2019.. أردوغان صانع أزمات العلاقات الفرنسية التركية
العلاقات الفرنسية التركية شهدت خلال 2019 منعطفا حادا، نتيجة سياسات الرئيس التركي رجب طيب أردوغان المثيرة للجدل
شكل عام 2019 نقطة محورية في طبيعة العلاقات الفرنسية التركية كان بطلها أو بالأحرى صانع أزماتها الرئيس التركي رجب طيب أردوغان.
العام الذي أوشك أن يننصرم مثل منعطفا حادا في العلاقات بين البلدين، نتيجة سياسات أردوغان المثيرة للجدل التي أدت إلى خسارة أنقرة أبرز حلفائها التاريخيين.
فنظريا تبدو تركيا حليفا استراتيجيا لأوروبا، إلا أنه في ظل ولاية الرئيس الحالي شهدت العلاقات توترات وتبادل الاتهامات أدت إلى تأزم العلاقات بين البلدين.
"العين الإخبارية" ترصد أبرز محطات تأزم هذه العلاقة؛ بداية من انتهاك النظام التركي حقوق الإنسان، ما أدى إلى استبعاد باريس انضمام تركيا للاتحاد الأوروبي، مرورا باعتراف باريس بالإبادة الجماعية للأرمن، فضلا عن أزمة المدارس التركية في فرنسا.
وصولا إلى انتقاد باريس العدوان التركي على سوريا، وتضارب وجهة النظر الفرنسية التركية حول ملف مكافحة الإرهاب وعضوية حلف شمال الأطلسي "ناتو"، وانتهاء بإهانة أردوغان الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون.
باريس تعارض انضمام أنقرة للاتحاد الأوروبي
استهل عام 2019 بالتوترات بين تركيا وفرنسا، عبر تصريحات ماكرون، في يناير/كانون الثاني، خلال مؤتمر صحفي مشترك مع نظيره التركي اعتبر فيها أن التطورات الأخيرة في تركيا في مجال حقوق الإنسان تُبعد تماما حدوث أي تقدم في مفاوضات انضمام أنقرة إلى الاتحاد الأوروبي.
وقال ماكرون، خلال مؤتمر صحفي حينها في باريس، إنه "بالنسبة إلى العلاقة مع الاتحاد الأوروبي من الواضح أن التطورات الأخيرة لا تتيح تحقيق أي تقدم في العملية القائمة للانضمام إلى الاتحاد الأوروبي".
وأضاف الرئيس الفرنسي أن "التظاهر بإمكانية فتح فصول جديدة في محادثات الانضمام هو ضرب من النفاق"، في إشارة إلى المحادثات المتوقفة بين الاتحاد وأنقرة منذ سنوات، كما تطرق إلى الصحفيين المعتقلين في تركيا.
وقال ماكرون: "على الديمقراطيات احترام دولة القانون بشكل كامل في معركتها ضد الإرهاب"، معربا عن مخاوفه على مصير طلاب ومدرسين معتقلين أيضا من جانب السلطات في أنقرة.
ومنذ محاولة الانقلاب المزعوم، في يوليو/تموز العام الماضي، اعتقلت السلطات التركية بموجب قانون الطوارئ قرابة 50 ألف شخص، كما صدرت قرارات بالإقالة أو إيقاف عن العمل بحق نحو 150 ألفا آخرين، من بينهم جنود وأفراد في الشرطة ومعلمون وموظفون حكوميون؛ بسبب صلات مزعومة بينهم وبين حركة رجل الدين المقيم في الولايات المتحدة فتح الله غولن.
اعتراف فرنسي بإبادة الأرمن
جاء اعتراف فرنسا بإبادة الأرمن، هي القضية الشائكة لدى تركيا، نقطة محورية في توتر العلاقات بين باريس وأنقرة، إذ أعلن ماكرون، في فبراير/شباط الماضي، تخصيص يوم لإحياء ذكرى "الإبادة الأرمنية" التي شنتها الدولة العثمانية ضد الأرمن عام 1915.
وأصدرت فرنسا مرسوما في الجريدة الرسمية يكرّس يوم 24 أبريل/نيسان مناسبة لإحياء ذكرى "الإبادة الأرمنية" التي حصلت عام 1915 التي توصف بأنها "إحدى أسوأ الفظائع الجماعية التي ارتكبت في القرن العشرين على يد الأتراك".
ويؤكّد الأرمن أن 1,5 مليون شخص من أسلافهم قتلوا بشكل منهجي قبيل انهيار السلطنة العثمانية، فيما أقرّ عدد من المؤرّخين في أكثر من عشرين دولة بينها فرنسا وإيطاليا وروسيا بوقوع الإبادة.
وخلال السنوات الأخيرة، توالت الاعترافات الدولية بمجازر الأرمن، مؤكدة أن تلك المذابح على يد العثمانيين جريمة ضد الإنسانية.
أزمة المدارس التركية
تسببت خطة الرئيس التركي بفتح مدارس تركية في فرنسا، في مايو/أيار الماضي، في خلافات بين باريس وأنقرة، وغضب واسع لدى المجتمع الفرنسي، خوفا من نشر المدارس التركية التطرف في فرنسا.
وقال وزير التربية والتعليم الفرنسي جان ميشيل بلانكر آنذاك: "إن مثل هذه المؤسسات لن يكون مرحبا بها"، موضحا أن هناك كثيرا من الأعمال غير الودية مصدرها تركيا، وأن لديهم مخاوف في هذا الشأن، لافتا إلى أن "الجميع يعلم أن تركيا تمضي قدما صوب التطرف والتوسع".
ورأت وسائل الإعلام الفرنسية أن تركيا تنخرط في محاولة طموحة لاستخدام القوة الناعمة لتعزيز نفوذها، إذ اعتبرت صحيفة "لوفيجارو" الفرنسية أن مشروع تعليم المناهج التركية في فرنسا الذي يدرّس "الجهاد" وغيرها من الموضوعات التي تتنافى مع القيم الجمهورية يثير جدلا واسعا في فرنسا.
وأشارت الصحيفة الفرنسية إلى أن أردوغان لا يخفي رؤيته التي يطمح إليها بإعادة الخلافة العثمانية بنشر الأفكار المتطرفة لا سيما في المجتمعات الغربية.
رفض انتهاك السيادة اليونانية
في أغسطس/آب الماضي، اعتبر ماكرون أن فرنسا والاتحاد الأوروبي لن يتهاونا مع تصرفات تركيا غير القانونية في المنطقة الاقتصادية الخالصة لقبرص في شرق المتوسط.
وأعرب الرئيس الفرنسي عن تضامن بلاده مع اليونان التي تواجه تحديات في منطقة شرق البحر المتوسط، بسبب تصرفات تركيا في المنطقة الاقتصادية الخالصة لقبرص.
تنديد بعدوان تركيا على سوريا
عقب إعلان الرئيس التركي إجراء شن عمليات عسكرية على الشمال السوري، كانت فرنسا في طليعة الدول التي نددت بالغزو التركي، كما استدعت باريس السفير التركي لديها، في أكتوبر/تشرين الأول، على خلفية العدوان التركي على شمال سوريا.
وطالب ماكرون تركيا بإنهاء العملية العسكرية على شمال شرقي سوريا، معتبرا أن الهجوم التركي سيتسبب في كارثة إنسانية وسياسية وسيعطي فرصة للإرهابيين لإعادة الانتشار مرة أخرى.
وقالت وزيرة الدفاع الفرنسية فلورنس بارلي حينها: "إن العدوان التركي على سوريا خطير جدا ويجب أن يتوقف".
ونشرت مجلة "لوبوان" الفرنسية على غلاف عددها الصادر بالتزامن مع انطلاق العدوان التركي على سوريا صورة أردوغان مصحوبة بتعليق "المبيد"، في إشارة إلى عملية التطهير العرقي للأكراد في سوريا.
وأثار نشر هذا الغلاف غضب الرئاسة التركية، حيث تقدمت ببلاغ رسمي ضد المجلة الفرنسية، معتبرة أنها إهانة للرئيس التركي.
كذلك رفضت باريس المشاركة في الاحتفال باليوم الوطني التركي في 29 أكتوبر/تشرين الأول الماضي، بحسب ما أشارت صحيفة "لوفيجارو" الفرنسية.
ومن بين ردود الفعل الفرنسية بشأن العدوان التركي على الشمال السوري، رفض وزير الخارجية الفرنسي جون إيف لودريان حضوره مباراة منتخب بلاده أمام تركيا، في أكتوبر/تشرين الأول الماضي في باريس، التي أقيمت بالجولة الثامنة من دور المجموعات لتصفيات كأس الأمم الأوروبية 2020.
رفض فرنسا ابتزاز أردوغان لأوروبا
يستغل أردوغان ورقة المهاجرين دائما لتهديد أوروبا للحصول على مكاسب سياسية واقتصادية. ولوّح أردوغان موجها حديثه إلى أوروبا قائلا: "كن حذرا من موقفك تجاه بلد يستقبل 4 ملايين لاجئ".
وهدد أردوغان بـ"فتح الأبواب" والسماح لنحو 3,6 مليون لاجئ سوري في تركيا بالتوجه إلى أوروبا، ملقيا باللوم على الاتحاد الأوروبي لأنه انتقد العملية العسكرية التركية ووصفها بأنها "غزو".
وفيما يتعلق بملف الدواعش، قال وزير الداخلية التركي سليمان صويلو في نوفمبر/تشرين الثاني الماضي: "سنرسل عناصر داعش الذين هم في قبضتنا إلى بلدانهم سواء أُسقطت الجنسية عنهم أم لا"، مضيفا: "نحو 1200 مسلح من التنظيم الإرهابي يقبعون في السجون التركية".
وعقب العدوان التركي على سوريا اعتقلت القوات التركية نحو 287 عنصرا من التنظيم، بينهم نساء وأطفال.
وردا على تلك التصريحات، اعتبرت وسائل الإعلام الفرنسية التهديدات التركية بترحيل إرهابيي داعش الأجانب إلى بلدانهم الأوروبية "مناورة لابتزاز الغرب والحصول على أموال لتمويل بناء مدن اللاجئين في شمالي سوريا التي يعتزم نقل 3 ملايين سوري إليها"، بجانب الانتقام من بعض الدول الأوروبية، بحسب صحيفة "لوفيجارو" الفرنسية.
من جانبها، رأت صحيفة "لوباريزيان" الفرنسية الخطوة التركية بإرسال إرهابيي داعش الأجانب إلى فرنسا بأنها إجراء انتقامي ضد باريس، بسبب دعمها الأكراد واحتضانهم.
واجتمع ماكرون نوفمبر/تشرين الثاني الماضي مع جيهان أحمد، المتحدثة باسم قوات سوريا الديمقراطية التي تتبعها وحدات حماية الشعب، ليعبر عن تضامن فرنسا معهم في نضالهم ضد تنظيم داعش الإرهابي في سوريا.
غموض تركي تجاه "الناتو" ومكافحة الإرهاب
اتهمت فرنسا أنقرة بإضعاف عملية التصدي لعناصر تنظيم "داعش" الإرهابي، وتوضيحات حول غموض الموقف التركي إزاء الكفاح ضد التنظيمات الإرهابية، وذلك بشن القوات التركية في 9 أكتوبر/تشرين الأول هجوما على وحدات سوريا الديمقراطية في شمال سوريا التي كانت في الخط الأول في محاربة التنظيم الإرهابي.
واعتبر وزير الخارجية الفرنسي جان إيف لودريان أن العدوان التركي على الأكراد في شمالي سوريا قوّض 5 سنوات من القتال ضد تنظيم "داعش" الإرهابي.
وفي مطلع الشهر الجاري، اعتبر ماكرون أنه لا يوجد توافق محتمل مع تركيا حول تعريف الإرهاب، إذ قال ماكرون، خلال مؤتمر صحفي، عقب قمة حلف شمال الأطلسي "ناتو" في واتفورد بالقرب من لندن: "لا أرى أي توافق محتمل في الآراء".
وسبقت تلك التصريحات، مطالبة ماكرون لنظيره الأمريكي دونالد ترامب بتوضيحات، وضرورة إيجاد حل لغموض موقف تركيا فيما يتعلق بعناصر داعش، وهو ما يضر بأمن أوروبا والعالم.
كما تساءل ماكرون، خلال لقاء ترامب، عن كيفية امتلاك تركيا التي تعد عضوا في الناتو منظومة "إس - 400" الروسية، مؤكدا أن هذه الخطوة لا يمكن أن تتم من الناحية الفنية.
إهانة أردوغان لماكرون
أبرز مؤشر على التوترات والمنعطف الحاد في العلاقات بين باريس وأنقرة، الإهانة المباشرة التي وجهها الرئيس التركي لنظيره الفرنسي التي دعاه فيها إلى "فحص حالة موته الدماغي"، ما اعتبره الإليزيه "تجاوزا وإهانة غير مقبولة".
وقال بيان الإليزيه: "لنكن واضحين، هذا ليس تصريحا إنه إهانة"، مضيفا أنه "تم استدعاء السفير التركي في فرنسا إلى وزارة الخارجية الفرنسية لشرح تصريحات أردوغان، الذي اعتبر أن ماكرون كان في "حالة موت دماغي". واعتبر الإليزيه أنه "لا يوجد أي تعليق على الإهانات".
واستدعت باريس السفير التركي لدى باريس إسماعيل حقي موسى، إثر الهجوم العنيف الذي شنه أردوغان خلال خطاب ألقاه في إسطنبول.
ودعا سياسيون فرنسيون إلى اتخاذ إجراءات صارمة ضد أردوغان تتضمن عقوبات على تركيا.
إهانة أردوغان للرئيس الفرنسي جاءت خلال خطاب ألقاه في إسطنبول ردا على تصريحات ماكرون، الذي وصف حلف الناتو بأنه يعاني من "موت دماغي" في مقابلة مع مجلة الإيكونومست الأسبوعية.
وقال أردوغان: "أنا أتحدث من تركيا إلى السيد ماكرون، عليك أن تتوجه بنفسك إلى طبيب لفحص حالة الموت السريري لديك قبل كل شيء. أؤكد هذا من تركيا وسأتحدث عن ذلك خلال قمة الناتو المقبلة".
تصريحات أردوغان جاءت بعد أيام من تصريح ماكرون بأن "الناتو في حالة موت دماغي"، كما وجه انتقادات حادة بشأن العدوان التركي على سوريا.
وقال ماكرون حينها: "ليس هناك أي تنسيق للقرار الاستراتيجي للولايات المتحدة مع شركائها في حلف شمال الأطلسي، ونحن نشهد عدوانا من شريك آخر في الحلف، تركيا، في منطقة تتعرض مصالحنا فيها للخطر، من دون تنسيق".
aXA6IDE4LjE5MS4yMzcuMjI4IA==
جزيرة ام اند امز