مدير سابق بمنظمة التجارة العالمية: أي تقدم يحققه COP28 سيكون محل تقدير
التجارة العالمية يمكن أن تلعب دوراً كبيراً في قضية المناخ
النجاحات المأمولة والمنشودة في مؤتمر الأطراف COP28 ستكون ذا قيمة واعتبار كبير، في ظل التحديات الكثيرة التي يواجهها العالم.
الدكتور عبدالحميد ممدوح، مدير إدارة الخدمات والاستثمار السابق بمنظمة التجارة العالمية، يرى أن تلك التحديات أثرت سلباً على حركة التجارة العالمية، وعلى وضع المنظمات الدولية، وخلقت حالة من الاضطراب تحتاج إلى وقفة لتعديل الاتفاقيات الدولية المنظمة.
ويمكن للتجارة العالمية أن تلعب دوراً كبيراً في خدمة قضايا البيئة ومواجهة أزمة تغير المناخ، كما يقول عبدالحميد الذي يعمل حالياً أستاذا زائرا في جامعة كوين ماري وكبير المستشارين لشركة spalding king and، للمحاماة، لكنه يؤكد أن العالم لن يستطيع التخلص الآن من الوقود الأحفوري لأسباب كثيرة.. وتفاصيل أخرى كثيرة في هذا الحوار..
• ما هو تقييمك لحركة التجارة العالمية؟
- حركة التجارة العالمية تمر بمرحلة مضطربة لأسباب عديدة، خاصة تجارة الخدمات، فمنذ جائحة كورونا وبعدها الحرب الروسية الأوكرانية هناك أزمات متلاحقة تسببت في التأثير السلبي على التجارة الدولية، وإن كانت هناك بعض بوادر التعافي في النصف الأول من 2022 كالتعافي في خدمات النقل التي زادت بنسبة 20% وخدمات السفر 60% قبل الحرب الروسية، إلا أن خدمات التشييد والبناء والمالية كانت ما زالت تعاني من آثار كورونا، وكذلك أزمة سوق العقارات في الصين التي تسببت في عواقب اقتصادية وتباطؤ النمو، بعد كورونا، أما الحرب الروسية فكانت ضربة جديدة لحركة التجارة وأصابتها بحالة من التخبط والاضطراب، خاصة قطاعات سلعية كالحبوب والأسمدة والغاز والنفط بجانب المعادن الأخرى، وترتب عليها آثار سلبية في الإنتاج والأمن الغذائي في العديد من الدول، في ظل حالة عدم تعامل العالم بدون آفة واحتقانات في كثير من الاتجاهات.
• هل للسياسات النقدية العالمية خاصة في الاقتصاديات الكبرى ورفع أسعار الفائدة أثر سلبي على حركة التجارة العالمية؟
- بكل تأكيد أن السياسيات المالية المتشددة لأسعار الفائدة المترفعة في الولايات المتحدة وأوروبا على وجه الخصوص، تسببت في حالة ركود اقتصادي عالمي.
التعافي القادم
- هل نتوقع حالة من التعافي قريباً أم سيظل الركود يسيطر على الاقتصاد العالمي؟
- أتوقع أن يكون فيه تعاف اقتصادي وعودة الحركة تدريجيا الربع الأخير من العام الحالي 2023، خاصة في قطاع الخدمات، ولكن يجب التأكيد أنه طالما استمرت الحرب الروسية الأوكرانية أو حالة المواجهة بين روسيا والغرب ستستمر الأزمات العالمية، لكن الأزمة حاليا لم تعد التعافي أو الركود بل هو حل الأزمة الأساسية، وهي التحدي الأكبر أمام العالم، وهي حالة تفتيت العلاقات التجارية الدولية والتشرذم في العلاقات، والاستقطابات، خاصة أن منظمة التجارة العالمية تواجه مشاكل هيكلية في وظائفها الأساسية، سواء في آليات التفاوض، أو الرقابة والمداولات، وحل المنازعات، وهي الوظائف الثلاث الأساسية للمنظمة، وهنا نجد أن الاحتقان بين الولايات المتحدة والصين يسبب استقطابا ومبادرات متعددة، سواء في أطر إقليمية أو في المنظمات الدولية.
البريكس
• هل تجمع مثل البريكس قد يكون حلا لمواجهة أزمة التشرذم العالمي أو الركود، خاصة أن أغلب أعضائه من دول الجنوب والدول الناشئة أو الصاعدة في النمو؟
• هنا يجب التفرقة بين التجمعات الاقتصادية القائمة على أساس سياسي والتجمعات القائمة على اتقاقيات إقليمية مشتركة، فمجموعة دول العشرين أو مجموعة الدول السبع الكبري هي تجمعات سياسية في الأساس، وكذلك البريكس سياسي ليس له نشاط اقتصادي، فله أهمية سياسية لوجود 40% من سكان العالم، وحوالي 30% من حجم التجارة العالمية، لكن هذه الدول غير متجانسة معا في المستوى أو الطموحات أو العلاقات الاقتصادية والتجارية، وبينها تباينات كثيرة وأيديولوجيات اقتصادية مختلفة بين الأعضاء يترتب عليها اختلاف السياسيات، وطموحات الدول الأعضاء مختلفة فمنها من يقترب من الولايات المتحدة ومنها ما يريد التوسع في الدول النامية، ومن لديه علاقات مع الصين أو روسيا، فهي مجموعة غير متجانسة، ولكن يحب الإجابة عن سؤال.. ما الاستفادة الاقتصادية أو التجارية التي يمكن أن تحققها كل دولة لم تكن تحققها في ظل الاتفاقيات أو الظروف الحالية؟
- سؤال الساعة المنتظر في COP28.. مَن المسؤول عن تكلفة الخسائر والأضرار؟
- سلطان الجابر: ملتزمون بوضع إطار متين خلال COP28 لحماية الملايين في العالم
• هناك حديث عن أدوات اقتصادية كثيرة يمكن أن تحقق طفرة ونمو في المجموعة، منها العملة الموحدة، فكيف تقيم ذلك؟
- الحديث عن إصدار مجموعة البريكس عملة موحدة حاليا ضرب من الخيال، وصعب جدا تطبيقه، فإصدار العملة الموحدة له مقومات عديدة، أولها أن يكون هناك بنك مركزي واحد يتحكم في أسعار الفائدة، وهذا صعب تحقيقه في البريكس، فلا تتشجع دولة من الدول الأعضاء في هذا التجمع إلغاء بنوكها المركزية، خاصة أن أسعار الفائدة تختلف من اقتصاد لآخر، ولا يوجد كثير من التجانس الاقتصادي، الفارق هنا بين البريكس والاتحاد الأوروبي أن أوروبا نموذج استثنائي في التجارة العالمية، خلافا إلى أن هذا أخذ أكثر من 30 عاما لينمو بهذا الشكل أو يتبلور بهذه الكيفية، فتوحيد في السياسيات التجارية والنقدية والاقتصادية وبنك مركزي واحد يدعم اليورو كلها عوامل ساعدت على نجاح التجربة، ولا ننسى أن إصدار العملة الوطنية من أهم الوظائف السيادية للدولة، فلا أتوقع أن تتخلى دولة من دول البريكس عن هذا الحق، فالوصول لمرحلة العملة الواحدة أو توحيد السياسيات يحتاج إلى خطوات كثيرة ووقت لن يقل عن 30 عاماً.
• هناك دعوات كثيرة منذ عقود لتحقيق الاكتفاء الذاتي والتبادل والتكامل الاقتصادي الكامل بين الدول العربية ولكن لم يتم.. فما العقبات أو الأسباب؟
- المشكلة هنا الإنتاج والسوق التصديري، فمشكلة بعض الدول في الأساس ليس في العملة، بل في الإنتاج والدول العربية تتسم بتباين اقتصاداتها، فمنها الدول البترولية من الاقتصاديات الكبرى وغير البترولية التي تعد اقتصادات خدمية وبعض الدول أقل نموا، ودول أخرى تعاني حالات عدم الاستقرار، فالأزمة الأساسية هي في السلع التصديرية والإنتاج، في كافة الأحوال هنا لابد من أن تبحث كل دولة في هيكل تجارتها والسياسيات المتبعة.
المناخ والتجارة العالمية
- وما تأثير هذه الاضطرابات والحالة الاقتصادية العالمية على الجهود العالمية للمناخ وتخفيض الانبعاثات ونشر مصادر الطاقة المتجددة؟
- في ظل التحدي الكوكبي وهو تغير المناخ وما وصلنا إليه من حجم انبعاثات وتأثير لا بد أن يكون العلاج جماعي، ومشاركة دولية في الوصول إلى حلول، ولا ننسى أن المبادرات التي تقوم بها بعض الدول كمكافحة التضخم في أمريكا ومعايير حدود الكربون الأوروبية، قد تخلق احتقانات في المجال التجاري وتأثير سلبي في بعض الاتجاهات، والسباق في الدعم هنا قد يؤدي إلى تشويه في النظام التجاري العالمي، فقانون التضخم الأمريكي يدعم السلع والمنتج المحلي والصناعات المحلية المتعلقة بالبيئة والطاقة المتجددة، والاقتصاد الأخضر والسيارات الكهربائية وتكنولوجيا البطاريات، بجانب إعفاءات جمركية تتنافي مع بعض قواعد منظمة التجارة العالمية، أما ضريبة حدود الكربون الأوروبية التي ستطبق على السلع المستوردة والسلع المثيلة في السوق المحلي على أساس الانبعاثات، فقد يكون لها تأثير سلبي على صادرات الاتحاد الأوروبي ذاته، عندما تخرج هذه الصناعات للسوق الدولي مثل الأسمدة والحديد والأسمنت، فتطبيق ضرائب أو رسوم جديدة يفرض أعباء على الصادرات الأوروبية قد لا يجعلها في وضع تنافسي مع الدول المستوردة، هناك دول كثيرة من أوروبا تعترض، ولكن تأثيره العالمي لم يتضح بعد خاصة على الدول النامية المصدرة للاتحاد الأوروبي لأن هذا قد يوقف الكثير من السلع التصديرية أو يضيف عليها أعباء كثيرة ولكن لم يتضح بعد حجم الضرر أو كيف سيكون الضرر في هذا.
• كيف تخدم حركة التجارة العالمية في حل أو مواجهة أزمة تغير المناخ والتدهور في النظام البيئي العالمي؟
- التجارة العالمية يمكن أن تلعب دورا مهما جدا في قضايا المناخ، فمساهمة التجارة الدولية في مواجهة تحدي التغير يمكن أن يتم من خلال اتباع 3 طرق، وهذا يمكن أن يكون من خلال منظمة التجارة العالمية إذا أرادت أن تتدخل وتدير الأمر أو أن يكون لها فاعلية في هذه القضية:
أولا: تحرير التجارة في جميع السلع والخدمات البيئية وإزالة التعقيدات والقيود على الخدمات البيئية من جمارك ورسوم وبعض الأعباء لأي منتج أو سلعة أو خدمة تتعلق بحماية البيئة أو خفض الانبعاثات.
ثانيا: اتفاق على قواعد قانونية تجارية جديدة تضمن أن تكون الدول التي تتخذ إجراءات لحماية البيئة لا تكون أكثر تقييدا للتجارة لما هو ضروري، وهذا يراعي البعد التقييدي للتجارة لتكون القرارات والأدوات السياسية الأقل تقييدا لمنظومة التجارة، وهذا يحتاج إلى قواعد إضافية لتحسين ما هو موجود فعلا حاليا، وتعديل بعض المعاهدات الدولية المتفق عليها منذ أكثر من 30 عاما، وهناك حاجة لتنقيح هذه المعاهدات لمواجهة التحديات.
ثالثا: نتخذ من المبادرات ما يوصلنا لاتفاقيات لحماية البيئة، كاتفاقية الحد من مصايد الأسماك، فالهدف هنا في مثل هذه الاتفاقيات عدم تدمير البيئة البحرية.
وهذه الأدوات الثلاثة يمكن للتجارة العالمية أن تقوم بها، ولكن لا يجب أن نتصور أن التجارة العالمية للتجارة تحل أزمة البيئة.
إصلاح المنظمات الدولية
• هل نحتاج لأطر وهياكل اقتصادية أو تجارية عالمية جديدة خاصة أن التعقيدات الهيكلية والبيروقراطية في المنظمات الحالية تعوق تطويرها؟
- قد لا نحتاج لأطر وهياكل جديدة، خاصة أن العالم لا يمكن أن ينشئ حاليا منظمة أو مؤسسة تصل لحد جمع أغلب دول العالم بسبب حالة الاستقطاب الحاد والتشرذم العالمية، فقط الأمور تحتاج مراجعة بحذر شديد، لأن العالم مختلف عما تم صياغة هذه القواعد والمعاهدات الدولية وخاصة أنها ملزمة لجميع الأعضاء، وعند المراجعة لابد أن يكون هناك شيء من الحكمة السياسية، وأن نُدرك أن هذه المنظمات تم تأسيسها في ظروف مواتية لن تتكرر في هذا الجيل، فالعالم حاليا يعاني من الاستقطاب والتشرذم، ولا يمكن أن ننشئ منظمات دولية بديلة، ولا يمكن الحديث عن الهدم لأن البنية التحتية لمثل هذه المنظمات يصعب جدا إعادة بناءُها اليوم، فالإصلاح للمنظمات هو تنقيح وتعديل وليس إلغاء أو إنشاء بدائل.
• لكن منذ عقود أو سنوات طويلة يتم الحديث في مثل هذه المنظمات عن الإصلاح ولا يتم خاصة أن وضعها يتدهور وتفقد قوتها.. فما الحل؟
• لا يتم الإصلاح لأن هذه المنظمات هي محصلة نهائية للأعضاء، والأوضاع التي تحدث على أرض الواقع، والذي يسير أمور المنظمة هي الدول الأعضاء، ورئيس المنظمة أو المدير يلعب دور الوسيط أو العقلية ذات الاستنارة ويعتمد على الفريق الموجود ولديه الخبرة وكل الذاكرة المؤسسية ويمكنهم تقديم مقترحات أن تحل المشكلات المختلفة، وفي النهاية قرارات الأعضاء هي التي تحسم المشكلات أو القضايا الخلافية وعدم الحسم في الإصلح يرجع لأعضاء هذه المنظمات.
• قمة المناخ الأفريقية أوصت بتطبيق ضريبة عالمية للكربون وأن يدفع الملوثون الثمن فهل ترى أن مثل هذه الضريبة في حال إقرارها في COP28 تكون هي الحل لمواجهة أزمة تمويل المناخ؟
- ضريبة الكربون تحتاج إلى تعاون دولي على مستوى متخصص للوصول إلى معايير دولية لتسعير الكربون وتسعير الانبعاثات في كل القطاعات، وهذه القضية دخلت حيز النقاش المحتدم بسبب قرارات الاتحاد الأوروبي، فأسس ومعايير تسعير الكربون تحتاج تعديلات، وخاصة أنه في الدول النامية تكلفة حماية البيئة ومواجهة تحدي التغير المناخي أكثر تكلفة.
* هل السبب في عدم تطبيق القرارات الدولية سواء فيما يتعلق بالمناخ أو غيره يرجع إلى غياب آلية للعقاب؟ وهل يمكن إقرار آلية عقاب فعلاً للدول غير الملتزمة؟
- الأزمة في غياب آليات التنفيذ على المستوى الدولي، ومثال منظمة التجارة العالمية لابد أن نفكر فيه، فعندما كانت للمنظمة فاعلية أول 15 عاماً أو عشرين عاماً، كانت تتخذ إجراءات عقابية وتفرض قرارات ملزمة، وهذا المفهوم يكون له فاعلية في إطار المصالح المتبادلة، ولكن إذا لم تكن فيه مصالح متبادلة يكون أمر الإنفاذ للقرار صعب، هذا الإطار القانوني وما يوفره من إجراءات عقابية يخلق آليات إنفاذ للقانون لا توجد في كثير من الاتفاقيات العالمية الحالية، وفي قضية المناخ والبيئة لا يمكن حلها بآليات منظمة التجارة العالمية.
النمو المستدام
• هل يستطيع العالم أن يحقق النمو المستدام؟ وكيف يمكن تطبيقه؟
- يجب أن يدرك العالم أهمية ألا يكرر تجربة النمو في ظل الثورة الصناعية لما ألحقه بأضرار بالبيئة نعاني منها حتى الآن، ويعمل العالم على تطبيق آليات وأدوات نمو وتوسع في الاقتصاد ولكن بمبدأ الاستدامة البيئية، فيمكن تحسين من أداء الإنتاج وأدوات الاقتصاد المحلية والعالمية، والنظام التجاري العالمي يمكن أن يساهم في تقليل الإضرار بالبيئة.
• ما هي رؤيتك لأولويات مؤتمر المناخ COP28، في ظل الوضع العالمي الحالي؟
• أي نجاح ولو صغير في مثل هذه المؤتمرات يكون ذا قيمة واعتبار في ظل التحديات الكثيرة التي تواجه العالم، وأي نتيجة يحققها مؤتمر دبي COP28، سيكون لها اعتبار في حلحلة ولو جزء من حالة الاحتقان العالمية وسيكون له قدر من التقدير.
• من أهم القضايا على الساحة الدولية حالياً هو المطالبة بالتخلص التام من الوقود الأحفوري، فما هي إمكانية القيام بذلك؟
- لا أعتقد أن يكون بقدرة أحد الآن وضع جدول زمني للتخلص من الوقود الأحفوري حالياً، وسيظل الوقود الأحفوري لاعباً أساسياً في الاقتصاد العالمي لعقود كثيرة، وإن كان هناك تقدم محمود جداً في بعض القطاعات للاعتماد على مصادر متجددة أو بديلة، لكن بوتيرة تجعلنا نتوقع أن أمامنا سنين طويلة، لكن يمكن التقليص، فالنقل البحري والجوي وحتى البري من الصعب استبداله سريعاً بمصادر طاقة متجددة، وإن كان من المهم تشجيع كل المحاولات من أجل اقتصاد منخفض الكربون، ولابد من الانتباه أن الشاحنات ووسائل النقل منخفض الكربون لم تدخل الحيز التجاري، ولابد من البحث والتعامل بصراحة مع مصدر الكهرباء، فبعض الدول توفر وسائل نقل كهربائية لكن محطات توليد الكهرباء لديها تعمل بالفحم أو الوقود الأحفوري. لذلك؛ يمكن القول إن المستقبل يحمل الكثير من التغيرات الإيجابية لكن التخلص النهائي من الوقود الأحفوري لن يكون على المدى المنظور.