أدب الاختلاف والنظرة الأصولية للتراث في ثاني أيام "الإفتاء العالمي"
أمين المجلس العالمي للمجتمعات المسلمة يقدم بحثا خلال فعاليات مؤتمر الإفتاء العالمي عن مراعاة المقاصد والقواعد في إدارة الخلاف الفقهي.
أكد مشاركون في فعاليات اليوم الثاني من مؤتمر الإفتاء الدولي الخامس الذي تستضيفه القاهرة، على ضرورة مقاطعة النظرة الأصولية للتراث، مشددين على أن الاختلاف أدب ذو أصل عتيد في شريعتنا الإسلامية.
وقال الدكتور محمد البشاري، أمين عام المجلس العالمي للمجتمعات المسلمة نائب رئيس رابطة الجامعات الإسلامية، إنه من الضروري القطيعة مع النظرة الأصولية الجامدة للتراث، مشددا على أن التراث لا يعد حكراً على ثقافة دون الأخرى، ولا يجب التعامل معه حصرا لمجتمع أو حضارة دون الأخرى.
واعتبر البشاري، في بحث قدمه خلال فعاليات اليوم الثاني من مؤتمر الإفتاء الدولي الخامس، أن الحديث عن فرز ما هو طيّب وخبيث أو أصيل ودخيل يعد إقرارا بسلطة ومثالية وأفضلية هذا التراث كإطار ومرجعية، وترسيخ لضرورة العودة إليه انطلاقا من فرضية أصولية تقول بسماوية وقدسية النص"اللاهوتي" الذي تأسس عليه التراث.
وأضاف في بحث بعنوان "مراعاة المقاصد والقواعد في إدارة الخلاف الفقهي: الإطار المنهجي": "تقتضي العقلانية عدم إعطاء التراث الديني الإسلامي حصانة أو قدسية أو أفضلية على غيره؛ لأن المآل الوحيد لمقاربة التراث بروح التعصب العقائدي والشعور بالتفوق الديني، والتميّز الهوياتي، والاستعلاء الطائفي، من خلال تحويله إلى مورد للتطرف والعنصرية والإقصاء، واحتقار الآخر والانتحار الجماعي".
وطالب بالتحرر من "النفوذ الفكري والقيمي الذي يتمتع به التطرف والأصولية الجامدة في المجتمعات؛ لإنهاء الاستعلاء الثقافي الملصق بالتراث الذي أفرز هالة واسعة من الهيمنة على العقول والضمائر"، على حد قوله.
بينما قال الدكتور محمد مصطفى الياقوتي، وزير الأوقاف السوداني الأسبق، إن خاتمية الرسالة وتمامها يقتضيان وفاءها بكل تطلعات الناس لذلك جاءت خطاباتها عامة متسامية على قيد الأمكنة والأزمان، وهي خطابات منضبطة واضحة المرادات لا التباس فيها.
وأضاف الياقوتي، في كلمة بعنوان "أثر مآلات الأفعال في الخلاف الحضاري": "لا بد من قراءة الحكم الشرعي التكليفي مع الحكم الوضعي، وإذا لم نفعل ذلك تكون هنالك إشكالات قد تصل إلى حد استحالة التطبيق".
وشدد وزير الأوقاف السوداني الأسبق على أن الظنيات لا تتقاطع مع القطعيات، ولا الجزئيات مع الكليات، قائلا: "لا يمكن أن تتقاطع مطلوبات الحكم التكليفي مع مقاصد الشريعة العامة، وإذا تُوُهِّمنا تقاطعهما فإن مطلوبات الحكم التكليفي".
وتابع: "من ينظر بدقة يجد أن المقاصد الشرعية تشتغل في 3 دوائر: التعليل، تحقيق المصالح، ومآلات الأفعال، وهي دوائر يرتبط بعضها ببعض بعرى وثيقة، بل يكمل بعضها بعضًا".
قال الدكتور محمد أحمد الخلايلة، المفتي العام للمملكة الأردنية الهاشمية: "إننا أحوج ما نكون إلى إدارة تجمع الصفّ وتوحد الكلمة وتحسن التعامل مع الأحكام المختلفة المبثوثة في كتب فقهائنا الأوائل؛ لننتقي منها ما يصلح الحال والمقال".
وأضاف في كلمة بعنوان: "الإدارة الأرشد للمذهبية الفقهية: الأصول والآليات": "أدب الاختلاف أصل عتيد في شريعتنا الإسلامية وليس هو محل خلاف أو اختلاف، ونهل الصحابة رضوان الله عليهم والسلف الصالح من معين هذا الأدب فارتشفوا من رحيقه".
ولفت إلى أن الاختلاف واقع لا محالة لعوامل متنوعة في مسائل تختلف فيها المدارك والأفهام، متابعا: "لم يقصد سلفنا الصالح الاختلاف لذاته، بل كان الهدف عند الجميع هو القصد إلى موافقة الشارع فيما قصد؛ لذا فإن المختلفين وإن اختلفوا في مسألة معينة فهم متفقون من جهة القصد إلى موافقة الشارع والوصول إلى مراده".
أكد الخلايلة أن الإدارة الأرشد للخلاف الفقهي تعد محوراً مهماً في كيفية استثمار الأحكام الفقهية المختلف فيها بين المجتهدين، بحيث يصير الخلاف أساساً في الحوار والبناء، ومظهراً أساسياً من مظاهر الحضارة الإسلامية.
وأوضح أن علماء الشريعة وضعوا قواعد مستقلة لإدارة الخلاف الفقهي، منها: علم آداب البحث والمناظرة، وعلم الخلاف، وعلم الجدل، وقاعدة مراعاة الخلاف والخروج منه، وقاعدة الاستحسان، وقاعدة المصالح المرسلة، وسوف يأتي تفصيل ذلك في المطالب الآتية بإذن الله تعالى.
وأردف: "يعدّ الخلاف الفقهي في المسائل الشرعية أمراً طبيعياً غير مستغرب، ونشأ نتيجة تفاوت البشر فيما بينهم بحسب القدرات العقلية والاستعدادات النفسية ومقتضيات الزمان والمكان واختلاف الأحوال فيما بين الناس".
وشدد الخلايلة على أن مراعاة الخلاف ليست تركاً للاجتهاد المعتبر، بل هي ضرب آخر من ضروب الاجتهاد، وهو عند كثير من الفقهاء أصل معتبر ومعتمد.
واختتم مفتي الأردن كلمته قائلا: "عملية الفتوى وبيان الحكم الشرعي عبارة عن نظام متكامل له حلقاته ووسائطه وآلياته وأهدافه، ولا بدّ له من تنظيم وإدارة حتى يؤدي الغاية المنشودة على أحسن وجه ممكن".
انطلقت فعاليات المؤتمر العالمي الخامس للإفتاء بالعاصمة المصرية القاهرة، الثلاثاء، تحت عنوان "الإدارة الحضارية للخلاف الفقهي"، وتعقده الأمانة العامة لدور وهيئات الإفتاء في العالم، بحضور وفود من كبار العلماء والمفتين من 85 دولة.