غريبة هي كرة القدم، تعطي وتمنع في نفس الوقت، وغريب أيضا هذا المونديال، مثير في تفاصيله، مرهق في توقعاته، ومحزن في نتائجه، ومجنون في كل شيء.
رغم أنني كنت طفلا في الخامسة عندما شارك منتخب بلادي في مونديال 90، إلا أنني لا تزال تدور في رأسي خيالات عن أحاديث العائلة عن مباريات الفراعنة حينها، وجلوسنا لمتابعتها.. في النسخة التالية لم أكن مهتما بالكرة، لأسباب لا أتذكرها.
ذكرياتي مع كأس العالم بدأت في نسخة فرنسا 1998 التي توجت بها الدولة المستضيفة، وأزعم معرفتي بنتائج أبرز مبارياتها وتفاصيل وأحداث كل نسخة، ورغم ذلك لا أعتقد أبدا أنني عشت مونديالا مجنونا بهذا الشكل.
نتائج مفاجئة، ومباريات ممتعة ومثيرة، وانقلاب كروي كامل استطاع فيه نجوم السواد الأعظم في عالم المستديرة إذلال غطرسة القارة العجوز، الذين ملأوا الدنيا ضجيجا للمطالبة بأي شيء وكل شيء سوى كرة القدم.
بعضهم نالوا ما طلبوا، أثبت الملعب أنهم ليسوا رجالا، وأن منتخبات بلا تاريخ كروي أو إمكانيات فنية ومادية ضخمة تستطيع الفوز والتأهل على حسابهم أو التلاعب بمصيرهم.
فازت اليابان على ألمانيا الفريق مكمم الأفواه، والذي غادر البطولة في صمت من الدور الأول.. بعدها خسرت بلجيكا من المغرب، وفرنسا من تونس، وإسبانيا من اليابان، والبرتغال من كوريا الجنوبية، وكلها نتائج كان من الصعب توقعها قبل انطلاق النسخة الحالية.. كما فازت السعودية على الأرجنتين وهزمت الكاميرون البرازيل.
خسرت أوروبا جمهورها بأيديها، بعدما استعدت العرب جميعا بالإصرار على كسر ثقافاتهم، فظهرت منتخباتها في الملعب كالجسد بدون روح، وباتت كل الاحتمالات واردة في كل مباراة.
النقطة الأبرز لم تكن تحكّم نصف العالم (قارتي آسيا وأفريقيا) في تحديد من يصعد ومن يغادر فقط، لكن في السيناريوهات التي حدث بها ذلك، ولنا عبرة في منافس المغرب الذي تغير 6 مرات مثلا على مدار وقت مباراتي الجولة الثالثة بفضل أهداف اليابان وكوستاريكا.
أثبت المونديال الحالي تحديدا، أن العرب والأفارقة مظلومون في هذه المحافل الدولية، فقد أبدعوا وتألقوا عندما لعبوا في بيئتهم، ووسط جماهير تساندهم، بينما فقد المنافسون أهم ما يملكونه.. زئير مشجعيهم.
لكن إلى هنا تنتهي المفاجآت.. لا أتوقع استمرارها لأن المنطق سيفرض نفسه في النهاية.. لكن ستبقى مفاجأة واحدة واردة من وجهة نظري، هي أن يكون البطل أي فريق آخر غير البرازيل.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة