مؤتمر الإفتاء العالمي.. مطالبات بوضع نظرية لإدارة الخلاف الفقهي
المشاركون في "مؤتمر الإفتاء العالمي" يطالبون بضرورة وضع نظرية كلية لإدارة الخلاف الفقهي، لتكون بمثابة أحد أنماط تجديد الخطاب الديني.
طالب مشاركون في "مؤتمر الإفتاء العالمي" المنعقد بالقاهرة، بضرورة وضع نظرية كلية لإدارة الخلاف الفقهي، الذي يعد نمطاً جديداً من أنماط تجديد الخطاب الديني.
وقال الأستاذ الدكتور علي جمعة، عضو هيئة كبار العلماء المسلمين ومفتي مصر السابق، إن الاهتمام بوضع نظرية كلية لإدارة الخلاف الفقهي يعد نمطاً جديداً من أنماط التجديد الذي نسعى له جميعاً.
وأضاف: "رغم توجه الفقه المعاصر توجهاً حسناً نحو صياغة نظريات فقهية حديثة، فإن قضايا الخلاف الفقهي لم تحظَ حتى الآن بنظرية كلية عامة".
وأضاف "جمعة" في كلمته بالمؤتمر العالمي للإفتاء: "نحتاج إلى صياغة هذه النظرية؛ نظراً لكثرة التلاعب والتخبط الذي شاب ممارسات الجماعات المتشددة المعاصرة في قضايا الخلاف، لأنهم لم يتربوا في بيئة علمية محترمة كالأزهر الشريف، ولم يتلقوا العلم على أيدي العلماء الربانيين، ولم يتبركوا بحديث الرحمة المسلسل بالأولية، فقست قلوبهم وحولوا الخلاف، الذي هو في حقيقته مظهر من مظاهر الرحمة الإلهية بالأمة المحمدية، وسبب من أسباب السعة والمرونة، إلى سبب من أسباب الشقاق وسوء الأخلاق".
وحدد عضو هيئة كبار العلماء المسلمين عدة ضوابط للتجديد الفقهي، منها الالتزام بالأدلة القطعية، والالتزام باللغة العربية، والالتزام بالإجماع، ومراعاة المآلات واعتبارها، ومراعاة المصالح والمقاصد.
ولفت إلى أن الخلاف من الأحكام الكونية، فلا يزال الخلاف بين بني آدم من زمن نوح عليه السلام، ولم تسلم منه أمة من الأمم.
وأردف مفتي مصر السابق قائلًا: "ينبغي أن نقرر أن الاختلاف منحصر في الفروع الفقهية وبعض مسائل أصول الدين، مع الاتفاق الكامل على الأصول الدينية التي تمثل هوية الإسلام، وهو من حفظ الله تعالى وكفالته لهذا الدين، إلى أن يرث الله الأرض ومَن عليها، ولذا لم يقع اختلاف فيما هو قطعي الثبوت والدلالة؛ إذ إن أمر قبوله ضروري، كما أن الخلاف في الفروع سعة، فلا تضيق الأمة بمذهب، فإن صَعُبَ عليها أحدها أو أوقعها في حرج لجأت إلى غيره".
وشدد على أن خلاف العلماء لم يكن مظهراً من مظاهر الهوى والعناد، كما أن إقرار فكرة التوسعة بتعدد الآراء والاجتهادات من قِبَل الأئمة سلفاً وخلفاً، أمر لا يحتاج إلى دليل ولا برهان، فلسان حالهم أصرح من مقالهم، ومن ذلك ما قام به الإمام عمر بن عبدالعزيز إزاء تيار توحيد المذاهب وحمل الناس على اجتهاد واحد.
وأشار إلى أن العلماء قد وضعوا ضوابط للخلاف المعتبر، وعنى كثير منهم بذكر هذه الضوابط، وعنى غيرهم بالوقوف على أسباب خلافهم، وما كان لهذه الأسباب أن تفضي إلى نزاع بين أطرافها، أو تورث تعصباً مذهبياً مفرقاً، فإن ذلك مظهر من مظاهر الجهل بالشريعة وقواعدها، وبسيرة الأئمة وأقوالهم، وما كان اختلافهم أيضاً ليخرجهم عن التزام الأدب في تناول تلك المسائل الخلافية.
