حكايات مونديالية.. قانون الأخلاق الحميدة يهدي البرازيل لقب كأس العالم
انتظر منتخب البرازيل طويلا من أجل التتويج بأول لقب له في بطولة كأس العالم، رغم مشاركته في كل نسخ البطولة منذ انطلاقتها عام 1930 في أوروجواي.
ويعد منتخب البرازيل هو المنتخب الوحيد الذي سجل حضوره في كل بطولات كأس العالم على مر تاريخها، منذ مونديال أوروجواي الأول 1930 وحتى مونديال قطر 2022 المقام حاليا، والذي ودعه راقصو السامبا من ربع النهائي بالخسارة بركلات الترجيح أمام كرواتيا.
ويمتلك السيليساو الرقم القياسي في عدد مرات التتويج بلقب كأس العالم بواقع 5 ألقاب، حققها أعوام 1958 و1962، و1970 و1994 و2002.
وانتظر منتخب البرازيل حتى النسخة السادسة عام 1958 من أجل تسجيل اسمه ضمن أبطال المونديال، حيث فشل في التتويج خلال أول 5 نسخ والتي توج منتخب أوروجواي بنسختين منها (1930 و1950) وكذلك منتخب (1934 و1938) إيطاليا، بينما حصد منتخب ألمانيا نسخة 1954 في سويسرا.
ورغم حقيقة إقامة البطولة على أرض السيليساو في عام 1950، فإن أصحاب الأرض فشلوا في تسجيل اسمهم مبكرا في سجل الأبطال، حيث خسروا النهائي أمام أوروجواي بنتيجة 1-2، قبل أن يتمكنوا بعد 8 أعوام من خطف أول لقب على أرض السويد بالفوز على المستضيف 5-2.
منتخب البرازيل ومونديال تشيلي
وبعد المعاناة التي تكبدها راقصو السامبا في الفوز بأول ألقابهم في كأس العالم، فإنهم بذلوا كل جهد من أجل الاحتفاظ باللقب في النسخة التالية، التي استضافتها الجارة تشيلي في عام 1962، لا سيما أنها أقيمت في قارة أمريكا الجنوبية.
واستهل منتخب البرازيل مشواره بالفوز على المكسيك 2-0 في أولى جولات المجموعات، قبل أن يتلقى ضربة موجعة في الجولة الثانية أمام تشيكوسلوفاكيا والتي انتهت بالتعادل السلبي، بإصابة الأسطورة بيليه وخروجه من حسابات الفريق لباقي مباريات البطولة.
وجاء تألق أماريلدو وماني جارينشا وفافا ليعوض راقصي السامبا قليلا عن غياب بيليه، لا سيما الثاني الذي أسهم بمهاراته العالية وإبداعاته وقدراته في قيادة الفريق لتجاوز الأدوار التالية واحد تلو الآخر.
وأكمل البرازيليون مشوارهم في المجموعات بالفوز على إسبانيا بصعوبة في الجولة الثالثة 2-1، ثم أطاحوا بإنجلترا من ربع النهائي بالفوز 3-1، ليضربوا موعدا مع منتخب تشيلي صاحب الأرض.
وفي نصف النهائي شهدت مباراة تشيلي والبرازيل تألقا كبيرا لجارينشا، الذي سجل هدفين وقاد راقصي السامبا لتحقيق الفوز بنتيجة 4-2 والتأهل للنهائي، وأمتع كل الجماهير التي شاهدت اللقاء حتى أصحاب الأرض أنفسهم رغم حقيقة تلقيهم الهزيمة وانتهاء أحلامهم بإمكانية التتويج بالبطولة.
لكن جارينشا تعرض للطرد خلال المباراة، بعدما اتهمه أحد لاعبي تشيلي بتوجيه ضربة بالكوع إليه، وشكا هو وزملاؤه الواقعة للحكم الذي أكد في البداية أنه لم يره، قبل أن يخبره حامل الراية بأنه قام بالفعل بالأمر.
ورغم تبريرات جارينشا بأنه تعرض للكثير من الضربات والتدخلات الخشنة واللكمات خلال أحداث اللقاء فقد طلب منه الحكم مغادرة الملعب مطرودا، وهو ما يعني غيابه عن المباراة النهائية أمام تشيكوسلوفاكيا المنتخب الوحيد الذي تمكن من إيقاف البرازيل في تلك النسخة.
حملة دبلوماسية من أجل جارينشا
فكرة غياب إبداعات جارينشا عن المباراة النهائية لكأس العالم 1962 لم ترق للكثير من الجماهير من كل الفئات، وضمنهم جماهير أصحاب الأرض الذين كانوا يتطلعون لرؤية راقص السامبا في آخر وصلة إبداعية على أرضهم.
كما أن المأزق الذي كان سيواجهه منتخب السيليساو بسبب غيابه، دفع مسؤولين برازيليين لمحاولة التدخل على أعلى المستويات من أجل إيجاد حل لتلك المشكلة، ومحاولة إشراك جارينشا بأي طريقة.
وأرسل تانكريدو نيفيس رئيس وزراء البرازيل رسالة ماكرة إلى رئيس الفيفا، أشاد فيها بتنظيم البطولة، ودعاه إلى ضرورة مشاركة منتخب راقصي السامبا بكل نجومه وعلى رأسهم جارينشا، واصفا إياه بأنه "رياضي استثنائي يشهد العالم كله بانضباطه ونزاهته"، موقعا الرسالة باسم الشعب البرازيلي.
لكن المفاجأة الأكبر كانت تدخل الرئيس التشيلي خورخي أليساندري لإرضاء جماهير بلاده، حيث إنه واجه انتقادات كبرى بسبب عدم اهتمامه بالبطولة التي تنظمها دولته، وهو ما دعاه لاستغلال حزن جماهير تشيلي من عدم مشاهدة جارينشا في النهائي ومحاولة التدخل لدى الفيفا أيضا، حيث قام بتوقيع عريضة قدمها للاتحاد الدولي من أجل رفع الإيقاف عن جارينشا.
وتحت وطأة كل تلك التدخلات الدبلوماسية، اضطر الفيفا بعدها إلى تخفيض عقوبة جارينشا، وتخفيف عقوبة الطرد إلى إنذار فقط، معللا ذلك في بيان بأن نجم منتخب البرازيل "أظهر دائما أخلاقا حميدة داخل الملعب"، وهو ما دعم إصدار القرار.
وعاد راقص السامبا ذو الأخلاق الحميدة إلى نهائي كأس العالم، وقاد البرازيل للفوز على تشيكوسلوفاكيا 3-1 والتتويج بلقبها الثاني في تاريخ المونديال.
يذكر أن جارينشا اعترف لاحقا بقيامه بضرب لاعب تشيلي، مبررا ذلك بأنه تعرض لاستفزازات كبيرة من الخصم، شملت تعرضه للضرب والبصق والسب، وهو ما دعاه للقيام برد فعل لا إرادي بضرب اللاعب، موجها اعتذاره إلى الجماهير التشيلية.