نوال السعداوي.. "سيمون دي بوفوار" العرب والأكثر تأثيرا طوال قرن
مجلة "تايم" الأمريكية تختار نوال السعداوي ضمن أكثر النساء تأثيراً في العالم العربي خلال 100 عام، بسبب نضالها كناشطة نسوية
مع اختيارها ضمن أكثر النساء تأثيراً في العالم العربي خلال 100 عام، من جانب مجلة "تايم" الأمريكية، لا تزال الناشطة النسوية والكاتبة المصرية نوال السعداوي، من الشخصيات الأكثر إثارة للجدل بما تكتبه وتقوله في وسائل الإعلام.
وجاء اختيار السعداوي، وفقاً للمجلة، بسبب نضالها كناشطة نسوية من أجل تعزيز مكانة المرأة، خصوصا بعد اجتيازها تجربة السجن، الذي وصفته بأنه كان بمثابة "ميلاد جديد لها".
وكعادتها، لم تشأ السعداوي أن تقتصر معاركها مع السلطة السياسية، وإنما واصلت في مقالاتها التي انتظمت في صحيفة الأهرام، معركتها مع العقل الذي يستغل الدين لتبرير الاستبداد وتعزيز الجهل، وهي المعركة التي جعلتها هدفاً لحملات استهداف معنوي، وتشيع من وقت لآخر أخبار عن وفاتها، وتُروج لها على مواقع التواصل الاجتماعي.
ولدت نوال السعداوي في 27 أكتوبر/تشرين الأول 1930، ودرست الطب، وتخرجت في عام 1955، وعاصرت التحولات الاجتماعية العميقة التي أجرتها ثورة يوليو/تموز، ومؤشرات انحيازها للفقراء.
لكن هذا الانحياز لم يمنع ابنة الطبقة الوسطى المصرية، من تبني قضايا مجتمعية كسرت الطابع البورجوازي التقليدي في تناول قضية المرأة.
وعقب تخرجها، عملت طبيبة امتياز بالقصر العيني، ثم فُصلت بسبب آرائها وكتاباتها، في عام 1954، وجاءت شهرتها الحقيقية من احترافها الكتابة مع نشر كتابها "مذكرات طبيبة" 1960، الذي تضمن مشاهداتها، وكان أقرب ما يكون ليوميات كاشفة عن بؤس الوضع الصحي لفقراء المصريين، وتضمن كذلك ما يمكن أن تهمس به الفقيرات لطبيبة تولت علاجهن في المراكز الطبيبة الريفية.
وأكدت السعداوي خطابها بوضوح في كتابها "المرأة والجنس"، الذي صدر في عام 1969، وعرف انتشاراً واسعاً في قطاعات شبابية كثيرة، ساوت بينه وبين كتابات سيمون دي بوفوار في المجتمعات الغربية.
وبلورت السعداوي خطاً مميزاً لها في الحركة النسائية المصرية، عبر ربطها بين خطاب تحرر المرأة ومعركة التحرر الاجتماعي والاقتصادي، وبدأت تعي أهمية استعمال الأدب وسيطا لنقل خطابها الثوري.
وتُرجمت أعمال السعداوي إلى لغات عالمية عديدة، بينما تم استقبالها دائماً في العالم العربي ضمن السياق الإصلاحي، كخطابات للتغير الاجتماعي أكثر من كونها نصوصا أدبية خالصة.
وتوالت أعمالها خلال تلك السنوات ومنها: "الأنثى هي الأصل" 1971، و"الوجه العاري للمرأة العربية" 1974، و"المرأة والصراع النفسي" 1975، و"امرأة عند نقطة الصفر" 1973، وراوية "الحب في زمن النفط"، وإلى الآن تتصدر أعمالها قائمة الكتب الأكثر مبيعاً في العديد من الدول العربية.
ولا تزال السعداوي بعد 65 عاماً من العمل، في مواجهة مع نمطين من التفكير؛ الأول تبنته بعض الأصوات داخل الجماعة الثقافية، والتي اعتبرت خطابها الأدبي والاجتماعي أقرب إلى النزعة الاستشراقية التي تلبي احتياجات الغرب.
ودللت تلك الأصوات على هذه القراءة بعدد الترجمات التي تحظى بها أعمالها، فضلاً عن فرص تجوالها وقيامها بالتدريس في جامعات غربية شهيرة.
أما النمط الثاني؛ فتركز في الجماعات الأصولية وثيقة الصلة بالخطاب المتأسلم، التي ترى أن كتبها تنطوي على إساءة بالغة وازدراء متعمد للأديان، لذلك تدعم دوما المطالبات بمصادرتها.
وبين هذين النمطين من القراءة، تعيش السعداوي هذه الأيام حالة من السعادة، عقب اختيارها ضمن النساء الأكثر تأثيراً عبر قرن كامل، من قبل مجلة "تايم".
وتعيد السعداوي التأكيد على مشروعها الفكري، الذي يمكن القول إن كتابها "الوجه العاري للمرأة العربية"، بلوره في نقاط رئيسية واضحة، تؤكد أن الثقافة العربية ليست وحدها الثقافة التي حولت المرأة إلى سلعة، وأن اضطهاد المرأة لا يرجع إلى الأديان، وإنما إلى النظم الاجتماعية في المجتمع البشري.
وتؤكد السعداوي في كتابات كثيرة أن في التراث العربي والإسلامي نقاطا إيجابية يجب البحث عنها وإظهارها، مع العلم بأن النساء هن من يقمن بتحرير أنفسهن، وهذا لن يتم إلا بقوة التنظيم.
وبفضل هذه الآراء، تتواصل السعداوي مع قراء جدد ما زالوا متعطشين للآراء الصادمة التي تقولها، وتيسر لهم فرصة مواجهة خطابات الانغلاق.