شهدت البلاد اختلالا في التوزيع المطري أثر على محاصيل حساسة كالزيتون والمانجو، وتغيرًا في توقيتات المواسم الزراعية أضر بمحاصيل استراتيجية كالقمح والذرة والطماطم والبطيخ، إضافة إلى اتساع الفجوات الحرارية اليومية مما انعكس سلبًا على العقد والإزهار.
كيف يتعامل مركز معلومات تغير المناخ مع التحديات المناخية المتزايدة؟ وهل هناك خطط أو استراتيجيات محددة للتكيّف مع هذه التغيرات؟
يعتمد مركز معلومات تغير المناخ منهجية "الاستباق والتكيّف" في مواجهة التغيرات المناخية، بهدف تقليل الخسائر وتعزيز القدرة على التكيف في القطاع الزراعي.
يشمل هذا النهج تشغيل نظام وطني للإنذار المبكر الزراعي والمناخي يغطي جميع محافظات مصر، ما يتيح رصد الظواهر الجوية المتطرفة قبل وقوعها وإبلاغ المزارعين في الوقت المناسب.
كما يعمل المركز على إعداد سيناريوهات مناخية طويلة الأجل وتقديرات دقيقة للمخاطر المناخية على القطاعات الزراعية المختلفة، إلى جانب تطوير حزم توصيات مبكرة أسبوعية وشهرية للمزارعين، بناءً على بيانات الرصد المناخي المحلي، لمساعدتهم على اتخاذ قرارات زراعية أكثر فاعلية.
هل هناك تنسيق بين المركز والجهات الدولية أو الإقليمية لمواجهة آثار التغير المناخي على الزراعة؟ وكيف تستفيد مصر من الخبرات الدولية في هذا الشأن؟
تتمتع مصر بتنسيق مباشر ومستمر مع عدد من الجهات الدولية المعنية بقضايا المناخ والزراعة، من بينها منظمة الأغذية والزراعة للأمم المتحدة (FAO)، وبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي (UNDP)، والهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ (IPCC).
وأسهمت هذه الشراكات في دعم الجهود الوطنية لمواجهة تحديات التغير المناخي، وذلك من خلال تطوير خريطة المخاطر المناخية للمحاصيل على مستوى الجمهورية، بما يتيح تحديد المناطق الأكثر عرضة للتأثر واتخاذ التدابير الوقائية المناسبة.
كما شملت أوجه التعاون تدريب الكوادر الفنية على أحدث التقنيات والأساليب العلمية في مجال التكيف مع التغيرات المناخية، مما يعزز قدرة القطاع الزراعي على الصمود أمام الظواهر الجوية المتطرفة.
ما أبرز التوصيات التي قدمها المركز مؤخراً للمزارعين لمواجهة موجات الحر أو البرد غير المعتادة؟ وهل يتم متابعة التزام المزارعين بها؟
أصدر مركز معلومات تغير المناخ مجموعة من التوصيات العاجلة لمواجهة موجات الحر غير المعتادة، بهدف الحد من الخسائر وتقليل التأثيرات السلبية على المحاصيل.
وشملت هذه التوصيات تعديل مواعيد وأساليب الري، بحيث يتم الري في ساعات الفجر وقبل الغروب أو التحول إلى الري الليلي، لتقليل معدلات التبخر والحفاظ على الرطوبة حول النباتات.
كما أوصى المركز بتأخير مواعيد الزراعة لبعض المحاصيل الصيفية الحساسة مثل البطيخ والذرة، وتقليل التسميد الأزوتي مؤقتًا خلال فترات الحرارة الشديدة.
وأكدت التوصيات على أهمية استخدام مستخلصات طبيعية مضادة للإجهاد الحراري، وتوفير التظليل المؤقت للنباتات الصغيرة أو داخل الصوب والمحميات، للحد من الضرر الناتج عن الإشعاع الشمسي المباشر.
وتتم متابعة التزام المزارعين بتنفيذ هذه الإرشادات عبر فرق الإرشاد المناخي والمناوبات الميدانية، إلى جانب شبكة من الباحثين الميدانيين، وتطبيقات للتواصل المباشر مع الجمعيات الزراعية، فضلًا عن حملات تفتيشية وتقييمات إنتاجية موسمية. ويتم رفع تقارير أسبوعية لتقييم أثر هذه الإجراءات على المحاصيل وجودتها.
كيف تؤثر موجات الحر المتزايدة على المحاصيل الاستراتيجية في مصر مثل القمح والقطن؟ وما هي السبل للتكيف مع هذا الواقع؟
يتأثر القمح بشكل مباشر خلال مرحلة الامتلاء والنضج، حيث تؤدي درجات الحرارة المرتفعة إلى تقليل الوزن الحبيبي وبالتالي انخفاض الإنتاجية.
أما القطن، فيعاني من الإجهاد الحراري خلال فترة التزهير، ما يؤدي إلى تساقط العقد وانخفاض المحصول النهائي.
وللتكيف مع هذه التأثيرات، أوصى الخبراء بعدة إجراءات، من بينها إدخال أصناف قصيرة العمر ومبكرة النضج لتفادي فترات الذروة الحرارية، وتغيير نظم الري بما يقلل من الإجهاد المائي على النباتات، بالإضافة إلى استخدام محفزات النمو والرشات الوقائية لتعزيز مقاومة المحاصيل للظروف المناخية القاسية.
الإسكندرية من أكثر المدن المهددة بارتفاع منسوب البحر. ما هي الخطط العاجلة لإنقاذ السواحل المصرية، وهل هناك نماذج ناجحة عالمياً يمكن الاستفادة منها؟
أعدّت وزارة الموارد المائية والري، بالتنسيق مع وزارة البيئة، خطة وطنية شاملة لحماية السواحل المصرية من مخاطر التغيرات المناخية وارتفاع مستوى سطح البحر.
تشمل الخطة إنشاء حواجز أمواج للحد من التآكل، وتعزيز الشواطئ بالرمال للحفاظ على توازنها الطبيعي، إلى جانب زراعة نباتات كثيفة على طول الشريط الساحلي لزيادة الحماية البيئية الطبيعية.
كما تم الاستفادة من تجارب دولية رائدة، مثل هولندا وبنغلاديش، في تطبيق حلول حماية منخفضة التكلفة وفعّالة، بما يتناسب مع طبيعة السواحل المصرية واحتياجاتها.
كيف يمكن مواجهة زحف التصحر في الدلتا والوادي، خاصة مع تملح التربة؟ وهل مشروعات مثل "حياة كريمة" تتضمن حلولاً لهذه الأزمة؟
يشمل مشروع "حياة كريمة" مكونات زراعية مهمة، من بينها إنشاء شبكات صرف زراعي مغلقة واستخدام تقنيات متطورة لاستصلاح الأراضي، بما يسهم في تحسين إدارة الموارد المائية والتربة.
كما يتم في إطار المشروع تبنّي نظم الري الحديث التي تقلل من مشكلات تملح التربة وتحافظ على جودة الأراضي الزراعية.
ويجري كذلك استخدام مخصبات حيوية وأصناف نباتية متحملة للملوحة ضمن المشاريع النموذجية، بهدف رفع الإنتاجية وتعزيز قدرة المزارعين على التكيف مع التحديات البيئية.
ما هي أحدث التقنيات التي يطورها المركز لمساعدة المزارعين على مواجهة التغيرات المناخية، مثل الزراعة الذكية أو الأصناف الجديدة المقاومة للجفاف؟
يعمل مركز معلومات تغير المناخ على دعم الابتكار الزراعي كأداة رئيسية للتكيف مع التغيرات المناخية، من خلال استنباط أصناف جديدة مقاومة للجفاف ودرجات الحرارة المرتفعة، بما يضمن استمرار الإنتاجية في ظل الظروف الجوية القاسية.
كما يجري تطوير محطات مناخية رقمية منخفضة التكلفة لتقديم خدمات الرصد والإنذار المبكر للمزارعين في المناطق النائية، ما يساعدهم على اتخاذ قرارات زراعية مدروسة في التوقيت المناسب.
ويتبنى المركز مفهوم الزراعة الذكية مناخيا (CSA)، الذي يربط بين زيادة الإنتاج الزراعي وتحقيق الاستدامة المناخية، من خلال تطبيق ممارسات وأساليب تقلل الانبعاثات وتعزز قدرة النظم الزراعية على الصمود أمام التغيرات البيئية.
لماذا تعتبر مدن مثل بورسعيد ودمياط الأكثر عرضة للغرق؟
تواجه بعض المناطق الدلتاوية المنخفضة في مصر تحديات مناخية خاصة، نظرًا لقربها من منسوب البحر، ما يجعلها أكثر عرضة لتأثيرات ارتفاع مستوى سطحه.
وتتعرض هذه المناطق كذلك لظاهرة الهبوط الأرضي الطبيعي، التي تتزامن مع التغيرات المناخية الحالية وتفاقم من حجم المخاطر.
وتُصنّف هذه المناطق ضمن البؤر الحرجة في خرائط المخاطر الوطنية، حيث يجري العمل حاليًا على تنفيذ مشروعات لتدعيمها وحمايتها، بهدف الحد من التأثيرات السلبية المحتملة على السكان والأنشطة الزراعية.
كيف تقيّمون الاستراتيجية الوطنية المصرية للتغير المناخي 2050؟ وهل توجد موازنات كافية لتنفيذها؟
تمثل الاستراتيجية الوطنية للتغير المناخي إطارًا طموحا ومتكاملا لمواجهة التحديات المناخية، إذ ترتكز على خمسة محاور رئيسية، يأتي في مقدمتها بناء القدرة على التكيّف مع الظواهر الجوية المتطرفة، وإدارة الموارد المائية بكفاءة، وتقليل الانبعاثات الضارة بالبيئة.
ولتنفيذ هذه المحاور، تم تخصيص موازنات سنوية من وزارة التخطيط لدعم المشروعات المرتبطة بالمناخ، إلى جانب الحصول على دعم دولي من مؤسسات تمويل كبرى، من بينها الصندوق الأخضر للمناخ، بما يتيح تنفيذ برامج وخطط ذات أثر مباشر على المجتمعات المحلية والقطاع الزراعي.
كيف يمكن تعزيز وعي المواطن العادي بأزمة المناخ؟ وهل ترون أن حملات التوعية الحالية كافية؟
لا يزال الوعي المجتمعي بقضايا التغير المناخي في حاجة إلى مزيد من الجهود الإعلامية والتربوية لضمان مشاركة أوسع من مختلف فئات المجتمع في مواجهة التحديات البيئية.
وفي هذا الإطار، يدعم مركز معلومات تغير المناخ حملات التوعية عبر عدة مسارات، من بينها برامج إعلامية في القنوات الريفية، وأنشطة توعوية في المدارس والمعاهد الزراعية، إلى جانب دعم حملات مجتمعية مثل حملة "المناخ مش بعيد عن بيتك" التي تهدف إلى ربط التأثيرات المناخية المباشرة بحياة المواطنين اليومية.
هل يمكن أن تصبح مصر مركزا إقليميا للطاقة الخضراء؟ وما هي معوقات التحول إلى الزراعة المعتمدة على الطاقة الشمسية؟
نعم، تملك مصر مقومات قوية تدعم التوسع في استخدام الطاقة الشمسية، إذ تُعد معدلات السطوع الشمسي في البلاد من بين الأعلى عالميًا، فضلًا عن وجود بنية تحتية واعدة في قطاع الطاقة المتجددة تتيح فرصًا كبيرة للتطبيقات الزراعية.
ومع ذلك، ما تزال هناك بعض المعوقات التي تحتاج إلى معالجة، أبرزها ارتفاع التكاليف المبدئية لبعض التطبيقات الصغيرة للطاقة الشمسية، والحاجة إلى تدريب الفنيين محليًا لضمان التشغيل والصيانة بكفاءة.
ويعمل مركز معلومات تغير المناخ على دعم التحول نحو الطاقة الشمسية في مجالات متعددة، خاصة في نظم الري الحديثة وتحلية المياه، بما يسهم في تعزيز كفاءة استخدام الموارد وتقليل الاعتماد على مصادر الطاقة التقليدية.