ليس لدي شك في أن قرار قتل الرئيس اليمني السابق علي عبد الله صالح اُتِّخذ في طهران وبسرعة لا يمكن أن يكون للحوثي وجماعته يد فيها
عندما أقدمت جماعة الحوثي الإرهابية على قتل الرئيس اليمني السابق علي عبد الله صالح، بدم بارد، لم تأخذ بعين ردة فعل المجتمع الدولي والعالم، ومن قبل ذلك تجاهلت مشاعر الشعب اليمني الذي لم تمهله سوى ساعات استشعر خلالها بصيص من الأمل في تصريحات الراحل ورغبته في الحوار مع دول التحالف العربي بقيادة المملكة العربية السعودية، من أجل إنهاء الأزمة في بلاده.
ليس لدي شك في أن قرار قتل صالح اُتِّخذ في طهران وبسرعة لا يمكن أن يكون للحوثي وجماعته يد فيها، فالقرار واضح بتوقيع وإملاء جنرالات الحرس الثوري ودعم وتوجيه الملالي، الذين استشعروا الخطر على مصير وكلائهم الحوثيين الذين استثمرت فيهم إيران منذ سنوات طويلة مضت للعب الدور الذي يقومون به الآن، وأنفقت في سبيل ذلك مليارات الدولارات.
قرار القتل اُتِّخذ على غرار مليشيات "داعش" و"القاعدة" وفق تكتيك "الصدمة والترويع" كي يحمل العديد من الرسائل للأطراف اليمنية، ويبث الرعب في قلوب من يحاول مخالفة خطط الحوثي، أو يفكر بالعمل على إنقاذ اليمن وفك أي ارتباط له بالمشروع الإيراني الطائفي التوسعي في المنطقة.
أدرك جنرالات الحرس الثوري من خلال قراءة تصريحات الرئيس السابق علي عبد الله صالح ورغبته في "فتح صفحة جديدة" وفك ارتباطه بالحوثي، فيما يشبه اعترافاً بالخطأ التاريخي الذي ارتكبه حين وضع يده في يد هذه المليشيا الخائنة، وتعاون معها ضد تاريخ شعبه ومبادئه ومصالحه الاستراتيجية المؤكدة مع حاضنته الطبيعية متمثلة في دول مجلس التعاون لدول الخليج العربية، فضلاً عن الحاضنة الأوسع والأشمل في المجال الحيوي العربي.
لا يجب أن ينتظر العالم كي يتعرف على أي تطورات جديدة في اليمن، فالملايين يواجهون خطر المجاعة والقتل في ظل توحش مليشيات "الحوثي" وتعطشها للدماء بدرجة تتطلب موقفاً دولياً أكثر واقعية وصرامة من ذي قبل، فالصمت الدولي حيال ما يشهده اليمن في الوقت الراهن هو استسلام لمنطق العصابات.
بعد مقتل صالح، بات اليمن وشعبه في مواجهة مصير مجهول والسيناريوهات مفتوحة على كل الاحتمالات، وربما تتسارع الأحداث بوتيرة تفوق أي تحرك إقليمي لاحتواء الخطر الذي يهدد اليمن وشعبه أكثر من ذي قبل، فاليمن لم يكن يوماً حليفاً لإيران، ولم يكن يوماً بلداً طائفياً ومعول هدم للأمن القومي العربي.
ليس لدينا أي تفاؤل بإمكانية تراجع الحوثي عن مشروعه الإيراني بعدما انغمست يداه في مزيد من الدماء اليمنية، فمن انقلب على الشرعية الدستورية للدولة يرفض أي ارتباط لليمن بإطار خارج عن التبعية الإيرانية.
المجتمع الدولي يواجه الآن اختباراً حقيقياً، صحيح أن الوقت لم يكن كافياً لاختبار نوايا العالم في دعم أو التجاوب مع رغبة الرئيس السابق علي عبد الله صالح في إيجاد مسار بديل لليمن، فإن الدرس الذي نستخلصه من هذه الجريمة أن الأحداث تتوالى في اليمن بوتيرة لا تحتمل الانتظار، أو حتى التردد او إطالة أمد التفكير في بناء مواقف واتخاذ قرارات حيال ما ينتظر هذا البلد العربي العريق من مصير يبدو واضحاً للجميع في ظل شواهده الراهنة، التي بلغت بالحوثي مستوى غير مسبوق من الإجرام والتوحش والافتقار إلى أدنى المعايير الإنسانية.
لا يجب أن ينتظر العالم كي يتعرف على أي تطورات جديدة في اليمن، فالملايين يواجهون خطر المجاعة والقتل في ظل توحش مليشيات الحوثي وتعطشها للدماء بدرجة تتطلب موقفاً دولياً أكثر واقعية وصرامة من ذي قبل، فالصمت الدولي حيال ما يشهده اليمن في الوقت الراهن هو استسلام لمنطق العصابات والمليشيات، إذ لا يمكن أن يكون ترك اليمن لمصيره خياراً صائباً، أو يصب في مصلحة الأمن والاستقرار الإقليمي والدولي.
فاليمن ليس دولة هامشية في الحسابات والمعادلات الاستراتيجية الإقليمية والدولية، بل هي دولة يوفر لها موقعها الاستراتيجي قدراً كبيراً من الأهمية، ويكفي أنها تشرف على مضيق باب المندب بما له من أهمية كشريان حيوي للتجارة الدولية وصادرات النفط للاقتصادات الغربية.
البعض يقول إن القضاء على النفوذ الإيراني في سوريا هو المدخل الطبيعي للقضاء على مخطط التوسيع الإيراني الإقليمي، وأعتقد أن القضاء على قوة الوكيل الإيراني في اليمن، وهو جماعة الحوثي، لا يقل أهمية في مجمل خطط القضاء على النفوذ الإيراني في المنطقة.
فالحوثي هو النسخة اليمنية من حسن نصر الله زعيم حزب الله اللبناني، ومليشياته تتدرب على يد عناصر الحزب، ومن ثم فإن القضاء على قوة هذه المليشيات يمثل خطوة أساسية يجب أن تتحقق كي يمكن الحديث عن احتواء خطر إيران والحد من تهديداتها الاستراتيجية.
قد يكون مقتل علي عبد الله صالح بمثابة ضياع فرصة ثمينة لاستعادة الأمن في اليمن، ولكنني أرى أن الفرصة لا تزال قائمة، بل وبقوة، لأن الجريمة الغادرة التي ارتكبها الحوثي كانت بمنزلة جرس إنذار قوي للشعب اليمني بأكمله، وربما تسهم بقوة في توحيد صفوف اليمنيين، وانتباههم إلى ما ينتظرهم من أخطار لو تركوا هذه المليشيات تواصل عربدتها في المدن والمحافظات اليمنية.
والشعب اليمني قادر على التصدي لهذه المليشيات والوقوف بوجهها شريطة وحدة الصف وإعادة الاصطفاف وراء قيادة قادرة على تتبع مصالح هذا البلد العربي العريق؛ وإنقاذ شعبه من الأخطار التي تحاصره بسبب ممارسات وجرائم هذه المليشيات العميلة لإيران، وبخلاف ذلك فإن مصير ملايين اليمنيين سيظل مفتوحاً على مصراعيه في انتظار مزيد من الجرائم الحوثية ـ الإيرانية.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة