في مثل هذا اليوم منذ عامين، دخلت دولة الإمارات العربية المتحدة حقبة جديدة ومشرقة من تاريخها الحديث، هي حقبة الشيخ محمد بن زايد آل نهيان.
إذ انتخب حكّام الإمارات السبع في دولة الإمارات العربية المتحدة، في 14 من مايو 2022، الشيخ محمد بن زايد رئيسًا لدولة الإمارات، ليبدأ رسميًا مع هذا التاريخ، كتابة سطور تاريخ حقبة محمد بن زايد الواعدة والطموحة، والمليئة بالكثير من الثقة والأمل.
كلّ الإمارات احتفلت في ذلك اليوم بمبايعة محمد بن زايد، وهي على ثقة تامة بأنه الأمين على آمال وأحلام الإماراتيّين، والقادر على إكمال مسيرة الآباء والأجداد، وقيادة البلاد نحو المستقبل. مهمة شاقة ومسؤوليات كبيرة، لكن ليس على قائد كبير واستثنائيّ مثل الشيخ محمد بن زايد، المتسلّح أولًا بالإيمان المطلق بوطنه، وثانيًا بمسيرة حافلة مكلّلة بالإنجازات امتدت لأكثر من أربعين عامًا. والأهم من هذا كلّه، أنه يمثّل امتدادًا طبيعيًا لتاريخ وإرث والده الراحل الشيخ زايد بن سلطان، مؤسس الدولة وصاحب مرحلة التأسيس، ولإرث أخيه الراحل الشيخ خليفة بن زايد، صاحب مرحلة التمكين.
الطريق أمام محمد بن زايد لم تكن أبداً مخملية
كما كان متوقعًا، فقد كان الشيخ محمد بن زايد على قدر تلك الآمال وأكثر، فكان الاستقرار والازدهار والتقدم، هو العنوان العريض لأول عامين من حقبته، وذلك على الرغم من الظروف الصعبة التي يعيشها العالم وتمر بها المنطقة. فمَن يزور الإمارات اليوم، يستطيع أن يرى بأمّ العين، دولة حديثة متقدمة آمنة وسعيدة، تتقدم في خطًى ثابتة نحو المستقبل. والأهمّ من هذا، أنك تشعر في دولة الإمارات بالراحة والأمل والثقة، وأنك بالفعل في مكان استثنائيّ لا يشبه أيّ مكان آخر، كأنك في مكان لا حدود لأحلامك وسقف طموحاتك فيه.
الطريق أمام محمد بن زايد لم تكن أبدًا كما يتصورها البعض، مخملية ومفروشة بالورود، بل على العكس تمامًا، فقد كانت مليئة بالكثير من الصعوبات والعقبات. فقد تسلم الشيخ محمد بن زايد قيادة الدولة بعد أسابيع قليلة فقط من بدء الحرب في أوكرانيا. وهي حرب قسمت العالم إلى قسمين، وجعلته على شفير حرب واسعة، ممكن أن تتحول في أيّ لحظة إلى حرب عالمية جديدة. كما أنه كان قد بدأ حقبته، في وقت كان العالم يدخل فيه في مرحلة التعافي الآتية بعد عامين من مرحلة فيروس كورونا القاسية. بالإضافة إلى هذا كلّه، فقد كانت المنطقة في مايو 2022 تغلي على وقع سياسات الرئيس الأمريكيّ جو بايدن المتخبّطة، خصوصًا بعد توجه الأخير نحو إيران على حساب الحلفاء الخليجيّين، والتلويح بنيّة الخروج الأمنيّ من المنطقة. هذا من دون أن ننسى طبعًا حرب غزة ومآسي هذه الحرب، التي طغت على جزء كبير من العام الثاني من عهد محمد بن زايد، وما زالت مستمرة حتى كتابة هذه السطور.
من يعرف الشيخ محمد بن زايد جيدًا، يعلم أنّ الرجل يجمع في شخصيته موسوعة هائلة من الصفات الإنسانية والقيادية الحميدة. فهو قبل أيّ شيء إنسان متواضع وصادق وخلوق، صاحب طبع هادئ، كريم ويحب الخير ومساعدة الناس. يمتلك الكثير من الشهامة، وهو إنسان مثقف ومثابر ومحفّز من الدرجة الأولى، شخص يحب النجاح، صارم ويؤمن بالعمل، كما أنه شجاع ومتسامح وصاحب بصيرة ثاقبة. هذا فيما تبقى الحكمة الصفة الأهمّ التي يمتلكها الشيخ محمد بن زايد، فهو "يُعَدُ أفضل مثال للقيادة الحكيمة الواعية، ونموذجًا للقيادة الحديثة المُلهمة"، كما يقول المفكر الإماراتيّ الدكتور جمال سند السويدي في كتابه الأخير، "صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان.. إضاءات في مسيرة رجل الإنسانية".
الاستقرار، الأمن، الازدهار، الاستثمار، والشراكة
حكمة محمد بن زايد تجلّت بوضوح في السنتين الماضيتين، وذلك من خلال العديد من القرارات والسياسات الرزينة والواقعية والحاسمة التي اتخذها بثقة، وجعلته يمضي ببلاده قدُمًا نحو المزيد من التطور والازدهار، على الرغم من تراجع معظم دول المنطقة والعالم نتيجة الحروب والأزمات الراهنة. فقد اعتمد الشيخ محمد بن زايد فلسفة حكم بسيطة ومتقدمة، والأهمّ أنها فاعلة جدًا، وهي ترتكز بشكل خاص على 5 خطوط متوازية، هي: الاستقرار، والأمن، والازدهار، والاستثمار، والشراكة.
فقد أدرك محمد بن زايد مبكّرًا، أنه في سبيل تحقيق الهدف الأسمى أي ازدهار بلده وتقدّمه نحو المستقبل، كان لا بد له من أن يضع في ميزان واحد، الأمن والاستقرار في كفة، والاستثمار والشراكة في الكفة المقابلة. وعليه، فقد عمل بجدّ لتأمين الظروف الطبيعية لتقدّم بلاده وازدهارها، فعزز بشكل كبير الأمن والاستقرار الداخلي، وحاول أن يُبعد بقدر المستطاع، شرارات الفوضى والأزمات الإقليمية والدولية عن دولة الإمارات.
بحنكة كبيرة اتّبع سياسة اليد الممدودة والتسامح، وتعالى عن الكثير من الخلافات مع الجميع على حدّ سواء. وقد ساهم هذا التوجه في تهدئة الأمور في المنطقة، وصنع لبلاده مظلّة متينة تصون أمنها واستقرارها من الشرارات المتطايرة الكثيرة، الناتجة عن الأزمات العديدة في هذه المنطقة. هذا ولم يكتفِ الشيخ محمد بن زايد بذلك فقط، بل عمل أيضًا وبمسؤولية كبيرة على المساهمة في استقرار الدول الجارة والصديقة. فدعم مصر بصدق ووضوح، وقدّم لها الكثير من الدعم مرارًا وتكرارًا، كان آخرها ضخّ 35 مليار دولار في الاقتصاد المصريّ عبر مشروع "رأس الحكمة"، فبالنسبة له، فإنّ أمن مصر هو الامتداد الطبيعيّ لأمن واستقرار دولة الإمارات.
حكمة محمد بن زايد دفعته بشجاعة لاتخاذ موقف الحياد والابتعاد عن الاصطفافات في الأزمات الدولية، فكان في الحرب الأوكرانية على مسافة واحدة من الطرفين. كما أنه حاول في مرات عديدة أن يكون مصلحاً ووسيطاً محايداً بين روسيا وأوكرانيا، وهو لا يزال حتى اليوم، من أبرز دعاة السلام والمطالبين بانتهاء الحرب في أوكرانيا. أما في حرب غزة، فقد استعمل برزانة وجرأة اتفاقية السلام مع إسرائيل، للضغط قدر المستطاع على حكومة رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو، ولتقديم أكبر قدر ممكن من العون والمساعدات للفلسطينيّين الأبرياء في قطاع غزة.
في موازاة الأمن والاستقرار، استغلّ الشيخ محمد بن زايد بأفضل الطرق، العائدات النفطية لضخّ الأموال في الأسواق الداخلية، ولزيادة الاستثمار في العديد من المشاريع الحيوية في الدولة. فقام بتعزيز البنى التحتية التي تُعتبر من العوامل الأساسية للتقدم والازدهار، واستثمر في مجالات استراتيجية حديثة كالطاقة النظيفة والذكاء الاصطناعي، وهي أساسية لتعبيد طريق الإمارات نحو المستقبل.
أما الشراكة فقد بُنيت على فلسفة مفتوحة، فألهم محمد بن زايد الشباب والنساء وشرائح المجتمع الإماراتيّ كافة، ليكونوا شركاء في صناعة ازدهار وتقدّم بلادهم، بالإضافة طبعًا إلى المقيمين والمبدعين الذين كانوا شركاء حقيقيّين في قصة نجاح دولة الإمارات. خارجيًا لم تختلف كثيرًا فلسفة الشيخ محمد بن زايد، فمدّ يده إلى الجميع من دون استثناء، ووسّع مروحة شراكاته ونوّعها، فبالإضافة إلى شراكته مع دول الجوار والدول الغربية وعلى رأسها الولايات المتحدة، عزز شراكاته مع الصين والهند والبرازيل والعديد من الدول الأخرى.
محمد بن زايد: الكون يتسع للجميع
اليوم لا بد من رفع القبعة عاليًا، وتوجيه التهنئة إلى الشيخ محمد بن زايد على ما قدّمه في العامين الماضيَين من مثال للحكمة والشجاعة. فالرجل وبحكمة عالية استطاع أن يحوّل بلاده إلى واحة أمن وسلام وأمل، في منطقة تسكنها الفوضى والحروب والأخطار. نعم بحكمته جعل الشيخ محمد بن زايد بلاده واحة تنبض بالحياة، وتحوّل الأقوال إلى أفعال، لتعيش النجاحات تلو الأخرى في منطقة يخيم عليها الفشل، وتملؤها الشعارات الرنانة، ويهددها الموت في كل لحظة. ويبقى الأهم أنّ محمد بن زايد بحكمته، استطاع أن يسابق الزمن ويسبقه، وأن يتقدم ببلاده سنوات عبره، لتحسّ عند وصولك إلى دولة الإمارات، وكأنك قد انتقلت برحلة عبر الزمن من حاضر مرير إلى مستقبل يشعّ سعادةً وأملًا.
يقول محمد بن زايد، "إنّ الكون يتّسع للجميع، والتنوع مصدر للثراء، وليس سببًا للصراع، أو الاقتتال، لقد خلقنا الله متنوّعين، لكي نكمل بعضنا بعضًا، ونتعارف، ونتعاون من أجل الخير والسلام والنّماء لنا جميعًا". فهل تتخيّلون معي كيف سيكون اليوم شكل وواقع هذه المنطقة العريقة والغنية، لو كانت الأغلبية من حكامها تطبّق روح هذه المقولة، وتتمتع بالقليل من حكمة الشيخ محمد بن زايد؟
نقلا عن «المشهد»
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة