القمة العالمية للتسامح.. منصة رائدة لترسيخ الوحدة الإنسانية
لم تكن قمة التسامح 2019 سوى حلقة ضمن سلسلة من الجهود المضنية التي تبذلها دولة الإمارات المتحدة ابتغاء ترسيخ قيم التسامح وقبول الآخر
على مدار يومي 13 و14 نوفمبر/تشرين الثاني الجاري، استضافت دبي أعمال النسخة الثانية من القمة العالمية للتسامح تحت رعاية الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم نائب رئيس الدولة رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي.
وقد استهدفت القمة، التي ينظمها المعهد الدولي للتسامح التابع لمؤسسة مبادرات محمد بن راشد آل مكتوم العالمية، في نسختها الثانية التي جاءت تحت شعار "التسامح في ظل الثقافات المتعددة.. تحقيق المنافع الاجتماعية والاقتصادية والإنسانية وصولًا إلى عالم متسامح" تدشين منصة حوارية مفتوحة تتيح نقاشا فاعلا حول سُبل نشر قيم التسامح على المستوى العالمي، وترسيخ قيم الحوار البناء بين مختلف الأديان والحضارات والثقافات، الأمر الذي يمهِّد الطريق أمام تحقيق الوحدة الإنسانية التي تبحث عمَّا يجمع بين بني البشر أكثر من بحثها عن الأمور التي تفرِّقهم.
- منصة تفاعلية تعكس رؤى الشيخ زايد في القمة العالمية للتسامح
- وزير التسامح الإماراتي يشهد افتتاح القمة العالمية للتسامح بدبي
جهود دؤوبة لتعزيز قيم التسامح والتعايش السلمي
لم تكن قمة التسامح 2019 سوى حلقة ضمن سلسلة طويلة من الجهود المضنية التي تبذلها دولة الإمارات المتحدة ابتغاء ترسيخ قيم التسامح وقبول الآخر وتأسيس مجتمع يقوم على التعايش السلمي وتعزيز قيم الحوار باعتباره جسرا يربط بين جميع الأديان والثقافات والخلفيات الاجتماعية والحضارية لمختلف المكونات التي يتألَّف منها هذا المجتمع. وقد أتت هذه الجهود على شاكلة مؤسسية تمثَّلت في استحداث حقبة وزارية جديدة ألا وهي "وزارة التسامح"، وتعيين وزير دولة للتسامح لأول مرة بالإمارات في فبراير/شباط عام 2016، وذلك بهدف إرساء قيم التسامح والتعايش السلمي والتعددية وقبول الآخر فكريا ودينيا وطائفيا وثقافيا، ونبذ أي شكل من أشكال العنصرية قد يعتري العلاقات بين المواطنين والوافدين الأجانب.
وبالإضافة إلى وزارة التسامح التي تنفرد بها دولة الإمارات، هناك أيضا المعهد الدولي للتسامح، والذي جرى افتتاحه منتصف عام 2017، ليكون بمثابة مركز للفكر يُناط به إعداد الأبحاث والدراسات المتعلقة بقيمة التسامح كواحدة من أبرز القيم الإنسانية التي من الضروري ترسيخها في المجتمعات إذا ما أُريد تحقيق الاستقرار المجتمعي، وكذا الدراسات التي تتمحور حول ظاهرتي العنف والتطرف.
هذا إلى جانب إطلاق جملة من المبادرات لترسيخ قيم التسامح والتعايش السلمي لعل في مقدمتها إعلان الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان، رئيس دولة الإمارات، في منتصف ديسمبر 2018، عام 2019 عاما للتسامح يولي القدر الأكبر من الاهتمام محاور خمسة رئيسية؛ هي تعميق قيم التسامح والانفتاح على الثقافات والشعوب الأخرى المقيمة بدولة الإمارات، وترسيخ مكانة الإمارات باعتبارها "عاصمة عالمية للتسامح" من خلال المبادرات والمساهمات البحثية في حوار الحضارات.
وهناك محاور أخرى تتعلق بتعزيز "التسامح الثقافي" من خلال طرح وتنفيذ مجموعة من المبادرات الثقافية والمجتمعية، وكذا طرح تشريعات وسياسات تستهدف تعزيز قيم التسامح الثقافي والديني والاجتماعي بجانب طرح مبادرات إعلامية لتعزيز خطاب التسامح وقبول الآخر.
وبإعلان عام 2019 عاما للتسامح، استضافت الإمارات فعاليات عدة لترسيخ هذه القيمة الإنسانية لعل من بينها على سبيل المثال، استضافة دبي مطلع أبريل/نيسان الماضي ملتقى "إثراء المحتوى المعرفي في مجال التسامح" بمشاركة نخبة من المفكرين والناشرين والمبدعين والفنانين. وقد استهدف الملتقى فتح باب النقاش حول أبرز التحديات التي تجابه الإنتاج المعرفي، الكتب أو المحتوى الرقمي أو الفني أو مواقع التواصل الاجتماعي بالإضافة إلى إقامة فعاليات رياضية لعل من بينها إطلاق مسيرة "التسامح" في مارس/آذار الماضي لتكون أبرز فعاليات النسخة الرابعة لليوم الرياضي الوطني.
أجندة ثرية وتوصيات ملهمة
تضمَّنت أجندة قمة التسامح لهذا العام موضوعات ومحاور عدة أتت على شاكلة جلسات حوارية مفتوحة، وهذا ليس بمستغرب؛ إذ إنَّ الهدف الرئيسي من القمة في نسختها الثانية تمثَّل في تعزيز حوار بناء بين مختلف الأديان والثقافات والحضارات. وقد استضافت القمة نحو 3000 شخصية رفيعة المستوى من الخبراء الدوليين والمسؤولين الحكوميين وباحثين وأكاديميين ورجال دين قَدِموا من أكثر من 100 دولة لبحث الحدث كيفية تعزيــز مبــادئ التعايــش الســلمي والاحتــرام المتبــادل وتقبـُّـل الآخــر وتحقيـق الصداقـة بيـن البشـر علـى تنــوع واختــلاف أديانهــم ومعتقداتهــم وثقافاتهــم ولغاتهــم.
وشهدت القمة جلسات حوار مفتوح وورشا تفاعلية تحدَّث فيها قرابة 70 متحدثا ومحاضرا عالميا، بالإضافة إلى إقامة فعاليات أخرى كان من شأنها تعزيز المشاركة الطلابية، حيث استضافت القمة أكثر من ألف طالب جامعي، وذلك بما يعزِّز مبدأ حوار مفتوح وشامل لكل أطياف المجتمع المحلي والعالمي.
وقد ناقشت الجلسات موضوعات عدة؛ أبرزها قضية المساواة بين الجنسين وغرس السلام المجتمعي والوئام داخل المجتمعات والتسامح والاستدامة وتطوير استراتيجية الأعمال الشاملة، وبحث قضايا الشباب والمرأة وأصحاب الهمم ودور الإعلام في نشر رسالة التسامح، فضلا عن ذلك نوقش موضوع المسؤولية التي ينبغي أن تنهض بها المؤسسات في القطاعين العام والخاص لتعزيز قيم التفاعل المجتمعي الإيجابي والحوار مع الآخر.
وبالتوازي مع الجلسات الحوارية والنقاشات المفتوحة، كان الفن حاضرا وبقوة في القمة؛ إذ أُقيم معرض فني بالتعاون مع قناة ناشيونال جيوغرافيك أبوظبي وشركة The One Million Tree الأسترالية وشركة Royal 193 Silk Road Collection للثقافة والفنون الصينية ودار الفتوى من المجلس الأعلى الإسلامي الأسترالي. وشكَّل المعرض منصة مفتوحة لعرض مختلف الأعمال الفنية التي قدَّمها متطوعون من دول عدة تستهدف قاطبةً إشاعة فكر التسامح والتعايش السلمي وتعزيز دور الفن في نشر ثقافة السلام.
وقد انتهت القمة بتقديم جملة من التوصيات من أجل مجتمع إنساني أكثر تسامحا ووحدة، وتمحورت جميعها حول قيمة التسامح التي غدت أكثر أهمية من أي وقت مضى، وكذا التأكيد على دور التسامح وقبول الآخر كوسيلتين رئيسيتين لمجابهة التطرف والتأسيس لسلام دائم.
بالإضافة إلى ذلك، أكَّدت مخرجات القمة أنَّ التعليم يُعَد الوسيلة الأنجح لمنع التعصب واللبنة الأولى لنشر ثقافة التسامح، ولن يتأتَّى ذلك إلا من خلال دعم أبحاث العلوم الاجتماعية، ومحاولة إدخال نتائجها حيز التنفيذ الفعلي، وتشجيع جُل المبادرات للحد من المواقف والصور الذهنية السلبية إزاء اللاجئين. وقد دعت التوصيات الختامية أيضا إلى ضرورة توسيع مجال العمل المشترك بين دول العالم على نحو يجعله مكانا أفضل للعيش به.
وختامًا، فإنَّ القمة العالمية للتسامح تُعَد استمرارا لجهود دؤوبة تضطلع بها دولة الإمارات انطلاقا من إدراك وقناعة القيادة بأهمية التسامح وقبول الآخر واحترامه لترسيخ قيم التعايش السلمي؛ فالإمارات، كما قال الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، لا تباهي العالم بارتفاع مبانيها، ولا اتساع شوارعها، ولا ضخامة أسواقها بل تفاخر العالم بتسامحها وبكونها دولة يعيش فيها جميع البشر بمحبة حقيقية وتسامح حقيقي دون خوف من تعصب أو كراهية، أو تمييز عنصري، أو تفرقة بناء على لون أو دين أو طائفة أو عِرق.
aXA6IDMuMTQ1LjQwLjEyMSA= جزيرة ام اند امز