وأوضح أن الجمهور قيَّد الخلاف بالمعتبر، وهو الخلاف الذي له حظ من النظر، أي: من الدليل، فلا يلتفت إلى قول في مسألة ليس عليه دليل، أو عليه دليل ليس بقوي؛ ولذلك وضع العلماء شروطاً لجعل الخلاف معتبراً، ومتى اندرج تحت هذه الشروط اعتُبر وصح القول بمراعاته، كما أن الخلاف على قسمين منه الظاهر الجلي، ومنه ما ضعف مُدْرَكه، وينبني على كون الخلاف سائغاً ومعتبراً عدة أمور كالأدب مع المخالف وكذلك الخروج من الخلاف مستحب.
واختتم الدكتور علي جمعة كلمته قائلاً: "ليست كل مسائل علم العقيدة تعد أصولاً، فنؤكد أن الحديث عن الخلاف مرتبط ارتباطاً وثيقاً بالحديث عن القطعية والظنية في النصوص التي تثبت بها الأحكام، لا فرق إذن بين الخلاف في مسائل فرعية تنتمي لعلم الفقه، أو تنتمي لعلم العقائد، أو تنتمي لعلم الأخلاق، ما دام أن مسوغات الخلاف قد وجدت".
ومن جانبه، قال الأستاذ الدكتور الحبيب علي الجفري، رئيس مؤسسة طابة، إننا نحتاج في عصرنا هذا إلى فلسفة قبول الاختلاف وتحديد الزاوية، التي يجب أن يقبل الاختلاف من خلالها.
وأوضح أن معاناة الأمة الإسلامية من تشتيت الأوطان والصراع المفتعل والإحراج الذي نعيشه مع العالم لا يجب أن نقصرها على التطرف فحسب، بل هناك مستوى أعلى يجب أن ننتهي إليه، وهو أننا لم نواكب سرعة المتغيرات في زماننا.
وأضاف "الجفري" خلال كلمته في المؤتمر العالمي لدار الإفتاء المصرية: "الأجيال القادمة وفهمهم لمعنى الإجابة عن الأسئلة الكبرى مسؤوليتنا ويجب علينا استشعار حقيقي لكلام الله، فنحن سنسأل أمام الله عن صياغة ما نقدمه لهذا الجيل، وهذا وجه التجديد الذي نحتاجه، وهو إعداد جيل من العلماء والدعاء قادر على مواجهة الواقع شديد التعقيد ولا نترك أحدهم للنظر فيما أتيح"، مؤكداً أن لدينا من واسع الاجتهادات ما يمكن أن ننتقي ما يتناسب منه مع الزمان والمكان وفق الشرع الصحيح.
واستكمل: "في النسخة السابقة من هذا المؤتمر نبه المشاركون إلى أنه لم يتبقَ أمامنا إلا 5 أعوام إن لم نخرج من حالة شبه الغيبوبة واستيعاب ما يجرى في الواقع ونستشرف المستقبل، فلا نلوم الأجيال القادمة، وها قد مضى عام ولم يتبقَ إلا 4".
وتساءل: "ما أدوات العمل التي نحتاجها لهذا المقصد أهي فروع الفقه فحسب أم أن هناك حاجة إلى النظر لعلم أصول الفقه لاستنباط المستجدات فحسب؟".
وأكد أن علينا النظر إلى الاختلاف والانتقال إلى الحديث عن الاختلاف في مدارس أصول الفقه ووجه المناظرات ووجه الحاجة، لتكون لدينا آلة تعمل في النص ليستنبط منه الحكم بعد ذلك.
وتابع: "علينا حسن النظر في أوجه الاختلاف الأصولية، فهي مفتاح من مفاتيح القدرة على استيعاب الزمان الذى نعيشه"، واختتم قائلاً: "لب الإشكال هو نفوس أعيت أصحابها، وأسأل الله أن يرزقنا من التنبه ما نتأهل به للقيام بحق هذه الأمانة التي أثقلت السماء والأرض والجبال".
ومن جانبه قال الدكتور علي عمر الفاروق، مدير عام إدارة الحساب الشرعي بدار الإفتاء المصرية، إن من محاسن الشرع الشريف وجود خلاف فقهي بين الفقهاء في المسائل والنوازل، وليس هذا بجديد، بل هو من عصر الصحابة الكرام ومن جاء بعدهم من علماء المسلمين، وكان لذلك أكبر الأثر في كل مناحي الحياة مهما تعاقبت الأزمان واختلفت البلدان.
وأضاف "الفاروق" في كلمته بالمؤتمر العالمي للإفتاء: "للخلاف الفقهي أثر كبير في التشريع، وتتعلق به كثير من المسائل والأحكام، ولا يسع من يلي منصب القضاء أن يجهل الخلاف ومسائله وآثاره، لما للخلاف الفقهي من أثر كبير في فصل الخصومات، سواء كان الأثر على الحكم في ذاته أو على نظر القاضي عند دراسة المسألة قبل إصدار الحكم".
