عكست مشاركة جمهورية الهند وللمرة الثانية كضيف شرف في القمة العالمية للحكومات التي انعقدت في دبي خلال الفترة من 12 إلى 14 فبراير/شباط الحالي المكانة العالمية المرموقة التي كانت ولا تزال تتمتع بها الهند ضمن أولويات أجندة السياسة الخارجية لدولة الإمارات.
وذلك باعتبارها الدولة النموذج ذات التجارب الناجحة في المجالات الاستراتيجية التي تخدم المجتمعات، ما يرسخ مكانة القمة بوصفها الحراك الأكبر من نوعه عالمياً لاستعراض أفضل التجارب العالمية وأفضل الممارسات لخدمة تطلعات الشعوب، حيث تعد القمة الملتقى العالمي الأول للحكومات والدول والمنظمات ورواد القطاع الخاص المهتمين بقطاع صناعة المستقبل.
أهم ما يميز الشراكة بين دولة الإمارات وجمهورية الهند أنها تعتمد على مجموعة من المرتكزات، التي تجعل منها نموذجاً ناجحاً للشراكات الدولية، أبرزها الروابط الوثيقة والصداقة العميقة والإرادة السياسية المشتركة لدى قيادتَي البلدين، التي تدعم تعزيز الشراكة الشاملة في بعديها الاستراتيجي والاقتصادي والارتقاء بها قدماً إلى الأمام، وهذا ما تجسده الزيارات رفيعة المستوى بين البلدين الصديقين، وكذلك التنسيق المشترك على جميع المستويات وعبر أطر مؤسسية متنوعة.
كما تعد المشتركات القيمية والإنسانية واحدة من أبرز تلك الروابط الوثيقة بين البلدين، حيث يقدمان نموذجاً فريداً في التعايش بين الأديان والأعراق والمذاهب، فدولة الإمارات تستضيف على أراضيها أبناء ما يزيد على مائتي جنسية يعيشون في تناغم وسلام، والهند كذلك تحتضن عشرات الملايين من مختلف الديانات والأعراق، ولا شك في أن هذا النموذج يقف وراء ما تنعم به الدولتان من أمن واستقرار على المستويات كافة، ويفسر أيضاً حرصهما على تعزيز القيم الإنسانية المشتركة في احترام التنوع والتعددية الثقافية، باعتبارها تمثل منظومة القيم العالمية التي تسهم في تعزيز التعايش على الصعيد العالمي.
كما تتقارب مواقف البلدين حيال مختلف القضايا الإقليمية والدولية، ويبدو هذا واضحاً في البيانات الختامية الصادرة عقب الزيارات المتبادلة لقادة البلدين، حيث يتضح عمق التفاهم حول ملفات وقضايا حيوية مثل تسوية النزاعات والصراعات عبر الحوار، ومكافحة التطرف والإرهاب والتصدي لكل أشكال العنف والتحريض والكراهية، وأهمية التعاون الدولي في التصدي للتحديات التي تواجه العالم وفي مقدمتها التغير المناخي.
إن المصالح المشتركة، التي لا تقتصر على المصالح الاقتصادية والتجارية والاستثمارية فقط، وإنما تمتد لتشمل المصالح السياسية والاستراتيجية والأمنية أيضاً؛ فالهند قوة صاعدة يُعتَدُّ بها، ومرشحة للعب دور متزايد على الصعيدَين الإقليمي والدولي، ودولة الإمارات قوة مهمة مؤثرة في محيطها الإقليمي، وتقوم بدور فاعل في إرساء أسس الأمن والاستقرار والسلم في الشرق الأوسط وعلى الصعيد العالمي؛ وهذا الثقل الذي تتمتع به كلٌّ من الدولتين يعزِّز ليس علاقاتهما والشراكة فيما بينهما في المجالات كافة فقط، وإنما قدرتهما على تبنِّي مبادرات مشتركة تجاه مختلف قضايا المنطقة والعالم أيضاً، خاصة فيما يتعلَّق بمواجهة التطرَّف والإرهاب، اللذين باتا يمثلان خطراً يهدِّد الأمن والسلم الإقليمي والدولي.
لا شك أن العلاقات القوية والشراكة الاستراتيجية الشاملة الإماراتية- الهندية في مختلف المجالات عززت من دور البلدين في حفظ الأمن والاستقرار في المنطقة والعالم أجمع، وبدا هذا واضحاً في تبني الدولتين مواقف مشتركة فيما يتعلق بمواجهة مصادر التهديد التي تواجه الأمن والسلم العالمي، فضلاً عن التوافق بين الدولتين إزاء مختلف القضايا الإقليمية والدولية، وهو ما جعل من هذه العلاقات عاملاً مهماً في تعزيز أسس الأمن والاستقرار على الصعيدين الإقليمي والدولي، ويظهر الأثر الإيجابي للشراكة الإماراتية- الهندية على الأمن والاستقرار الإقليمي والدولي في العديد من المجالات، لعل أبرزها دعم جهود مكافحة التطرف والإرهاب، والعمل على نشر قيم السلام والتسامح، و مواصلة الجهود لنشر التجربة الإماراتية - الهندية في بناء مجتمعات يقتدى بها في محاربة الإرهاب والتطرف.
وتعكس الزيارات المتبادلة بين قيادتي دولة الإمارات وجمهورية الهند مجمل المصالح والأهداف التنموية المشتركة، وما ارتقت إليه علاقات الشراكة الثنائية، والحرص الشديد على الاستفادة من إمكانات اقتصادي البلدين الصديقين في تحقيق مكاسب تنموية مشتركة، ولاشك أن الشراكة الإماراتية-الهندية، بما تقوم عليه من توافق في الرؤى إزاء العديد من القضايا الإقليمية والدولية، تعزز من جهود التنمية والأمن والاستقرار في المنطقة والعالم، وتسهم في حل النزاعات والصراعات بالطرق السلمية، والتصدّي الحازم لقوى التطرف والإرهاب، والعمل على خلق بيئة إقليمية وعالمية آمنة ومستقرة، بما يدعم التنمية لمصلحة حاضر الشعوب ومستقبلها في المنطقة والعالم.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة