"الأبلة طم طم".. درس في هزيمة الخوف على طريقة هنيدي وعلاء ولي الدين
"الأبلة طم طم" يكرر على طريقة ياسمين عبدالعزيز الرسالة التي قدمها محمد هنيدي وعلاء ولي الدين.. كيف ذلك؟
هل قررت ياسمين عبدالعزيز أن تقدم في فيلمها الجديد "الأبلة طم طم" المعادل النسائي لتجربة زميليها محمد هنيدي والراحل علاء ولي الدين في فيلميهما "تيتة رهيبة" و"الناظر"؟
فالأفلام الثلاثة تحمل رسالة واضحة مؤداها تأثير الخوف الزائد أو القمع الزائد على بناء شخصية الطفل، وهو ما ينعكس على مستقبله بالكامل بعد أن يصبح رجلاً أو امرأة بل ويؤثر في المجتمع ككل خصوصاً أن شخصية البطلة في "الأبلة طم طم" لمعلمة وتربوية، حيث يختار مؤلف الفيلم "أيمن وتار" ومخرجه "علي إدريس" اسم "طم طم" نسبة إلى الشخصية الشهيرة في المسلسل الذي أخرجه الراحل رحمي، وتجمع بين الرزانة والشقاوة والطيبة أيضاً، كما تحمل ملامح الأرنب المذعور طول الوقت.
أحداث الفيلم تدور حول أستاذة موسيقى اسمها "طم طم" معروفة بشخصيتها الضعيفة أمام الطلبة وخوفها الدائم، بالإضافة إلى ترددها في اتخاذ القرارات خاصة، مما يوقعها في مطبات عديدة، لنكتشف أن والدها هو السبب لأنه يخشى عليها من كل شيء حتى من صعود "الأسانسير" مما يصيبها بفوبيا من كل شيء، حتى تجد نفسها وجهاً لوجه مع قوى شريرة عبارة عن مجموعة من المساجين يهربون من السجن بقيادة بيومي فؤاد من خلال نفق سرى تحت الأرض يؤدي إلى داخل مدرستها ليقرروا احتلالها، حيث تنجح بمساعدة الضابط حمدي الميرغني في التغلب على مخاوفها ومواجهة المجرمين وتتخلص نهائياً من عقدة الخوف التي تسبب فيها والدها.
وهو مأزق يعادل ما يجد نفسه هنيدي في مواجهته في "تيتا رهيبة"عندما يخرج إلى عالم العشوائيات والمهمشين بل والمجرمين ويخرج منه أكثر صلابة وقدرة علي المواجهة لتيتا التي سيطرت عليه بالخوف والقهر، ويتشابه الموقفان مع فيلم "الناظر" الذي لعبه بكوميديا مميزة أيضاً الراحل علاء ولي الدين وحاول فيه أن يهزم الخوف من الكليشيهات الكلاسيكية والتربية التقليدية بالخوف الزائد من الأهل فيسعى للخروج من هذه الشرنقة بعد وفاته ويتعرف على اللمبي واحد من المنحرفين التقليديين.
فالقاسم المشترك بين هذه الأفلام هو هزيمة الخوف، لكن الأمر في الأبلة طم طم مختلفاً من حيث إن الداعم لمواجهة الخوف ومحاربته هذه المرة هو جهاز الشرطة هنا، دون أي شعارات رنانة بل باستخدام نفس الأسلوب الكوميدي، سواء في اختيار شخصية الضابط حمدي الميرغني المتخرج في مسرح مصر، والذي يقدم نمطاً ساخراً لضابط من القوات الخاصة تعود أن ينتصر في المواجهات مع المجرمين قبل أن يدخل المعركة أصلاً كما يقول ومع ذلك فهو يقع في مطبات ساخرة ويتعرض للضرب من أحد المجرمين بل ومن طم طم نفسها.
وهو في فاصل كوميدي آخر يقول لها إنها يجب أن تساعده لينتصر على فشله ورسوبه 3 مرات في كلية الشرطة، لكن كل ذلك يتلاشى أمام "المورال" النهائي، وهو الدور الأمني الحقيقي في مساعدة الأغلبية لمواجهة قوى الشر والإرهاب بل ومنعه من بث الخوف والذعر في نفوس الناس وهو إحدى الرسائل المنتشرة في معظم الأفلام المعروضة على الساحة الآن، باختلاف أنواعها سواء أكانت حركة أو اجتماعية أو حتى كوميدية.
المخرج سعيد حامد نجح في هذا الفيلم في تكريس مناخ الكوميديا بقطعاته المتدفقة وزوايا التصوير وحجم اللقطات المشبعة بالسخرية بعد خبرة طويلة في تقديم الكوميديا مع "هنيدي" مثلاً في"صعيدي في الجامعة الامريكية" و"همام في أمستردام"و"جاءنا البيان التالي"، ويانا يا خالتي" كما سبق وقدم لياسمين عبدالعزيز "رشة جريئة" مع أشرف عبدالباقي، وأفلام أخرى أثبتت جدارته بإشاعة الروح الكوميدية بالكاميرا داخل أفلامه.
وإن كان هناك عيب رئيسي في هذا الفيلم في تصوري فهو إحدى اللقطات التي يقوم فيها (الضابط) بقذف طفل من الشباك بصورة مسرحية، وهو مشهد لا يليق بكوميديا عائلية نظيفة تجمع في بطولتها مجموعة من الأطفال داخل مدرسة والمفروض أنها تعلمهم السلوك القويم لمواجهة المواقف الصعبة وليس الاستهتار بالحياة على هذا النحو الموجود بهذا المشهد لاسيما أن جمهوراً كبيراً من الأطفال يشاهد الفيلم.
ورغم ذلك برعت ياسمين عبدالعزيز كعادتها في إثبات أنها ممثلة موهوبة كوميديانة استطاعت أن تواجه السينما الذكورية السائدة باقتدار، خصوصاً شخصية طم طم المذعورة والخائفة طول الوقت، والتي تواجه بسبب حسن نيتها ومخاوفها مشاكل كثيرة، دون أن تلجأ للخروج السائد عن النص في العديد من الأفلام الكوميدية الحالية، كما نجح باقي الممثلين في أدوارهم بخفة ظل وبساطة جعلت من الفيلم فعلاً رسالة عائلية في هزيمة الخوف من حياتنا.