ولفت مدير عام إدارة الحساب الشرعي بدار الإفتاء المصرية، النظر إلى أن علماء الأمة قد اتفقوا على أن الاختلاف في الفروع الفقهية أمر مقبول لا اعتراض عليه إن وقع من أهله في محله، وبشرطه المتمثل في ترك المكابرة والهوى، وهذا الخلاف وقع بين الصحابة الكرام، رضي الله تعالى عنهم.
وعن أهمية التقنين قال فضيلته: "التقنين يعد وسيلة جيدة لتطبيق أحكام الشريعة الإسلامية، والوسائل تأخذ أحكام المقاصد ولا تتعدى حقيقة التقنين عن كونه صياغة لأحكام الفقه الإسلامي وترتيبه بطريقة جديدة تناسب تطور العصر، مما يسهل على القاضي الرجوع إلى الأحكام، كما أن ذلك يسهل على المتقاضي من الداخل والخارج التعرف عليها، ويحافظ كذلك على الوحدة القانونية في البلد الواحد".
وشدد على أنه في ظل الأحداث المستجدة والمصالح المتبادلة والاتصالات البشرية المتسارعة، ينادي العلماء المشاركون بضرورة تقنين أحكام الشريعة الإسلامية، لتسهيل العمل بها وجعلها في متناول حاجة البشرية في كل عصر، مع اعتماد القرآن والسنة المطهرة أصلاً ثابتاً، وكنوز الفقه الإسلامي مادة خصبة في التقنين لدفع مسيرة الحياة إلى الأمام، والتغلب على إشكالاتها المتجددة.
وأوضح الفاروق أن التجديد الفقهي ينبغي أن يرتبط فيه الدليل التفصيلي في استنباط الحكم الشرعي بالمقصد الكلي للشارع، فضلاً عن أن علاقة الإنسان بالمجتمع تدعونا إلى القول بضرورة الاستفادة من العلوم الاجتماعية ومناهجها في تجديد الفقه الإسلامي وصياغة منهجية تكاملية بين هذه العلوم.
ونبه كذلك على ضرورة العناية بجمع مسائل الفقه في أبواب كبرى تعرف بالنظريات الفقهية كنظرية الضمان ونظرية الضرر ونظرية العقد وغيرها، لإظهار السبق الحضاري لهذا الكنز الفقهي في تأسيس مثل هذه النظريات، مع ضرورة العناية بنماذج التجديد في تراثنا الفقهي، وكذلك إحياء منهج الاستنباط والاستدلال الذي قام عليه الفقه في عهده الذهبي.
وأكد الدكتور علي عمر الفاروق أهمية فقه المقاصد، وما يمكن أن يؤديه من أدوار إصلاحية مهمة مع ضرورة الالتفات إلى الضوابط الشرعية التي تحصن الناس من الذوبان والانفلات كما تصونهم من التحجر والجمود.
واختتم مدير عام إدارة الحساب الشرعي بدار الإفتاء المصرية كلمته، مطالباً بضرورة التغلب على المعوقات والصعوبات التي تقف في وجه عملية التقنين ما كان متعلقاً منها بالمقنن أو بيئته أو المادة القانونية، حيث إن عملية التقنين ليست مطية سهلة، الأمر الذي يستدعي بإلحاح وضع ضوابط أكثر دقة للتقنين تحكم عمليته وتضمن صحته، مع إخضاع عملية التقنين لمراجعات مستمرة تضمن مواكبة مستجدات العصر، مؤكداً أهمية الإعلام وما يمكن أن يؤديه من أدوار كبيرة وفاعلة في خدمة مقاصد الشريعة.
ومن جانبه، قال فضيلة الدكتور مجدي عاشور، المستشار الأكاديمي لمفتي الديار المصرية: "اختلاف علماء الأمة المحمدية خاصة في الفروع والمسائل الاجتهادية ميزة كبيرة، ونعمة عظيمة؛ رحمة من الله تعالى لها، وسعة في أمر حياتها وآخرتها، وسهولة في شؤون معاشها وارتياشها".
وأضاف عاشور، في كلمته بالمؤتمر العالمي للإفتاء، أن الوقوف على قواعد إدارة الخلاف الفقهي والعمل بها سمات حضارية تساعد العلماء المتخصصين في التعامل مع واقع الأمة المعاصر؛ حيث نشأ عن غياب ذلك جماعات التطرف والإرهاب والتيارات المتشددة التي تُضَيق على الناس دينهم ودنياهم.
وعن المعيار للاختلاف الفقهي المحمود وغيره من الاختلاف المذموم، أوضح فضيلته أن الأول يبني ولا يهدم، ويجمِّع ولا يُفَرِّق، ويُعَمِّر ولا يُدَمِّر، ويجعلنا نرتقي في إدارة اختلافاتنا بما فيه مصلحة الإنسان بمراعاة أحواله من حيث القوة والضعف.
ولفت الدكتور مجدي عاشور النظر إلى أن الاختلاف في الفروع والمسائل الظنية سنة كونية وضرورة حياتية وإرادة شرعية، وهو منقول ومشهور منذ زمن النبي، صلى الله عليه وسلم، قولاً وعملاً وتقريراً، ومأثور عن الصحابة والتابعين وعلماء الأمة على مر العصور.
وأضاف أن الخلاف المعتد به هو الذي يصدر من المتخصصين في علوم الشريعة، ويستند إلى الأدلة والقواعد، وينبني على أصول الاجتهاد ومدارك الأحكام، وهذا النوع يندرج تحته ما لا يحصى من المسائل.
وأوضح عاشور أن المجتهدين لم يروا أنفسهم مصدراً من مصادر التشريع، ومن ثَمَّ لم يُقدسهم أحد أو يرفعهم عن البشرية، فضلاً عن أنهم بناء متكامل مع مَنْ سبَقَهم، فلا يَدَّعون التفرد أو الانعزال أو التعالي أو الخروج عن المنهج أو المدرسة التي تربوا عليها.
وعن دور المناظرات والمؤلفات في إدارة الخلاف الفقهي، أكد فضيلته أنها قد مثلت أرضاً خصبة لتكوين الملكات وبناء الأفكار، ومجالاً واسعاً لتمرين طلاب العلم على التفقه ومراتب الأدلة وإيراد الحجج والبراهين، والتحلي بأدب العلماء وأخلاقهم في الاتفاق والاختلاف والمناظرة، والوقوف على معرفة طرق الفقه ومآخذ الأحكام والأدلة، واستعمال الأقيسة والفروق الفقهية.
ولفت عاشور النظر إلى أن الاختيار الفقهي والتلفيق وتغيير المسلك تعد من أهم الإجراءات التي قررها الفقهاء في إدارة الخلاف الفقهي في مجال التقليد والإفتاء والحكم القضائي في مرحلة ما قبل الفصل في الدعاوى.
وأضاف أن لولي الأمر في جانب السياسة الشرعية سلطة تقييد الخلاف الفقهي ورفعه بالاختيار من بين الآراء والمذاهب المتنوعة فيما يراه، محققاً للمصلحة سواء من حيث الفعل أو الترك، أو ما يتعلق بشخص الفاعل وصفته أو بزمانه أو بمكانه، ثم إلزام الجميع بهذا الاختيار وفقاً لمقتضى الصلاحية التي خولها إياه الشرع الشريف، ومن ثَم يصبح نافذاً، واجباً في العمل، رافعاً للخلاف في عين واقعته؛ امتثالاً لا اعتقاداً من جهة المخالف.
واختتم المستشار الأكاديمي لمفتي الديار المصرية كلمته قائلاً: "الفقهاء قد صاغوا آلية منظمة لإدارة الخلاف الفقهي من خلال وضع عدة قواعد أصولية وفقهية تناولت مبحثي الاجتهاد والتقليد ومتعلقاتهما وأحكام كل منهما من شأنها حفظ صفوفهم من تبادل دعاوى الاضطراب والفوضى جراء تغيير الاجتهاد في المسائل، كما قرروا عدة قواعد في خصوص الخلاف الفقهي ضابطة لإجراءاته ومسائله ومقاصده".
كما قال الشيخ الدكتور يوشار شريف داماد أوغلو، الأستاذ المساعد بجامعة أرسطو طاليس قسم العلوم الإسلامية باليونان، إن موضوع المؤتمر الذي جاء بعنوان: "الإدارة الحضارية للخلاف الفقهي" هو قضية الساعة وواجب الوقت، وهو موضوع غاية في الأهمية؛ لأن الحضارة لا تبنى بالجهل والعفوية، وإنما تبنى بالعلم والفقه، وقد أسس رسول الله، صلى الله عليه وسلم، لهذا الفقه العظيم جميع ما تحتاجه البشرية جمعاء في كل مجال من مجالات الحياة.
