المرأة في وثيقة الأخوة الإنسانية.. حقوق كاملة وكرامة مصونة
نصت وثيقة الأخوة الإنسانية، التي تعد من أهم الوثائق في تاريخ العلاقات الإنسانية، على الاعتراف بسائر حقوق المرأة خاصة في التعليم والعمل.
وكما في الأديان السماوية، أعلت الوثيقة من شأن المرأة وتطرقت لوجوب تحريرها من الضغوط التاريخية والاجتماعية المنافية لثوابت عقيدتها وكرامتها، خاصة ما يتعلق بحمايتها من الاستغلال الجنسي.
كانت دولة الإمارات استضافت المؤتمر العالمي للأخوة الإنسانية في فبراير 2019، الذي شهد ولادة وثيقة الأخوة الإنسانية التي وقعها فضيلة الإمام الأكبر الدكتور أحمد الطيب شيخ الأزهر، وقداسة البابا فرنسيس بابا الكنيسة الكاثوليكية.
نص الوثيقة
ونصت الوثيقة التاريخية على حقوق المرأة الأساسية، وأهمية تحريرها من الضغوط التاريخية والاجتماعية التي تنال من كرامتها، والتصدي لكل صور الاستغلال التي تتعرض لها، خاصة الجنسي الذي يعتمد على معاملتها كسلعة قابلة للبيع.
ودعم الموقعون على الوثيقة المرأة، مشددين على ضرورة وقف كل الممارسات غير الإنسانية ضدها، بما فيها العادات التي تصطدم مع طموحها أو تبتذل من كرامتها، حتى لو تطلب الأمر سن القوانين وتعديل التشريعات.
وإلى نص وثيقة الأخوة الإنسانية التي تتعلق بالمرأة، حيث جاء فيها:
إنَّ الاعترافَ بحَقِّ المرأةِ في التعليمِ والعملِ ومُمارَسةِ حُقُوقِها السياسيَّةِ هو ضَرُورةٌ مُلِحَّةٌ، وكذلك وجوبُ العملِ على تحريرِها من الضُّغُوطِ التاريخيَّةِ والاجتماعيَّةِ المُنافِيةِ لثَوابِتِ عَقيدتِها وكَرامتِها، ويَجِبُ حِمايتُها أيضًا من الاستغلالِ الجنسيِّ ومن مُعامَلتِها كسِلعةٍ أو كأداةٍ للتمتُّعِ والتربُّحِ؛ لذا يجبُ وقفُ كل المُمارَساتِ اللاإنسانية والعادات المُبتذِلة لكَرامةِ المرأةِ، والعمَلُ على تعديلِ التشريعاتِ التي تَحُولُ دُونَ حُصُولِ النساءِ على كامِلِ حُقوقِهنَّ.
اتساق مع الإسلام
بنود الوثيقة التاريخية جميعها مستمدة من مبادئ الأديان السماوية، واتسقت نصوصها مع مبادئ الشريعة الإسلامية، خاصة ما يتعلق بحقُّ المرأة في التعليم والعمل وسائر الحقوق الإنسانية.
ولم يُغْفِل الدين الإسلامي هذا الجانب المهم والدور الفعال في حياة المسلمين، فالمرأة في المنظور الإسلامي عامة والنبوي خاصة ليست من سقط المتاع كما كان يعتبرها أهل الجاهلية.
ويستدل على ذلك بقول الرسول صلى الله عليه وسلم: "إِنَّمَا النِّسَاءُ شَقَائِقُ الرِّجَالِ" (أخرجه أبو داود)، وحثَّ النبي على طلب العلم للرجال والنساء معًا، فعَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "طَلَبُ الْعِلْمِ فَرِيضَةٌ عَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ" (أخرجه ابن ماجه).
أمَّا عن عمل المرأة ومشاركتها المجتمعية، فالسُّنَّة النبوية مليئة بالأحاديث والأخبار التي تؤيد هذا، منها: مباشرة النساء للتجارة والمعاملات المالية.
وعن عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ قال: قَالَتْ عَائِشَةُ رضي الله عنها: دَخَلَ عَلَيَّ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَذَكَرْتُ لَهُ، فَقَالَ: "اشْتَرِي وَأَعْتِقِي، فَإِنَّمَا الوَلاَءُ لِمَنْ أَعْتَقَ" (أخرجه البخاري).
وكانت أسماء بنت مخرمة تبيع العطر بالمدينة المنورة على ساكنها أطيب الصلاة وأعطر السلام. أيضا كانت النساء يشاركن في العمل الطبي والخدمي العسكري، ويقمن على تمريض الجرحى.
ويستدل على ذلك بقول أُمِّ عَطِيَّةَ الْأَنْصَارِيَّةِ رضي الله عنه: "غَزَوْتُ مَعَ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم سَبْعَ غَزَوَاتٍ، أَخْلُفُهُمْ فِي رِحَالِهِمْ، فَأَصْنَعُ لَهُمُ الطَّعَامَ، وَأُدَاوِي الْجَرْحَى، وَأَقُومُ عَلَى الْمَرْضَى" (أخرجه مسلم).
النساء بناة الأجيال
عقب إقرار الوثيقة، علق الأزهر الشريف على بنودها التي تخص المرأة وكل ما يتعلق بحقوقها وصون كرامتها والإعلاء من شأنها.
وأكد الأزهر، منارة الإسلام الوسطي في العالم، دعمه الكامل للمرأة ودورها البارز في المجتمع، معتبرا أن "النساء شقائق الرجال وبناة الأجيال وعنصر فعال في نهضة المجتمع".
وشدد على أن "المرأة أثبتت نجاحها في تولي المسؤوليات والمساهمة في دعم مسيرة التطوير وتنمية المجتمعات، لا سيما في ظل التحديات الراهنة التي تضطلع فيها بدور محوري في الحفاظ على كيان الأسرة والمجتمع".
وأشاد الأزهر، وإمامه الأكبر الدكتور أحمد الطيب، بما تقدمه المرأة في دعم عجلة الإنتاج وحفظ الأمن والاستقرار، عالِمة وعاملة ومعيلة ومربيَّة.
حقوق الأطفال وذوي الاحتياجات
لم يغفل معدو الوثيقة التاريخية حقوق أطفال العالم وتطرقوا لأهمية توفير أسس التنشئة السليمة لهم، من تغذية وتعليم ورعاية صحية ونفسية.
ونصت الوثيقة على أن حُقوقَ الأطفالِ الأساسيَّةَ في التنشئةِ الأسريَّةِ والتغذيةِ والتعليمِ والرعايةِ، واجبٌ على الأسرةِ والمجتمعِ، وينبغي أن تُوفَّرَ وأن يُدافَعَ عنها".
وشددت قيادات السلام والتعايش السلمي الذين حضروا مؤتمر "الأخوة الإنسانية" على ضرورة "ألَّا يُحرَمَ أيُّ طفلٍ في أيِّ مكانٍ من حقوقه، وأن تُدانَ أيَّةُ مُمارسةٍ تَنالُ من كَرامتِهم أو تُخِلُّ بحُقُوقِهم".
ومن البنود التي شملتها الوثيقة "ضرورةُ الانتباهِ إلى ما يَتعرَّضُ له الأطفال من مَخاطِرَ، خاصَّةً في البيئةِ الرقميَّة، وتجريمِ المُتاجرةِ بطفولتهم البريئةِ، أو انتهاكها بأيِّ صُورةٍ من الصُّوَر".
الوثيقة الدولية تطرقت أيضا لضرورة "حمايةَ حُقوقِ المُسنِّين والضُّعفَاءِ وذَوِي الاحتياجاتِ الخاصَّةِ والمُستَضعَفِينَ ضرورةٌ دِينيَّةٌ ومُجتمعيَّةٌ يَجِبُ العمَلُ على تَوفيرِها وحِمايتِها بتشريعاتٍ حازمةٍ وبتطبيقِ المواثيقِ الدوليَّة الخاصَّةِ بهم".
وعلق القاضي محمد عبدالسلام، الأمين العام للجنة العليا للأخوة الإنسانية، على اهتمام الوثيقة التاريخية بحقوق الطفل.
وقال المسؤول، خلال مشاركته في الدائرة المستديرة للحوار بين الأجيال التي عقدتها عن بُعد الشبكة العالمية للأديان من أجل الأطفال (أريغاتو)، إن شيخ الأزهر الشريف وبابا الكنيسة الكاثوليكية حرصا أن تتضمن الوثيقة بنداً يؤكد أن حقوق الأطفال الأساسية واجب على الأسرة والمجتمع.
وأضاف: "الوثيقة أكدت ضرورة ألا يحرم أي طفل في أي مكان من حقوقه وأن يدافع عنها، وأن تدان أية ممارسة تنال من كرامتهم أو تخل بحقوقهم".
وبين أن اللجنة العليا للأخوة الإنسانية توجه جزءاً كبيراً من جهودها إلى التعليم والتثقيف للأطفال، لترسيخ قيم الأخوة والتعايش والمحبة في قلوبهم، فضلا عن حرصها على التعاون مع منظمة أديان من أجل السلام واليونيسيف ومنظمة أريغاتو الدولية والمؤسسات كافة التي تعمل بإخلاص من أجل حماية أطفال العالم.
أيضا تعهدت قيادات الأزهر والكنيسة، من خلال التعاون المشترك، بالعمل على تحقيق ما تضمنته بنود الوثيقة والسعي لنشر ما جاء بها من مبادئ على كافة المستويات الإقليمية والدولية.
ودعا محبو السلام وحضور المؤتمر التاريخي إلى ترجمة نصوص وثيقة الإخوة الإنسانية إلى سياسات وقرارات ونصوص تشريعية ومناهج تعليمية ومواد إعلامية، وإيصالها إلى صناع القرار العالمي والقيادات المؤثرة ورجال الدين في العالم.
وطالب حضور مؤتمر الأخوة في أبوظبي بضرورة أن تصبح الوثيقة موضع بحث وتأمل في جميع المدارس والجامعات والمعاهد التعليمية والتربوية؛ لتساعد على خلق أجيال جديدة تحمل الخير والسلام، وتدافع عن حقوق المقهورين والمظلومين والبؤساء في كل مكان.
aXA6IDE4LjExNi44Ni4xMzIg جزيرة ام اند امز