جاء منخفض الهدير الذي هطلت أمطاره الغزيرة غير المسبوقة على مختلف مناطق الإمارات بأجواء وأحداث مختلفة لم تشهدها المنطقة منذ عقود.
صاحب هذه الأجواء هدير إعلامي في مختلف المنصات الإعلامية العالمية ووسائل التواصل الاجتماعي التي ركزت على تضخيم ما تعرضت له بعض المباني، والشوارع، والمطارات خاصة في مدينة دبي ومطارها الأيقونة، وكان التناول الشعبوي خصوصا على مختلف وسائل التواصل الاجتماعي متسرعا وعجولا وسلبيا وأحيانا شامتا ومتشفيا.
وغاب عن أولئك أن كمية الأمطار التي هطلت على الإمارات في يوم واحد توازي ما يهطل على لندن في 7 أشهر في المتوسط.
ويكفي أن نتذكر أنه في فبراير/شباط 2021 تعرضت ولاية تكساس في جنوب الولايات المتحدة الأمريكية -وهي من أغنى الولايات إن لم تكن أغناها بعد كاليفورنيا، حيث في أحشائها معظم البترول الأمريكي، وعلى ظهرها أهم مناطق الزراعة الثروة الحيوانية- في هذا الشتاء ظاهرة مناخية فريدة، إذ اجتاحتها موجة صقيع غير مسبوقة وصلت إلى حد التجمد، فانهارت جميع الخدمات، تجمدت مياه الشرب، ولم تصل للبيوت، وانقطعت الكهرباء، وفقد المجتمع مصادر التدفئة، ومات نتيجة البرد وانعدام الخدمات أكثر من سبعين شخصا حسب المعلومات الأولية.
وفي الإمارات لم تنقطع الخدمات ولم يفقد أحد حياته جراء هذه العاصفة غير المسبوقة في تاريخ هذه الدولة الفتية.
دروس كثيرة خرجت بها دولة الإمارات بعد أيام من العمل الدؤوب، والمنظم الذي حفظ الأرواح، وأعاد روتين الحياة اليومية لما كانت عليه.
ولا بد أن نشير هنا إلى أن قوة الدول وكفاءة مؤسساتها تتجلى في وقت الأزمات والأحداث الاستثنائية خاصة المتعلقة منها بالتغيرات البيئة والمناخية.
في مقدمة تلك الدروس الدور الحاسم للقيادة الحكيمة في التعامل مع الأزمات، والسرعة في توجيه المؤسسات والمواطنين طوال الوقت استنادا لما لدى الإمارات من خطط استعداد شاملة مسبقة للتعامل مع الظواهر الجوية، وآليات فعالة للتنسيق بين الجهات المعنية الحكومية والقطاع الخاص والمجتمع المدني، لتحقيق استجابة سريعة ومتكاملة.
مع الأخذ في الاعتبار التواصل الفعّال مع الجمهور على مختلف المستويات بهدف توفير المعلومات الدقيقة والتوجيهات الضرورية، مما أسهم في تقليل الخوف والقلق وتعزيز الثقة بقدرة الحكومة على التعامل مع الأزمة والتصدي لجميع الرسائل السلبية المغرضة التي حاولت أن تستغل الفرصة لبث صور وفيديوهات لتأثير المنخفض الجوي على بعض الأبنية والمركبات.
لم تستطع تلك المحاولات الإعلامية في هديرها المضلل أن تنال مرادها بعد أن أعلنت مختلف الجهات الحكومية في غضون يومين عن إنجازها لتعود الحركة والتنقل إلى طبيعتها والبدء في تنفيذ توجيهات القادة في حصر الأضرار للمساكن والبنى التحتية وتخصيص ميزانية ضخمة لتعويض المتضررين، ولتعزيز إمكانيات البنية التحتية في جميع مناطق الدولة لمواجهة مثل هذه العواصف وما هو أضخم منها في عصر التغييرات المناخية غير المتوقعة.
لقد أثبتت دولة الإمارات تفوقا غير مسبوق في مواجهة التغيرات المناخية الشديدة وغير المتوقعة، فلم تتوقف الحياة، ولم تفقد الأرواح وعادت معظم المدن إلى طبيعتها قبل 24 ساعة، وعادت جميعها كما كانت قبل مرور يومين.
هنا يكون المقياس الحقيقي للتقدم، ولقوة الدولة، ولتماسك الدولة والمجتمع، وقبل كل ذلك وفوقه حكمة القيادة وسرعة القرار وفاعلية مؤسسات الدولة.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة