ودع منتخب ألمانيا كأس العالم 2022 على عجل، فلم يُكمل في قطر سوى 10 أيام، لعب خلالها 3 مباريات، ليخرج من الباب الضيِّق غير مأسوف عليه.
حالة من السخرية صاحبت خروج المنتخب الألماني من كأس العالم 2022، حيث صارت الصورة الشهيرة التي وضع فيها لاعبوه أيديهم على أفواههم أيقونية، تُعبر عن الحالة التي دخلوا وخرجوا بها.
خرج "الماكينات" من مونديال قطر كما دخلوا، فعلى مدار 270 دقيقة لم يعبروا عن أي شيء يتعلق بكرة القدم، وإنما كان كل ما عبروا عنه هو غضبهم من عدم قدرتهم على التعبير عما تراجعوا عن التعبير عنه بسبب بطاقة صفراء!
لم يُفكر الألمان في كرة القدم، ولم يُفكروا في عواقب هذا التفكير، فجاءهم الرد شافيًا ووافيًا وعاجلًا غير آجل، ودعوا المونديال من دور المجموعات للمرة الثانية على التوالي، وهو الأمر الذي يحدث للمرة الأولى في التاريخ.
لم يفقد منتخب ألمانيا حلم التتويج الخامس ومعادلة الرقم التاريخي للبرازيل فحسب، بل فقدوا أيضا تعاطف قطاع كبير من الجماهير العربية التي كانت تساندهم وتشجعهم، أو تحترمهم على أقل تقدير.
منتخب ألمانيا لم يكن الوحيد الذي كان متحمسا لارتداء شارة "المثلية" في دولة عربية ترفض هذا الفعل الذميم، ومع ذلك، فقد لاقت من السخرية والغضب العربي ما لم يلقه أي منتخب آخر، رغم خروج 3 منتخبات أخرى من تلك الداعمة لها، ويبدو سبب ذلك واضحا.
أحست الجماهير العربية أن ضيوفًا على أراضيها جاءوا ليحاولوا فرض ثقافتهم عليهم، والعرب وإن كانوا أكرم أهل الأرض ضيافةً، فهم أيضًا أكثرهم معرفة بأصول تلك الضيافة، وليس من تلك الأصول أن يفرض ضيفٌ على مضيفيه معتقداته وعاداته، بل ويلومهم لرفض ذلك.
توقفت المنتخبات الـ6 الأخرى عندما هددهم "الفيفا" ببطاقة صفراء، وبعيدًا عن مدى بخس ثمن القضية التي يتم إسكاتها ببطاقة صفراء، فإن توقف المنتخبات الأخرى لاقى احتراما جزئيا من الجماهير العربية، في الوقت الذي أفقد المنتخب الألماني نفسه كل احترام لدى تلك الجماهير.
الواقع أن منتخب ألمانيا لم يفقد احترام الجماهير العربية فقط، بل فقد أيضا احترام قطاع ليس بالقليل من جماهيره، الذين طالبوه بالتركيز في كرة القدم، واحترام عادات أهل الضيافة، معتبرين أن مثل تلك التصرفات "الصبيانية" لا تنم إلا عن عدم الاحترام من قبل فاعلها.
هذا التعليق لم يكن فقط من قبل الجماهير، ولكن جاء من أبرز عناصر كرة القدم أنفسهم، مثل هوجو لوريس، حارس مرمى منتخب فرنسا، الذي طالب الجميع باحترام الثقافة العربية قبل انطلاق البطولة.
وقال لوريس في كلمات شافية ووافية: "عندما نرحب بالأجانب في دولتنا نريد منهم أن يلتزموا بقواعدنا واحترام ثقافتنا، وسأفعل الشيء ذاته عندما أذهب إلى قطر، سواء كنت تتفق مع أفكارهم أم لا، فلابد من إظهار الاحترام لثقافتهم".
"من لا يحترمني لا أحترمه"، بهذه الكلمات القصيرة عبر كريستيانو رونالدو، قائد منتخب البرتغال، عن قاعدة مهمة في الحياة، في معرض هجومه على مدربه السابق في مانشستر يونايتد إيريك تين هاج، وقد كانت تلك القاعدة هي الحاكمة في علاقة الجماهير العربية مع منتخب ألمانيا.
منتخب ألمانيا فقد احترام حتى كرة القدم نفسها، التي رفضت أن تنصفه وأخرجته من المونديال بسيناريو غريب، فرغم فوزه على كوستاريكا الذي كان يكفيه حال فوز منتخب إسبانيا أو تعادله، ودع "المانشافت" بسبب كرة يابانية قاتل عليها صاحبها فأحياها بعدما كانت مواتًا، وأدرك منها ملليمترا أو أقل كان يلامس الخط، ليطرد بطل مونديال 2014 من جديد.
"الفرق التي كانت جاهزة ذهنيا وركزت على المنافسة والبطولة وليس على التظاهرات السياسية تأهلت"، لم يكن هذا رأيًا لي أو لمواطن عربي، ولكنه كان رأي الفرنسي آرسين فينجر، رئيس لجنة التطوير بالفيفا، رأيٌ عبر بوضوح عن حالة الضيق من منتخبات أرادت تحويل محفل كروي مُمتع إلى محفل سياسي مثير للجدل، أو قل إن شئت "للاشمئزاز".
انتهت رحلة ألمانيا في كأس العالم، وانتهت معها حالة من الجدل أُريد فرضها جبرًا على غير محبيها، أراد البعض إفساد محفل كروي لا يتكرر إلا مرة كل 4 سنوات، فخرجوا هم بفضيحة ستلاحقهم لنفس السنوات حتى تنطلق النسخة الجديدة من المونديال في 2026، فهنيئًا لمحبي كرة القدم بمونديال لا حديث فيه سوى عن كرة القدم.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة