كما أن الصوم مراقبة لله تعالى بأداء واجب العبادة، فكذلكم أداء واجب الأمانة التي ائتمننا عليها من الأعمال التي كلفنا بها.
انقطاعنا عن مكاتبنا وأعمالنا بسبب هذا الوباء؛ لا سيما في هذا الشهر الكريم، لا يعني بحال التخلي عن واجبات العمل العامة والخاصة، فشهر رمضان هو شهر الكفاح ومجاهدة النفس في كل شيء، فكما هو عمل للآخرة خالصة من صيام وقيام وتلاوة للقرآن وذكر الله تعالى، فكذلك هو أداء للواجبات التي كلفنا بها لتسير الحياة سيراً طبيعياً من غير خلل.
فكما أن الصوم مراقبة لله تعالى بأداء واجب العبادة، فكذلكم أداء واجب الأمانة التي ائتمننا عليها من الأعمال التي كلفنا بها، لا سيما وقد وفرت لنا الدولة الحكومة الإلكترونية التي أنفقت عليها الكثير وسبقت إليها من وقت مبكر وقبل سنين استعداداً لمثل هذه الحالات الطارئة، فحققت فيها سبقاً فريداً متميزة به عن كثير من الدول، فجاء وقت حصاد ما أنفقته اليوم بنجاح باهر منقطع النظير، ولولا توقف السياحة والتواصل الدولي لم نكن نشعر بشيء من هذه الأزمة إلا من أصيب، فلنحمد الله تعالى على ما أولانا من النعم ولنؤدِ شكرها ببذل الواجبات العامة والخاصة، وإلا كنا مسؤولين عنها يوم القيامة.
فضل قراءة القرآن في رمضان
القرآن الكريم تنزل في هذا الشهر العظيم خاصة وفي ليلة القدر منه بأخص الخصوص، فهو شهر القرآن وموسمه عند الملك الديان، ولذلك كان جبريل عليه السلام يتنزل فيه ليتدارسه مع النبي عليه الصلاة والسلام كما روى البخاري ومسلم من حديث ابن عباس قال: "كان رسول الله صلى الله عليه وسلم أجود الناس، وكان أجود ما يكون في رمضان حين يلقاه جبريل، وكان يلقاه في كل ليلة من رمضان فيدارسه القرآن".
فالرسول الله صلى الله عليه وسلم أجود بالخير من الريح المرسلة، فلم يكن جبريل عليه السلام ينزل لهذه المهمة في غير هذا الشهر، لأن فيه ذكرى تنزله، كما قال الله تعالى: "شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ" [البقرة: 185] فدل على أنه يتعين على المسلم أن يكون له في هذا الشهر وضع خاص مع القرآن الكريم، فيجعله نصب عينيه قراءة وتدبراً ليلاً ونهاراً، حتى ينال نصيباً من الهدى الذي جاء بها.
كما أن الصوم مراقبة لله تعالى بأداء واجب العبادة، فكذلكم أداء واجب الأمانة التي ائتمننا عليها من الأعمال التي كلفنا بها.
وأشارت إليه الآية الكريمة، وينال عظيم الأجر بقراءته فإن له بكل حرف عشر حسنات ومضاعفة الحسنات في هذا الشهر لا تخفى فإن النافلة فيه كالفرض في غيره، والفريضة كسبعين فريضة فيما سواها، ولأجل هذا كان المستحب استحباباً مؤكداً قراءته كله في التراويح، بحيث إنه إن لم يستطع الازدياد منه فلا أقل من قراءته أو سماعه في صلاة التراويح، وبذلك يكون متأسياً بنبيه المصطفى صلى الله عليه وسلم.
الصوم مع ما نحن عليه من الحجر الصحي لا يختلف عن الصوم في غيره؛ فإن الصوم هو الإمساك عما يدخل الجوف من طعام وشراب وعن الجماع من طلوع الفجر إلى غروب الشمس بنية مبيتة من الليل، فهو إمساك عن المفطرات وهذا الإمساك يكون في الحجر الصحي كما يكون في غيره، إلا أن الحجر الصحي جعل صيامنا أكثر صفاء ونقاء لعدم تعريضه في الغالب لما يجرح الصوم بشيء من المحرمات كالكلام المحرم من كذب وغيبة ونميمة ونظر محرم وسماع لما يحرم استماعه، ونحو ذلك مما يكون بسبب الاختلاط غالباً، فإن هذه الأمور تجعل الصوم غير كامل ولا ينال عندها الصائم التزكية بالتقوى التي يتحلى بها الصائم بسبب صومه.
فقد قال صلى الله عليه وسلم: "من لم يدع قول الزور والعمل به فليس لله حاجة في أن يدع طعامه وشرابه"، كما أخرج البخاري من حديث أبي هريرة رضي الله عنه، وكما قال محمد بن الحنفية بن علي بن أبي طالب وجابر بن عبد الله رضي الله عنهم: "ليصم سمعك وبصرك، ولسانك، وبدنك، فلا تجعل يوم فطرك مثل يوم صومك، واتق أذى الخادم".
فلزوم البيت أصون للصوم وهذا من إيجابيات الحجر الصحي الذي نعيشه.
صلاة التراويح هي قيام رمضان الذي ندب إليه النبي عليه الصلاة والسلام بقوله: "من قام رمضان إيماناً واحتساباً، غفر له ما تقدم من ذنبه" وقوله عليه الصلاة والسلام: "من صام رمضان وقامه إيماناً واحتساباً غفر له ما تقدم من ذنبه"، فالقيام هذا يكون فرادى ويكون جماعة، ويكون في المسجد ويكون في البيت على حد سواء، فينبغي للناس ألا يتأثروا كثيراً بفقدهم صلاة التراويح في المساجد كما كانوا قد اعتادوه في كل السنين، فإن الحريص على القيام لا يمنعه من ذلك شيء حتى ولو كان في بيته أو في سيارته وهي تمشي، فإنها صلاة نافلة فتصح على أي حال.
بل إن النبي عليه الصلاة والسلام قد ندب إلى أن تكون النوافل في البيت مطلقاً لا سيما التراويح كما روى البخاري ومسلم من حديث زيد بن ثابت: "أن رسول الله صلى الله عليه وسلم اتخذ حجرة - قال: حسبت أنه قال من حصير - في رمضان، فصلى فيها ليالي، فصلى بصلاته ناس من أصحابه، فلما علم بهم جعل يقعد، فخرج إليهم فقال: "قد عرفت الذي رأيت من صنيعكم، فصلوا أيها الناس في بيوتكم، فإن أفضل الصلاة صلاة المرء في بيته إلا المكتوبة" أي الفريضة، فإن الأفضل أن تكون في المساجد، وقال عليه الصلاة والسلام: "لا تجعلوا بيوتكم قبوراً" أي مهجورة من الصلاة، فليحرص الناس على أداء هذه النافلة بحسب ما تيسر لهم مع أهليهم حتى ينشطوا لأدائها ويتعودوها ولا يفوتهم فضلها.
وبذلك يكون قد أمر أهله بالصلاة ورباهم عليها وحبذها لهم، بفعله أمامهم فإن التعليم بالتطبيق أكثر نفعاً من القول وأعلق بالذهن، وهو مما أمرنا به الذكر الحكيم كقوله تعالى: "وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلَاةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا لَا نَسْأَلُكَ رِزْقًا نَحْنُ نَرْزُقُكَ وَالْعَاقِبَةُ لِلتَّقْوَى" [طه: 132].
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة