يشكل النهر الأصفر شريان حياة للشعب الصيني منذ قديم الزمان، وشاهدا على تطور الحضارة الصينية، وقد أطلق عليه لقب "النهر الأم" للصينيين.
وحوض النهر الأصفر يعد مهد الحضارة الصينية، وهو منطقة النشاط الرئيسية للأسلاف الأوائل للأمة الصينية. ومنذ حوالي 2070 قبل الميلاد إلى 1100 م، تم إنشاء عواصم سلالات شيا وشانغ وتشو الملكية وأسرتي تشين وهان حتى أسرة سونغ الشمالية في حوض النهر الأصفر.
النهر الأصفر أو "هوانغ هو" هو ثاني أطول أنهار الصين بعد نهر يانغتسي، وسادس أطول أنهار العالم. ويبلغ طول النهر نحو 5464 كيلومتراً، وينبع من جبال البيانكالا في غربي الصين، ويصب في بحر بوهاي.
وأنشأت أول سلاسة صينية عاصمتها في موقع أرليتو الذي يعود تاريخه إلى ما قبل 3800 سنة. كان أرليتو القديم يقع في المرتفعات على الضفة الشمالية لنهر ييلوه - فرع من النهر الأصفر.
وساعد ذلك على حماية أرليتو أثناء الفيضانات، كما سمح لسكانها بالاستفادة من الموارد الطبيعية، إذ كانت المرتفعات الخصبة المسطحة مثالية للأنشطة الزراعية. لذا، لا تعتبر ثقافة أرليتو جوهر حضارة النهر الأصفر فحسب، بل تعد القوة الدافعة الرئيسية في تطور الحضارة الصينية.
ويلفت تشاو هاي تاو، الباحث المشارك في معهد الآثار التابع للأكاديمية الصينية للعلوم الاجتماعية، إلى أن موقع أرليتو يعكس تسلسلا هرميا صارما من خلال التخطيط العادل والصارم لنظام الطرق.
وأضاف: "يظهر نظام الدفن في العديد من المقابر عالية المستوى أنه كان هناك نظام حكم متطور في ذلك الوقت، وهناك أيضا أوان طقوس برونزية وآلات موسيقية برونزية تشير إلى وجود طقوس وموسيقى، وتمت وراثة هذه الأنظمة في الغالب وتطويرها لاحقا من قبل حضارتي شانغ وتشو".
ومن بين أقدم ثلاثة أنظمة كتابة في العالم، يعد نص أوراكل العظام هو الوحيد الذي تطور باستمرار ولا يزال قيد الاستعمال حاليا. مع العلم بأن أطلال ين كانت مشهورة عالميا بنص أوراكل العظام الذي تم اكتشافه خلال الحفريات الأثرية.
وأطلال "ين" العاصمة الأخيرة لسلالة شانغ التي تعود 3600 سنة، يمر عبرها النهر الأصفر القديم بمحاذاة الجانب الشرقي لأطلال ين، إذ سجلت نصوص أوراكل العظام طقوس التضحيات للنهر الأصفر، مما يعكس أهمية النهر بالنسبة إلى شعب سلاسة شانغ.
وكان سكان الحضر في عاصمة سلالة شانغ يتمتعون بحياة سلمية، حيث حققت هذه السلاسة الملكية نجاحا كبيرا في مجالات السياسة والمؤسسات الطقوسية والاقتصاد والثقافة.
ويقول يويه تشآن وي، الباحث في معهد الآثار التابع للأكاديمية الصينية للعلوم الاجتماعية، إن حضارة ين شانغ التي تمثلها أطلال ين هي جزء هام من حضارة النهر الأصفر وفي ذلك الحين، كان شعب شانغ يطلق على العاصمة المعروفة بأطلال ين اليوم، اسم "مدينة شانغ العظيمة".
ويضيف وي: "كعاصمة مزدهرة ماضية، فإن أطلال ين غنية بالبقايا القديمة بما في ذلك مجمع المعبد والقصر ومقبرة ملكية وورش العمل الحرفية وكذلك العديد من الأحياء السكنية والمقابر القائمة على الأنساب، كما تشتهر أطلال ين بأوعية الطقوس البرونزية ومنحوتات اليشم ونص أوراكل العظام.
ومنذ آلاف السنين، ألهمت حضارة النهر الأصفر مختلف الجماعات العرقية بأساسها الاقتصادي الزراعي المتقدم وتفاصيلها الثقافية العميقة.
واستوعبت حضارة النهر الأصفر جوهر ثقافات الجماعات العرقية المختلفة، وشكلت نظاما ثقافيا متنوعا وموحدا، ما ألهم مفهوم "التوحيد العظيم" للأمة الصينية.
ويشكل المصب الذي تلتقي فيه مياه النهر الأصفر الموحلة مياه بحر "بوهاي" المائلة للزرقة، قبالة مقاطعة شاندونغ بشرقِ البلاد؛ صورة لعالم سحري رائعٍ من الألوان.
النهر الأصفر يُسمى أيضاً "حزن الصين"، ففي كل عام، يتدفق أكثر من 1.6 مليار طن من التربة إلى النهر الأصفر، ما يتسبب في ارتفاع قاع النهر. ويجف النهر الأصفر سنوياً منذ عام 1972، بسبب الاحترار العالمي، وتراجع الأمطار في حوض النهر الأصفر، وزيادة الطلب على المياه للري والصناعة.
واستمرت أطول فترة جفاف للنهر لمدة 226 يوماً في عام 1997. وأدى الجفاف في منطقة النهر الأصفر إلى تحديات خطيرة للتنمية الزراعية والمدن القريبة من النهر .