وأضاف أوغلو، في كلمته بالمؤتمر العالمي للإفتاء، أن موضوع الخلاف الفقهي من الموضوعات التي لا يستغني عنها عالم في أحكام الشريعة الإسلامية، فضلاً عن طلبة العلم الشرعي، ولا شك أن في عصرنا الحاضر اشتدت الحاجة إلى معرفة الخلاف الفقهي بتفاصيلها من معرفة حقيقته والمراحل التي مر بها وآدابه وكيفية التعامل معه في الساحة العلمية والدعوية كالمساجد والأوساط العلمية الأخرى، ولا توجد شريعة كشريعة الإسلام وضعت منهجاً شاملاً ومعتدلاً في عرضه ونشره بين الناس، حتى جعلت للمجتهد أجرين إن أصاب وأجراً واحِداً إن أخطأ، ما دام أنه قد بذل وسعه وقصارى جهده في استدعاء الحكم الشرعي بالضوابط الشرعية.
ولفت "يوشار أوغلو" النظر إلى أن الاختلاف الفقهي ليس وليد عصور التخلف التي مرت به أمتنا أو التفرق كما يظن بعض الناس، لأنه في الحقيقة عامل قوة وثراء للفقه والتراث، بشرط أن نحسن التعامل معه، وأنه ضرورة من ضرورات الشريعة.
وأكد الشيخ الدكتور يوشار شريف داماد أوغلو أن نشأة الاختلاف الفقهي ترجع إلى نشأة الاجتهاد في الأحكام الذي بدأ يسيراً في عهد النبي، صلى الله عليه وسلم، حيث استغنى الناس بالوحي المنزل على رسول الله، صلى الله عليه وسلم، ثم توسع ونما الاختلاف الفقهي بعد ذلك بوفاة النبي، صلى الله عليه وآله وسلم، وكذلك بانتشار الصحابة، رضوان الله عليهم، في الأمصار.
وعن ضرورة العلم بالاختلاف الفقهي وأهميته وكونه رحمة واسعة، قال الدكتور يوشار إنه من الضروري لكل باحث في الفقه أن يطلع على اختلاف الفقهاء، ليعرف تعدد المذاهب وتنوع المآخذ والمشارب، وأن لكل مجتهد أدلته التي يستند إليها في استنباط الأحكام الفقهية ومن لم يطلع على هذا الباب من أبواب العلم، فلا يعد عالماً.
وأشار الأستاذ المساعد بجامعة أرسطو طاليس قسم العلوم الإسلامية بدولة اليونان، إلى أن جهل الباحث باختلاف الفقهاء يجرؤه على ترجيح ما ليس براجح والتهاون في إصدار الأحكام والفتوى بمجرد الاطلاع على نص في الموضوع، دون أن يبحث عن نصوص أخرى ربما تخصصه أو تنسخه أو تقيده، وهذا يؤدي إلى الفوضى التي لا نهاية لها وإلى إثارة الفتنة بين المسلمين.
وعن فوائد الاختلاف المقبول قال الدكتور يوشار شريف إذا التزم الناس بضوابط الاختلاف المحمود وتأدبوا بآدابه، كانت له بعض الإيجابيات ولكنه إذا جاوز حدوده وضوابطه، ولم تراعَ آدابه فتحول إلى جدال وشقاق كان ظاهرة سلبية سيئة العواقب تحدث شرخاً في جسد الأمة، فيتحول الاختلاف من ظاهرة بناء ورحمة، إلى معاول هدم ونقمة.
وشدد على أن الاختلاف الفقهي ضرورة من ضرورات الشريعة، وهو رحمة واسعة على الأمة، ما لم يؤدِّ إلى التنازع والشجار والبغضاء، وقد اختلف الصحابة، رضي الله عنهم، من قبلنا.
واختتم "أوغلو" كلمته قائلاً: "الخلاف نوعان محمود ومذموم، فالمحمود ما كان في فروع الدين وهو مستساغ ومشروع ولا يدعو إلى القطيعة والهجر بين المسلمين، بل هو رحمة وسعة على الأمة، وهو الذي عبر عنه باختلاف التنوع، أما الاختلاف المذموم فهو الاختلاف في الأصول وربما كان قطعياً وواضح الدلالة والمخالف فيه خالف عن هوى ومكابرة، وقد عبر عن هذا النوع باختلاف التضاد".
وانطلقت فعاليات المؤتمر العالمي الـ5 للإفتاء، الثلاثاء، الذي تعقده الأمانة العامة لدور وهيئات الإفتاء في العالم، بالعاصمة المصرية القاهرة، تحت عنوان "الإدارة الحضارية للخلاف الفقهي"، وتستمر أعماله على مدار يومي 15 و16 أكتوبر/تشرين الأول الجاري، تحت رعاية الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي، وبحضور وفود من كبار العلماء والمفتين من 85 دولة على مستوى العالم.