سيسهم المجلس العالمي للأقليات المسلمة في تنوير الجاليات المسلمة بحقوقهم وواجباتهم تجاه البلد الذي يجمعهم بباقي المواطنين
تشكل الأقليات المسلمة في المجتمعات غير الإسلامية ظاهرة اجتماعية وثقافية تحتاج إلى تفكيك عميق وتحليل للبنية السلوكية لهذه المجتمعات لما تطرحه من تحديات كبرى سواء بالنسبة للدول التي تنتمي إليها هذه الأقليات أو الدول المصدرة والمستقبلة للجاليات المسلمة، على السواء.
وتكمن أهمية الطرح بالنسبة إلى متخصص في التنظيمات التكفيرية في كون، هذه الأخيرة، تُقسم العالم إلى دار الإسلام، حيث تعلو أحكام الشريعة، ودار الكفر والحرب، حيث تُهين الشرائع والقوانين غير الإسلامية، وبالتالي تقع المجتمعات التي تعيش فيها الأقليات المسلمة تحت مقصلة التكفير وإباحة الدماء والأعراض والأموال، انطلاقا من تأويلات شاذة للنصوص الدينية وتطويع مشبوه للآيات القرآنية من طرف الجماعات التي تدعي أنها تنتمي للتيار "السلفي الجهادي".
يمكن اعتبار فكرة إنشاء المجلس العالمي للأقليات المسلمة ضرورة دينية وثقافية ستسهم في إعادة صياغة العلاقة بين الأقليات المسلمة وباقي مكونات دول الاستقبال والانتماء بالشكل الذي يضمن حقوقهم المشروعة داخل هذه الدول
وهنا نجدنا نلتقي مع ما طرحه الدكتور محمد البشاري، أمين عام "المؤتمر الإسلامي الأوروبي"، من أن "الشباب العربي والأوروبي يبحث عن الفتوى في 20 موقعاً يشرف عليها متشددون، وأن "الجماعات الإرهابية، خصوصاً داعش، تراهن على هذه الأقليات"، موضحاً، في الوقت نفسه، أن "الأقليات المسلمة هي العقدة، وهي المساحة التي تعمل عليها الجماعات الإرهابية.. والدليل على ذلك أن أكثر من نصف مقاتلي تنظيم داعش الإرهابي، من عام 2014 حتى 2016، من أبناء الأقليات المسلمة، وعددهم 25 ألف مقاتل من أوروبا وروسيا والهند، خصوصاً أن ثلث الأمة الإسلامية يعيش خارج العالم الإسلامي، لذلك يجب على المجامع والمؤسسات الرسمية أن تعمل بالفعل على الأقليات، بتحصينهم فكرياً وعقائدياً".
في الجانب الآخر يمكن أن نسجل، كمهتمين بالظاهرة التكفيرية، أن مَن يمكن أن نطلق عليهم "دول الاستقبال أو الانتماء" فشلت في تدبير منظومة الضبط الاجتماعي من خلال عدم القدرة على استيعاب الأقليات المسلمة وإدماجهم في المجتمعات الجديدة أو ضمن باقي مكونات مجتمع الدولة، وذلك من خلال تبني بعض السياسات النمطية تجاه الأقليات المسلمة والتي أسهمت في إنتاج ردات فعل عكسية شكّلت مُحفزات نفسية للارتماء في أتون الأطروحات التكفيرية والتي اكتوت بنيرانها العديد من الدول، خاصة في أوروبا.
انطلاقا من هذا التشريح الأفقي للظاهرة، يمكن اعتبار فكرة إنشاء المجلس العالمي للأقليات المسلمة ضرورة دينية وثقافية ستسهم في إعادة صياغة العلاقة بين الأقليات المسلمة وباقي مكونات دول الاستقبال والانتماء بالشكل الذي يضمن حقوقهم المشروعة داخل هذه الدول وكذا مساعدتها في عملية الضبط الاجتماعي وتفويت الفرصة على المتربصين بهذه الشريحة قصد استغلالها في عمليات تخريبية تهدد الأمن القومي لهذه الدول.
وتأكيدا لما أصلنا له، صرّح الدكتور علي راشد النعيمي، رئيس اللجنة العليا المنظمة للمؤتمر العالمي للأقليات المسلمة في المجتمعات غير المسلمة، خلال مؤتمر صحفي عقد في أبوظبي، بأن "إطلاق المجلس العالمي للأقليات المسلمة يأتي انطلاقاً من الرسالة الحضارية لدولة الإمارات العربية المتحدة الهادفة إلى نشر ثقافة السلم لتحقيق الأمن المجتمعي، وترسيخ قيم العيش المشترك والاحترام المتبادل بين شعوب العالم، وتعزيز التسامح والحوار بين أتباع الأديان، وارتكازاً على طلبات كثير من قيادات مؤسسات الأقليات المسلمة عن تلقيها الكثير من الرسائل والطلبات من شخصيات ومؤسسات تمثل الأقليات المسلمة في العالم تطالب باستحداث كيان عالمي يجمع الأقليات المسلمة". انتهى كلام الدكتور النعيمي.
في هذا السياق، يبقى من المهام الأساسية التي من المزمع أن يضطلع بها المجلس "الدفاع عن المسلمين المقيمين في بلاد غير إسلامية ومساعدتهم على إيجاد الحلول التي تهدد وجودهم داخل هذه الدول، مع الحفاظ على هويتهم الإسلامية بما يتوافق مع روح أحكام الإسلام، مع ضرورة توجيههم في الاتجاه الذي يضمن انصهارهم في مجتمعات الاستقبال والانتماء، وتقديم الإضافة الإيجابية التي يُفترض أن يتميزوا بها كسفراء للإسلام في المجتمعات غير الإسلامية".
في الاتجاه نفسه، سيسهم المجلس العالمي للأقليات المسلمة في تنوير الجاليات المسلمة بحقوقهم وواجباتهم تجاه البلد الذي يجمعهم بباقي المواطنين وضرورة التزامهم بأنظمة البلدان التي يعيشون فيها. هذا المعطى، يجد ما يبرره في كون الانتماء إلى الإسلام لا ينفي الولاء للوطن، الشيء الذي يفرض على مسلمي الأقليات ضرورة تعزيز التعايش الإيجابي مع مواطنيهم، ومعاملتهم معاملة حسنة بما يعكس حقيقة الهدي الإسلامي، حتى يتمكن الجميع من النهوض بالأوضاع الاجتماعية والاقتصادية وتحقيق مستويات مرتفعة من مؤشرات التنمية الوطنية.
وفي نفس سياقات التحليل، فإن رسائل المجلس العالمي يجب أن تصب في اتجاه اعتبار الانتماء إلى الوطن لا يعني، بالضرورة، التنازل عن الثوابت التي وضعها الإسلام أو المساس بما يمثل هوية المسلمين وممارسة شعائرهم الدينية وفق ما تفرضه التشريعات والقوانين الدولية على الدول التي تقيم فيها هذه الأقليات.
ويمكن القول، إجمالا، إن الدور المحوري الذي سيضطلع به المجلس، سيسهم في ضمان الحقوق الفردية والجماعية للأقليات المسلمة في المجتمعات غير المسلمة، من جهة، ومن جهة أخرى، سيساعد الدول التي تنتمي إليها هذه الأقليات في ضمان عملية الضبط الاجتماعي لما يخدم الأمن القومي لهذه البلدان وتحقيق السلم الاجتماعي كمطلب استراتيجي لجميع الدول الحاضنة للأقليات المسلمة.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة