"جرائم الحوثي" في اليمن.. صور مأساة لم تلتقطها عدسة الخبراء الأمميّين
تتصاعد خيبة الأمل من تقرير فريق الخبراء الدوليين الأخير، لتنكبه النزاهة في تقييم جرائم مليشيات الحوثي، وصلَفها ضد اليمنيّين.
نتائج التقرير الأممي جاءت صادمة لملايين اليمنيين الذين روعتهم جرائم الحوثي، ما يجعل كل من يراقب أداء الفريق الدولي، يختصر أداء الفريق في حقيقة واحدة: "لا يتسم بالنزاهة"، يقول المتضررون من التقرير.
واليوم الإثنين، تنتهي مهمة فريق الخبراء الدوليين رسميا، وذلك تزامنا مع ختام الدورة الـ48 لمجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة.
وغابت عن المعطيات التي اعتمد عليها فريق الخبراء في تقاريره وقائع كثيرة، لم تكن ضمن اهتمامات الفريق الدولي، من بينها الاعتقال والخطف بتهم كيدية وتعريض الضحايا لعمليات تعذيب وحشية.
انحياز للجلاد
ويعلق الناشط التهامي سامي باري على ختام مهمة الخبراء الأمميين بالقول إن تجاهل الفريق لآلاف الجرائم يكشف انحيازهم الواضح للجلاد المتمثل بمليشيا الحوثي على حساب الضحايا من المدنيين .
ويرى باري أن "تركيز الخبراء على مهاجمة الحكومة الشرعية المعترف بها دوليا وكذا مهاجمة التحالف العربي يوحي بما لا يدع مجالا للشك بأن صياغة التقرير تمت تحت إشراف الإرهابي حسن إيرلو الحاكم العسكري الإيراني للعاصمة اليمنية صنعاء".
فتجاهل تقرير الخبراء -يقول الناشط اليمني- لجرائم مليشيا الحوثي بحق المدنيين العزل من الأطفال والشيوخ والنساء ضحايا المقذوفات والصواريخ والألغام الحوثية وعدم الإشارة إلى مثل هذه الانتهاكات والجرائم وتصنيفها على أنها "جرائم حرب إبادة" إلى جانب الاعتداءات على الحقوق والحريات، والاعتقال التعسفي، دليل على أن الفريق "غير نزيه"، وقد كانت نتيجة ذلك هو عزله وعدم التجديد له مرة أخرى.
لكن سكوت الخبراء عن معاناة الضحايا، لم تُخرس العشرات ممن مسهم ضرر الحوثي، من أمثال ذكرى حندج؛ التي كانت من أوائل المدنيين في الساحل الغربي الذين تعرضوا للاختطاف من قبل المليشيات الانقلابية، أو زيد عوض، أو الشميري.
مأساة حندج
لا تنكر حندج، وهو تروي مأساتها لـ"العين الإخبارية"، أن نشاطها في المجال الإنساني، ومجاهرتها ببغض المليشيات، وضعها هدغا ضمن قائمة بنك الاستهداف الحوثية، ففي صباح الثاني والعشرين من نوفمبر من عام 2018، وبينما كانت تسير في أحد شوارع مدينة الحديدة تفاجأت بقوة حوثية تحيط بها من كل جانب، وأمرتها بالصعود على متن مركبة.
تقول "حندج"، وهي تسرد قصتها بألم المظلوم: "شعرت بالرعب ورفضت الانصياع لأوامرهم، لكن عناصر الدورية الحوثية لم يخوضوا معي نقاشا طويلا، وانما نزلوا وأمسكوا بي ثم قذفوا بي إلى مؤخرة المركبة".
وتتابع فصول المأساة بالقول: "تمت تغطية عيوني بقطعة قماش، وتم اقتيادي إلى السجن المركزي في الحديدة، أدخلت غرفة ضيقة وحرمت من الطعام والشرابـ وحق الحصول على دخول دورة المياه، أو الاتصال بالعائلة"..
تقول "حندج" كان الوضع قاسيا جدا فلا مكان لقضاء الحاجة ، ولا مكان للنوم، فيما التحقيقات بتهم التعاون مع التحالف والحكومة الشرعية تستمر، حتى ساعات الفجر الأولى خلال الأسبوعين اللذين أعقبا عملية الاعتقال.
هكذا وفي مجتمع يمني كانت المرأة فيه تحظى بالتقدير، يعامل عناصر المليشيات نساء اليمن، "لقد كانت لحظات رعب لا توصف"، تقول الضحية "حندج".
وكان الهدف من معاملة حندج بهذه الطريقة إرغامها على الاعتراف بالتهم التي ألصقت بها، وحينما كانت تطالب المحققين بدليل يثبت ادعاءهم كان يتم تجاهلها، كما أنها غير مجدية بالنسبة لعناصر متوحشة لا تفهم سوى تعذيب الضحية، حسب رواية السيدة اليمنية.
لكن الأمر لم ينته عند هذا الحد، فالوقائع الأشد رعبا كانت أثناء قيام عناصر المليشيات بتصويب أسلحتهم الشخصية نحو رأس حندج، فيما كان المحقق الحوثي يأمرها بالاعتراف، تحت طائلة التهديد بقتلها، وهي لحظات رعب كانت تجعلها تدخل في حالة إغماء .
وخلال أسبوعين الأولين من التحقيق العنيف أصيبت حندج بانهيار عصبي، حرمها من النوم في اللحظات القصيرة التي كانت تحصل عليها .
وتشرح حندج لـ"العين الإخبارية" كيف أخفت مليشيات الحوثي أمر اعتقالها عن أسرتها، وحينما علم شقيقها وهو "معتقل سابق تم الإفراج عنه" ، أصيب بصدمة نفسية أدت إلى وفاته.
وبعد ثلاثة أشهر من التعذيب النفسي والجسدي أطلق سراح حندج، بوساطة رئيس البعثة الأممية في الحديدة حينها، مايكل لوليسجارد، لكن مقابل أسير حوثي.
نسف المنزل والملاحقة
مأساة أخرى عاش فصولها المرعبة مواطن يمني من سكان السهل التهامي الواقع غرب البلاد؛ إذ كان زيد عوض من أوائل المدنيين الذين هجرتهم مليشيات الحوثي وفجرت منازلهم في مديرية المخا.
وعرضت المليشيات على عوض التعامل معها وتجنيد الشباب ضمن صفوفها، وعندما رفض مطالبها وضع ضمن قائمة الاستهداف.
علم الرجل البالغ من العمر نحو 50 عاما بمخططات المليشيات الإجرامية، وفر خارج بلدته الريفية، باحثا عن مكان آمن، وحينما لم تجده عناصر الحركة الإرهابية داخل المنزل قامت بنسفه بالمتفجرات.
يستذكر عوض بحرقة في حديثه لـ"العين الإخبارية"، لحظات الرعب التي عاشها عند فراره بالقول: "كنت كثير التفكير بمدى معرفة المليشيات بأمر فراري، و كنت كثيرا ما أخشى اللحظة التي ترتطم فيها رصاصة المليشيات في ظهري وـسقط مضرجا بدمائي".
كانت لحظات رعب لن أنساها -يضيف عوض- لكنني تمكنت من النجاة، أما الأسرة فقد أخبرتهم بضرورة الانتقال إلى منزل أحد أقربائنا، في قرية مجاورة، من قرى الشاذلية الواقعة شمال المخا، ومن هناك سلكوا طريقا مختلفا للطريق التي اتخذتها للهرب.
ويختم الخمسيني اليمني معاناته وأسرته من ظلم مليشيات الحوثي، بالتأكيد على أن الأخيرة "مسؤولة عن الترويع الذي يعيشه ملايين اليمنيين، لكن الأمر المحير هو أن تلك الجرائم تمضي دون عقاب أو حتى مساءلة"، مستغربا من "تجاهل الأمم المتحدة لكل تلك الفظاعات، دون التطرق لها، كما لو أن الضحايا ليسوا من البشر".
عام من التعذيب
ولم يكن اليمني "الشميري" أفضل حالا من سابقيه، في تجربته مع الحوثيين، ففي عام 2018 اعتقل من منزله في منطقة النجيبة الواقعة شمال المخا اليمنية، في أوج احتدام معارك القوات المشتركة مع المليشيات في الساحل الغربي.
لم يكن الشميري منخرطا في القتال، فهو مدنب يعيش على ما تكسبه يداه، ومع ذلك اقتيد إلى سجن سري تابع لمليشيات الحوثي في الحديدة، وبعد عام من التعذيب نقل إلى صنعاء حيث تعرض خلالها لتعذيب وحشي وأجبر على الاعتراف بالقيام بمهام تصوير المعارك لصالح القوات المشتركة.
يقول الشميري لـ"العين الإخبارية": كنت أنكر تلك التهم وأنني مجرد مدني، ومع ذلك استمر عناصر المليشيات بممارسة التعذيب ضدي بقسوة.
وبعيدا عن أجواء الرعب التي يعيشها المعتقل هناك طرق أخرى تمارسها المليشيات بحق المختطفين ،حرمانهم من الأدوية ومن حق مقابلة الطبيب ، والحرمان من الغذاء السليم والكافي والمياه النقية للشرب بحسب ذلك الرجل البالغ من العمر نحو أربعين عاما.
يضيف الشميري: "في أجواء شديدة البرودة في صنعاء، لا يتم تزويد السجناء بالأغطية المناسبة بل بأشياء خفيفة لا تقي من البرد القارس".
في النهاية خرج الشميري من معتقله في صفقة تبادل للأسرى بين المليشيات والحكومة اليمنية، ويلخص مأساته وأمثاله ممن يعتقلهم الحوثي، بالقول: "من يكتب الله له عمرا جديدا يتمكن من الخروج ، ومن لم يحالفه الحظ يخرج جثة هامدة".
aXA6IDE4LjIyMy4yMTAuMjQ5IA== جزيرة ام اند امز